الرئيسية / سياسة / احذروا “الكابيتال كونترول” على الطريقة اللبنانية: ودائعكم في خطر!

احذروا “الكابيتال كونترول” على الطريقة اللبنانية: ودائعكم في خطر!

مجلة وفاء wafaamagazine

“الكابيتال كونترول” من المصطلحات التي اقتحمت يوميات اللبنانيين منذ أن وقعت نكبتهم المالية. عمليًّا كلّ المصارف تمارس قيودًا على السحوبات بشكلٍ استنسابي، ومن دون أيّ مصوّغ قانوني، فتحرم مودعين بضع دولارات وتمنح آخرين ما شاؤوا.

غداة 17 تشرين الأول عمد أصحاب نفوذ إلى تهريب مبالع مالية كبيرة من حساباتهم إلى الخارج، عبر تحويلات مصرفيّة استمرت خلال فترة إغلاق المصارف أبوابها، في وقت منعت المصارف من لا حول له ولا قوة من التصرّف بالقليل من أمواله. اليوم وبعدما هُرّب ما هُرّب، راحوا يبحثون في قوننة الكابيتال كونترول، لاسيّما وأنّه يشكّل مطلبًا من قبل صندوق النقد الدولي. فهل يحمي هذا القانون أموال المودعين، أم يمنح المصارف أداةً قانونية لإستمرار احتجاز “تحويشة العمر”؟

الأستاذة الجامعية والباحثة في القوانين المصرفية والمالية الدكتورة سابين الكيك أوضحت في حديث لـ “لبنان 24” أنّ الإجابة على السؤال تقتضي بادئ ذي بدء تحديد واضح للكابيتال كونترول “أي ضوابط رأس المال، وهي تقنية مالية-نقدية، تفرض مجموعة من القيود على تداول العملات الأجنبية، تطال إمّا التحاويل الخارجية أو التدفقات الخارجية أو الإثنين على حدٍّ سواء”.

أضافت الكيك أنّ لهذه التقنية أوجه عديدة “مثل إقفال أبواب المصارف لفترة محدّدة، القيود على السحوبات النقدية عبر المصارف أو عبر الصناديق الآلية، الحدّ من التحاويل الخارجية، الحدّ من إدخال العملات الاجنبية النقدية عبر الحدود، وقف تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية”.

صحيح أنّ الدول التي تتعرّض لأزماتٍ مالية، تلجأ إلى الكابيتال كونترول كإجراءٍ وقائي أو إستباقي، لضبط تحويل الأموال الى الخارج، ولكن في لبنان إنتظرت السلطة استكمال عمليات تهريب مليارات الدولارات، ثمّ بدأت تفكّر بقوننة السحوبات. فهل من جدوى للقانون بعد تهريب مليارات الدولارات إلى الخارج؟

الكيك تلفت إلى أنّ الهدف الأساسي من ضبط رأس المال يكمن في وجوب معالجة أزمة مالية، عبر التخفيف قدر الإمكان من تداعياتها على مستوى تدنّي النقد

الوطني، من خلال امتصاص مخاطر التداول بالعملات الأجنبية. مع العلم، أنّه من الأصح والأسلم والاسهل أن تطبّق تقنية الكابيتال كونترول كوسيلة “وقائية” عند ظهور أول بوادر أزمة مالية في الأفق. وتفنّد الكيك آليات تطبيق ضوابط رأس المال عبر مراحل متعددة:

تكمن المرحلة الأولى في إقرار السلطات الدستورية، خطّة متكاملة، وقائية قبل اندلاع الأزمة، أو علاجية بعد اندلاعها، تترافق مع تشريعات وقوانين تضع الإطار والتنظيم والشروط والمدة، بما يتناسب مع الخطّة الإنقاذية والإصلاحية.

في المرحلة الثانية يجري تطبيق ومراقبة ضوابط رأس المال، وفق التشريعات الصادرة عن الجهات الدستورية، وعادة ما يكون البنك المركزي هو الجهة الرسمية المخوّلة بمرحلة التطبيق والإشراف والمراقبة. إذ يعمد إلى تحديد سلسلة من القيود المصرفية والنقدية تضمن احتياطيات العملات الأجنبية لديه، بما يتوافق مع الخطّة الإنقاذية.

