الأخبار
الرئيسية / فنون / متحف نجيب محفوظ: «فضيحة في القاهرة»!

متحف نجيب محفوظ: «فضيحة في القاهرة»!

الثلاثاء 16 تموز 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

في مناسبة أشبه ما تكون بالفولكلورية، افتتحت وزارة الثقافة أول من أمس متحف نجيب محفوظ بعد 13 عاماً من التأخير، لتكون المفاجأة الكبرى: مقتنيات كثيرة تبرعت بها أسرة الراحل، لم يضمّها الصرح الذي اقتصر على صور رديئة لـ «عميد الرواية العربية» ومجموعة أقوال متداولة على مواقع التواصل نُسبت له لا لأبطال رواياته، وعرض بعض ملابسه وغيرها.

هكذا، افتقر المكان إلى أن يكون متحفاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من وظائف وأدوار يضطلع بها عادةً: مركز ثقافي للباحثين عن تاريخ الرواية العربية وتوثيق كل إنتاجات صاحب «أولاد حارتنا»القاهرة | أخيراً، لن نطرح السؤال السنوي: أين متحف نجيب محفوظ؟ السؤال كان يتجدد في كل ذكرى لنجيب محفوظ (11 كانون الأول/ ديسمبر 1911 – 30 آب/ أغسطس 2006) بسبب تأخر وزارة الثقافة المصرية في افتتاح متحف أديب «نوبل». بعد ثلاثة عشر عاماً من الانتظار، والوعود الدائمة باقتراب الافتتاح، والخلافات حول المكان، والتسريبات حول ضياع المقتنيات، أصبح لنجيب محفوظ أخيراً متحف.

مناسبة تستدعي الفرح والاحتفال، لكن لا ينبغي أن ينسينا الفرح ذلك الاستسهال الذي تعاملت به وزارة الثقافة مع المتحف وطرق العرض، والمعروضات نفسها. قد نتجاوز مسألة تأخر الافتتاح ما يقرب من 13 عاماً منذ أن أعلن عنه عقب رحيل محفوظ في آب (أغسطس) 2006، وسنتجاوز أيضاً اختيار مكان في الباطنية بينما ولد صاحب المتحف في الجمالية. وسنتجاوز مسألة صعوبة الوصول إلى المكان، ووجوده في قلب سوق شعبي، وكذلك عدم تخصيص كل المكان لمحفوظ، إذ يضم في أحد طوابقه مكاتب إدارية لموظفين تابعين لوزارة أخرى، هي وزارة الآثار التي رفضت إخلاء المكان وتخصيصه بالكامل لنجيب محفوظ. ربما يسألون: من يكون هذا المحفوظ؟!

سنتجاوز كل ذلك طبقاً للمثل الشعبي الشهير «نصف العمى ولا العمى كله». لكن ما لا يمكن تجاوزه أن أسرة نجيب محفوظ تبرّعت للوزارة بمئات التحف، والهدايا والأوسمة والنياشين، لكنّها لم تُعرض في المتحف! بل إنّ السجادة المعروضة لا تخصّ نجيب محفوظ. الأسرة تبرّعت بسجادة فاخرة أهداها الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وهي سجادة نادرة ومرتفعة الثمن ذات لون أحمر. أما تلك المعروضة في المتحف، فلا تخص نجيب محفوظ، بل تم استبدال السجادة الأصلية بواحدة فقيرة. كما أنّ كثيراً من المقتنيات التي تبرعت بها الأسرة، لم نرَها في العرض المتحفي. بخلاف السجادة، هناك مسبحة محفوظ، والعدسة المبكرة وأشياء أخرى كثيرة تمتلكها ابنة محفوظ حصراً مع صور لها.

وهو ما يطرح عدداً من الأسئلة: أين ذهبت هذه المقتنيات؟ هل فقدت أم تسرّبت؟ أم لا تزال موجودة؟ هل يمكن أن تعيدها الوزارة مرة أخرى إلى الأسرة باعتبار أنه ليس لها مكان في العرض؟ أم أنّها «ستظل في «مخازن الوزارة» حتى تأكلها الفئران؟ قد تكون وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم مطالبة بالتحقيق في الموضوع، قبل أن يصبح الأمر مثل عنوان رواية نجيب محفوظ «فضيحة في القاهرة».


