مجلة وفاء wafaamagazine
«المتاحف في لبنان مناراتُ الذاكرة التراثية»، هو عنوان الندوة التواصلية الرقمية السابعة عن بعد التي عقدها «مركز التراث اللبناني» في الجامعة اللبنانية الأَميركية (LAU). الندوة التي أَعدَّها مديرُ المركز الشاعر هنري زغيب وأَطلقَها من «مؤَسسة قرداحي» التابعة للجامعة في بيبلوس، شارك فيها: من باريس الباحثة هناء الصمَدي نعمان مؤَلفة كتاب «على دروب المتاحف في لبنان» (الصادر بالفرنسية سنة 2018 عن «منشورات غوتنر» في باريس)، ومن لندن كلود ضومط سرحال مديرة البعثة الأركيولوجية للحفريات الأَثريّة في مدينة صيدا، ومن بيروت آنّْ ماري مايلا عفيش المديرة العامّة لــ«الهيئة العامة للمتاحف»، وسليم ميشال إِده مؤَسّس متحف «ميم» للمعادن النادرة، وزينة عريضة مديرة «متحف سرسق» في بيروت. في الكلمة الافتتاحية ركَّز زغيب على أَن الهدف من هذه الحلقة التواصلية هو مجرَّد إِعطاء فكرة عامة عن حضور المتاحف الوطنية والخاصة في لبنان، وأَهميتها ودورها «في استقطاب المواطنين والسيَّاح، وفي بلورة الجواهر والكنوز التي تحتضنها هذه المتاحف بموجوداتها المادية والأَثرية والتاريخية والسياحية ومخطوطاتها وآثار أَعلامها ومواد أُخرى نابعة من تاريخ لبنان ومفاصله الحاسمة وما تختزن أَرضه من خيرات ونفائس يختصّ لبنان وحده بالكثير منها».
من جهتها، قال هناء الصمَدي نعمان (الباحثة في التراث الشعبي) إن في كتابها معلوماتٍ أَساسيةً وضروريةً بالنصوص والصوَر والخرائط والأَرقام والوقائع لمجموعة 105 متاحف موزّعة في جميع المناطق اللبنانية، وأَن الدافع إِلى وضعه دليلاً مبسَّطاً سهلَ المتابعة هو إِيمانُها بضرورة أَن يعرف اللبنانيون أَهمية بلادهم وما فيها من إِرث غنيٍّ، معظمُه نادر، موجودٍ في هذه المتاحف. وهي ليست جميعاً متاحف بالمعنى الحرفي الاصطلاحي للكلمة، بل هي أَيضاً في أَغلبيتها بيوتُ أَعلام أَو أَماكن حفظ إِرثهم (بيت الياس أَبو شبكة في زوق مكايل، البطريرك الياس الحويك في عبرين، مطبعة عبد الله الزاخر في دير مار يوحنا الصايغ – الخنشارة، معرض النقود في المصرف المركزي في بيروت، متحف الجامعة الأَميركية في بيروت، متحف ما قبل التاريخ في جامعة القديس يوسف في بيروت، ومتحف جبران في بشرّي)، … وكشفَت أَن متاحفَ وبيوتاً وأَماكن أُخرى تُهيِّئُها للطبعة المقبلة من الكتاب.
واعتبرت آنّْ ماري عفيش أنّ الهدف من تأْسيس «الهيئة العامة للمتاحف» هو الاهتمام بنشر هذه المتاحف وتشجيع الزوار على اكتشاف ما فيها من كنوز نادرة. وقالت إِن الهيكلية ما زالت في طور التحضير، لنسج علاقتها الوثقى بين المتاحف الوطنية والمتاحف الخاصة. وفي عرض مختصر، نوَّهَت بتأْسيس المتحف الوطني سنة 1937 وتدشينه سنة 1942، ودور المير موريس شهاب في الحفاظ على موجوداته من خطر الحرب حوله حين كان على خط التماسّ. وعدَّدت أَقسامه وأَجنحته ومحتويات كل جناح، وركَّزت على نُدرة كنوزه، في طليعتها ناووس أَحيرام المكتشَف في بيبلوس وعليه منقوشةٌ حروف الأَبجدية الفينيقية التي هي أَقدم أَبجدية صوتية في التاريخ. وختمَت بأنّ المتحف مفتوح للزوار ويقصده الآلاف سنويّاً من لبنان والعالم، وخصوصاً في تظاهرة «ليلة المتاحف» و«يوم التراث العالمي».
كلود ضومط سرحال، العالمة والباحثة الخبيرة في الآثار، أخذتنا إلى صيدا، إذ شرحت أَهمية المكتشفات الأَثرية النادرة في ثلاثة مواقع من المدينة الجنوبية، بدأَ التنقيب فيها قبل ثلاثة عقود، بالشراكة مع المتحف البريطاني، مشيرة إِلى عراقة تاريخ لبنان الذي أَثبتَت حفرياتٌ فيه أَن شعب لبنان يتحدَّر من سلالات كانت تعيش على هذه الأَرض قبل 4000 سنة، كما تُظهر قطع أَثرية، بعضها لا يزال على طبيعته وأَلوانه الأَصلية، وبعضها تبقى منه حطَمٌ يتم تجميعُها وتوليفُها، وسوف يقام لها متحف خاص، ما يُثبتُ مقولة المؤَرخ بول موران في كتابه «المتوسطُ: بحرُ المفاجآت» (باريس 1938): «جاء زمنٌ كانت فيه صيدا وصور كلَّ تاريخ العالم». وختمَت سرحال بأَن الحفريات ستتواصل قريباً حين تُصبح الحالة الصحّية في لبنان قابلة لمواصلة الأَعمال في تلك المواقع.
جاء زمنٌ كانت فيه صيدا وصور كلَّ تاريخ العالم (بول موران)
سليم ميشال إِدّه مؤسّس متحف «ميم» سرَد قصته مع هذه المعادن المذهلة الجمال، بتجميع بعضها خلال أَسفاره منذ 1997، وشراء بعضها الآخر، حتى أَنشأَ متحفاً خاصّاً بها (على 1300 متر مربع)، جرى افتتاحه في تشرين الأَول (أكتوبر) 2013 في مبنى الرياضة والإبداع لدى «جامعة القديس يوسف» في بيروت. وقال إِن المتحف يضمّ حالياً أَكثر من 2000 قطعة نادرة من المعادن تتوزع على 450 نوعاً من مختلف الأَلوان والأَشكال، محمولة من 70 دولة في العالم، إِضافة إِلى جناح خاص بالمتحجِّرات البحرية المجموعة من مواقع خاصة بها في لبنان.
مديرة «متحف سرسق» زينة عريضة روت أَن هذا القصر وهَبَهُ صاحبه نقولا ابراهيم سرسق في وصيته (توفي سنة 1952)، ليكون واحة فنون ومعرض إِبداعاتها، فتحوّل القصر (المبني سنة 1912) إِلى متحف افتَتح مواسمه بمعرض الخريف سنة 1961، وراحت المعارض تتوالى فيه لمعظم روَّاد الحركة التشكيلية اللبنانية، وتشكِّل حدَثاً فنيّاً على المستويَين اللبناني والعالمي. توقفَت مواسم المتحف سنة 2008 لأَعمال ترميم استمرّت خمس سنوات ثم أُعيد افتتاحه بطابعه الجديد سنة 2014 ليكون واحة معارض دائمة تضم أَعمال الكبار والموهوبين الجدد، ومعارض استعادية أَحدثها حاليّاً معرض جورج داود قرم المستمر حتى شباط (فبراير) 2021.
الاخبار