الاثنين 22 تموز 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
لا يمكن المجلس الدستوري المنتهية ولايته ان يذهب الى تحديات كبيرة في ملف الموازنة، على رغم ان الرهان على هذا المجلس، قديمه أو جديده، كبير في عدد كبير من الملفات العالقة وتلك المستجدة. واذا كان احتمال ان يتقدم عشرة نواب بطعن في الموازنة امام المجلس المستمر بحكم عدم تعطيل المؤسسات، فان التحدي يكمن في وجود الرغبة لدى اعضائه في العمل او اصدار قرارات جديدة بعدما تم تعيين خمسة اعضاء جدد فيه لم يقسموا اليمين الدستورية في انتظار اكتمال عقد التعيينات.
فلا يمكن المجلس الدستوري الجديد ان يباشر مهماته منقوص الاعضاء، اذ ان انتخاب خمسة اعضاء له في مجلس النواب، لم يستتبع بتعيين الخمسة الاخرين في مجلس الوزراء المعلق على “حبال الهواء” في انتظار مبادرة ما تعيد بث الروح فيه بعدما عطلته مفاعيل حادثة قبرشمون. وفيما لم تحسم جهات مواكبة إمكان انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في الأسبوع الطالع على رغم تعويل الرئيس سعد الحريري على تفعيل الحكومة خصوصاً أن ملفات عدة في انتظارها، علمت “النهار” من مصادر اخرى ان الاتصالات الاخيرة، وتحديداً أمس، افضت الى شبه توافق على الحلول السياسية لحادثة قبرشمون، ويبقى الاخراج الذي يحفظ كرامات الافرقاء المعنيين به، من دون تظهير انتصار فريق على اخر. وقد أظهر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مرونة أمس في تغريدة دعا فيها انصاره الى اعتماد لغة الحوار.
وكان الرئيس نبيه بري قد استقبل أمس بعيداً من الإعلام الوزير السابق غازي العريضي والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم الذي يواصل مهمته التقريبية بين الافرقاء. والتقى ابرهيم لاحقا النائب طلال ارسلان فالرئيس سعد الحريري، وجرى تداول للافكار المطروحة والتي انطلقت من مسودة حل أعدها الوزير سليم جريصاتي يجري امرارها في مجلس الوزراء، تليها او تسبقها مصالحة بين جنبلاط وارسلان.
وأوضحت المصادر لـ”النهار” ان الافكار ستتبلور أكثر اليوم، وربما دعا الرئيس الحريري الى جلسة لمجلس الوزراء الخميس او الجمعة المقبلين، وفي حال تعثر الاتصالات يكون الموعد يكون الاسبوع المقبل في اسوأ حال، اذ لا مجال بعد ذلك لأي تأخير او تعطيل.
واذا كانت حادثة قبرشمون ارجأت البحث في استكمال عقد المجلس الدستوري، فان التباعد السياسي يمكن ان يؤدي الى اطالة أمد التعيين، وفرض مزيد من التعطيل، يضاف الى شكوك في انطلاقة فعلية للمجلس بسبب تركيبته التي بدت هشة في مرحلتها الاولى، وينتظر بحذر الى المرحلة الثانية للتأكد من استمرار المسار نفسه او تصحيحه فلا يتحول المجلس الدستوري مجلساً للمتقاعدين أو ينظر اليه كأي محكمة عادية ناظرة في قضايا الايجارات وغيرها.
وقالت مصادر حقوقية لـ”النهار” إن الفترة الفاصلة بين الانتخاب والتعيين تسمح بتقويم العملية الأولى أي ما أنجز من انتخاب في مجلس النواب حيث توافقت معظم الكتل على بدعة لهيئة مكتب المجلس باقتراح خمسة أسماء مما عطّل فعلاً مبدأ الانتخاب وجعله صوريًا لا أكثر. علما ان مجلس النواب الذي انتخب عام 2008 أعضاء المجلس الدستوري السابق، أجرى دورتي اقتراع حتى تمكن من انتخاب الأعضاء الخمسة. انتخب في الدورة الأولى عضوان، والثلاثة الآخرون في الدورة الثانية.
أما الظاهرة التي تميز بها انتخاب الأعضاء الخمسة الاسبوع الماضي، فكانت الاتيان بخمسة قضاة متقاعدين في ظاهرة قد تؤدي إلى انحراف المجلس الدستوري عن الأهداف التي أنشئ من أجلها. فالقاضي اعتاد طوال حياته المهنية التقيد الحرفي بتطبيق القانون، والعمل على تنفيذه بحذافيره بمعزل عن توافقه أوعدم توافقه مع الدستور. أما القضاء الدستوري، فهو يُقدّس الدستور ويعمل على نقض القانون المطعون في دستوريته لإبطاله “فطبيعة عمل العدالة الدستورية مناقضة أصلاً لعمل القاضي العادي”.
واستنادًا إلى ما هو متداول من أسماء مرشحة لدخول المجلس الدستوري، يُخشى ان يأتي المجلس العتيد امتداداً للقضاء العادي نظراً الى العدد الكبير من القضاة المرشحين للتعيين، خصوصاً من الذين عملوا في مجال القانون الخاص. وقالت المصادر: “إذا كان المسؤولون عن السلطتين التنفيذية والتشريعية يحرصون على ان يبقى للدستور طابعه الاستثنائي، وألا يعامل كتشريع عادي بحيث لا يتعامل المجلس الجديد مع القضايا الدستورية كما لو ان الامر يتعلق بإخلاء مأجور أو تخلية أحد الموقوفين، أو بمنازعات شركاء وشركات تجارية وغيرها…
لا بد من ان يراعي أهل القرار في مجلسي النواب والوزراء هذه الناحية المهمة في التعيينات، وان يبقى المجال متاحًا لتطعيم المجلس الدستوري الجديد بعناصر عملت وتعمل على المواضيع الدستورية ومبادئ الديموقراطية والحقوق والحريات. من يريد عضوية المجلس الدستوري لا يكفيه ان يكون قاضيًا ممتازًا، أو محاميًا محنكًا، أو حقوقيًا عاديًا يحفظ ويردد عموميات قانونية في قضايا إجرائية… لأن صفة القضاء الدستوري هي معيارية ترتبط بمجموعة المبادئ الأساسية في الحقوق المتعلقة بالحريات والمساواة والكرامة الإنسانية والمصلحة العامة، أي فلسفة القانون والفلسفة التي صاغها الآباء المؤسسون للعلوم الحقوقية والدستور الوطنيً.
ولا يمكن اعتبار المجلس الدستوري مأوى للعجزة أو بيتًا للراحة، أو موقعًا للمحظوظين والطامحين إلى الدخول لتمضية نهاية الخدمة، بل بداية مهنة أخرى، تتطلب البحث والدرس والتعمّق، حتى بالنسبة الى أشخاص يعتبرون أنفسهم أصحاب مؤهلات عالية.
لقد تعمد قانون المجلس الدستوري ان يكون هناك تنوع في تشكيله من قضاة وأكاديميين وأساتذة حقوق ومحامين. وقد اثبتت التجربة اللبنانية والمقارنة فاعلية هذا التنوع في تكوين المجالس الدستورية. والمصيبة ان تستمر الدفعة الثانية المعيّنة كما جاءت الأولى المنتخبة.
المصدر: النهار