ومثلما لا يمكننا تجاوز المقتنيات المختفية، لا يمكن أيضاً تجاوز سيناريو العرض المتحفي الساذج حيث افتقد المتحف الإجابة على السؤال الأهم: لماذا نخصص متحفاً لنجيب محفوظ؟ بالتأكيد، سيلجأ بعضهم إلى الإجابة السهلة، باعتباره صاحب أول جائزة «نوبل» في الأدب العربي. إجابة حقيقية، لكنها تحجب حقيقة أخرى هي أن أيّ متحف ـــ حسب تعريف المجلس العالي للمتاحف ـــ هو مؤسسة لخدمة المجتمع وتطويره، وهو مفتوح للعامة، يقوم بجمع، وحفظ، وبحث، وعرض التراث الإنساني وتطوره، لأغراض التعليم، والدراسة والترفيه. فما الذي توافر من هذه الشروط في متحف محفوظ؟

عرض مجموعة صور لمحفوظ لم تكلف الوزارة نفسها عناء البحث عن أصولها أو توثيقها بشكل احترافي

استدعت وزارة الثقافة طقوس التحنيط الفرعونية في صياغة فلسفة المتحف: مجموعة من الأقوال المتداولة على مواقع التواصل قالها أبطال محفوظ في سياق درامي معين، نسبها المتحف لصاحب الثلاثية، بدون وعي بأن ما ينطق به أبطال العمل أو شخصياته، لا ينبغي أن ينسب إلى صاحب العمل. مجموعة صور لمحفوظ لم تكلف الوزارة نفسها عناء البحث عن أصولها أو توثيقها بشكل احترافي، بل اكتفت بـ«السطو» عليها من مواقع الإنترنت، وبجودة رديئة، ما جعلها باهتة لا تليق بالعرض. عدد من الكتب التي أخرجتها الوزارة من مخازنها، باعتبارها الكتب النقدية التي تناولت «عميد الرواية العربية»، ولم تتجاوز 60 كتاباً. الطبعات الأخيرة من أعمال محفوظ المتوافرة…

كان يمكن للوزارة تقديم ما لا يمكن للآخرين تقديمه، بحيث يصبح المكان أساساً للباحثين عن تاريخ الرواية العربية، وأدب نجيب محفوظ، لكنّ ذلك لم يحدث. لا الطبعات الأولى من أعمال محفوظ متوافرة، ولا أرشيفه الصحافي (باستثناء صفحة واحدة من جريدة «الأهرام» أثناء نشر رواية «أولاد حارتنا»)، ولا الدراسات النقدية التي كتبت عنها وهي بالآلاف… ولا حتى الأرشيف الفوتوغرافي، ولا أعماله التي لم تنشر في كتب، ولا ترجمات أعماله في مختلف اللغات. لن يذهب الباحثون من أجل مشاهدة ملابس نجيب محفوظ.. وإذا فعلوا، فلن يحدث ذلك سوى مرة وحيدة.


نفرح بالتأكيد لأننا لن نطرح مرة أخرى السؤال: أين متحف نجيب محفوظ؟ ولكن أيضاً لن نكتفي بمجرد ما تم فعله، بل أن يصبح المكان «متحفاً» حقيقياً ومركزاً ثقافياً لطرح الأسئلة.

في «تكية أبو الدهب»
افتتحت وزارة الثقافة المصرية يوم الأحد، متحف نجيب محفوظ في «تكية أبو الدهب» التي تعود للعصر العثماني، في حي الأزهر، وسط القاهرة. وأفادت وزارة الثقافة في بيان أنّ الافتتاح جاء بعد 13 عاماً من وفاته وتخصيص مكان لإقامة المتحف. وقالت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، في تصريحات صحافية، إن «الافتتاح يعد حدثاً عالمياً هاماً باعتبار الراحل أحد الفائزين بجائزة نوبل للآداب».

ويتألف المتحف من طبقتين: الأولى تحوي قاعات للندوات، ومكتبة سمعية بصرية، ومكتبة عامة، ومكتبة نقدية تضم أبحاثاً ودراسات عن أعمال محفوظ. أما الثانية، فتضم جناحاً للأوسمة والشهادات التي نالها الراحل، كما تضم آخر متعلقاته الشخصية مع بعض الأوراق بخط يده وقاعة المؤلفات التي تضم جميع أعمال محفوظ بطبعاتها القديمة والحديثة، إضافة إلى الأعمال المترجمة إلى جانب قاعة للسينما وقاعات عدة أخرى.

يذكر أنّ محفوظ حاز جائزة «نوبل» عام 1988 فيما تدور أحداث جميع رواياته في مصر، من أشهرها الثلاثية («بين القصرين»، «قصر الشوق»، «السكرية») وهو أكثر أديب عربي حوّلت أعماله إلى السينما والتلفزيون.

أحمد شوكت – الأخبار