في المرحلة الثالثة تتم المباشرة بتنفيذ القيود على ضوابط رأس المال، من خلال اجراءات تطال العمليات المصرفية والمالية والنقدية مع العملاء، الوطنيين أو الأجانب، إن على مستوى السحوبات أو التحاويل، أو تداول العملات الأجنبية، أو إدخال العملات النقدية عبر الحدود، أو مستوى أسعار الفائدة أو غيرها.

هل مفهوم الكابيتال كونترول كمقاربة علاجية في الأزمات المالية هو نفسه المطروح في لبنان؟

تنطلق الكيك من توصيف الإجراء وهدفه، لتشير إلى أنّه “ليس عملية إستيلاء على أموال المودعين، بل أنّ أهميته تكمن في تطبيقه ضمن خطّة إنقاذية متكاملة، بحيث يترافق مع سلسلة من الإجراءات التي تحمي المودعين وتعيد ثقتهم. ولكن عندما يُلبنن الإجراء ليحمي فئة من المحظيّين، من السياسيين وأصحاب المصارف، يصبح عملية استيلاء على أموال الناس من قبل سلطة سياسية فاسدة وقطاع مصرفي مريب. فحماية أصحاب المصارف لا تعني إطلاقًا حماية المصارف. والكابيتال كونترول لا يعني منع المودعين من سحب أموالهم، أو تحويل تكاليف متعلّقة بالدراسة أو العلاج، في وقت يُستنزف احتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية لدعم استيراد النفط وسلع أخرى، تُهرّب عبر الحدود غير الشرعية”.

الكابيتال كونترول دون خطة إنقاذية عملية استيلاء

ولأنّ الإستنسابية وغياب الشفافية تحكم الأداء السياسي القضائي والمصرفي، تتخوف الكيك من قوننة الكابيتال كونترول “كونه لم يطبّق ضمن خطّة إصلاحية، منعت الهدر والفساد في الكهرباء المقطوعة عن منازل المودعين، الذي يدفعون تكاليفها من مالهم الخاص. فضلًا عن طرح قوننته في ظل قانون السرّية المصرفيّة الذي يحمي حسابات المصرفيّين والنافذين، تحت مظلة مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة. وكونه سيخضع لرقابة “الهيئات القضائية العليا” التي منعت وتمنّعت عن تنفيذ تدابير إحتياطية، صدرت بموجب أحكام قضاة نزيهين”.

تخلص الكيك إلى اعتبار أنّ “أيّ إقرار للكابيتال كونترول سيصبّ حتماً في رعاية مصالح المصرفيّين والنافذين والمقرّبين، ويقضي على آمال المودعين باستعمال ما تيّسر من مدخراتهم. طالما أنّ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تراوح مكانها في ظلّ هذه السلطة السياسية التشريعية والتنفيذية، التي فقدت الثقة مع كلّ من المجتمع الدولي والشعب، وأصبحت عاجزة تماماً عن اتخاذ خطوات إنقاذية للأزمة المستفحلة”.

حال الجهاز المصرفي، ليس أفضل “أي مصرف لبنان كهيئة ناظمة ولجنة الرقابة على المصارف كهيئة رقابية والمصارف العاملة، هذا الجهاز فقد الثقة والائتمان أيضاً على المستويين المحلي والدولي، بعد أن تخطّت الأزمة المصرفية حدود ضوابط رأس المال بكثير، وأضحى الشح النقدي و الجفاف الائتماني، هو من يفرض ضوابط وقيودًا واقعية وفعلية”.

الثقة الفقودة تعاظمت كذلك “في ظلّ السلطة القضائية الغائبة عن أداء دورها كملاذٍ أخير للمواطن اللبناني، بعد أن سقط بعض قضاتها في امتحان استقلالية النفوس، تحت وعود المراكز القضائية المنتظرة في نصوص التشكيلات المعطلة.”

أيّها “المنقذون” تطرحون عناوين إصلاحية، كالكابيتال كونترول والتحقيق الجنائي واستعادة الأموال المنهوبة، وتطبّلون لإنجازاتكم كتلك، وعلى مسامع ضيوفنا الأجانب على قلّتهم، تسوّقون “إصلاحاتكم”، التي سرعان ما تصيبها تشوهاتكم الجوهرية، فتنقلب بفعل ما تتصفون به من سذاجة أو تواطؤ ، إلى أداة للمناكفات السياسية وتصفية الحسابات، وتُفرّغ من أيّ فعل إصلاحي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لبنان 24