الاثنين 22 تموز 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
بعدما طُويت صفحة الموازنة بكلّ الصخب الذي رافقها على كل المستويات، إنتقل البلد تلقائياً الى الصفحة الحكومية، ولكن من دون التمكن من فتحها ايجاباً حتى الآن، بالنظر الى حجم التعقيدات السياسية والأمنية التي ما زالت تأسر الحكومة وتمنعها من الانعقاد. وحيال هذا الامر لم تحمل نهاية الأسبوع أيّ تطوّر إيجابي على هذا الصعيد، وتحديداً حيال ما باتت تعرف بـ»أزمة قبرشمون»، يؤشّر الى سلوك الامور نحو باب الانفراج.
سياسياً، الأزمة الحكومية تراوح في مربّع السلبية، الّا انّ اوساط رئيس الحكومة سعد الحريري قالت لـ”الجمهورية”: ما زلنا نأمل في انعقاد مجلس الوزراء هذا الاسبوع”.
وتحدثت مصادر بيت الوسط لـ”الجمهورية” عن اتصالات حثيثة ستشهدها الساعات المقبلة، الّا انها لم تَشأ الدخول في التفاصيل، مشيرة الى انّ خطوط التواصل مفتوحة في كل الإتجاهات.
أجواء غير مشجعة
على أنّ هذا الأمل المتجدد من قبل الحريري ما زال يتواكب مع اجواء غير مشجعة، بالتوازي مع سؤال مطروح في مستويات سياسية مختلفة ليس فقط حول سرّ التعطيل غير المبرر لجلسات مجلس الوزراء، بل عمّن يعطل الحكومة، ومن هي الجهة التي تدفع من الخلف الى هذا التعطيل، وما هو الهدف المتوخّى من هذا التعطيل؟
الساعات الماضية شهدت حراكاً مكثفاً، لنزع فتيل التصعيد والتعطيل الّا انّ المعنيين بهذا الحراك لا يوحون بتقدّم، فعقدة المجلس العدلي لم تخرج بعد من دائرة التصعيد المتبادل بين الحزب التقدمي الاشتراكي ومن معه، لجهة رفض إحالة حادثة قبرشمون الى المجلس العدلي، مع القبول بالاحالة الى المحكمة العسكرية، وبين الحزب الديموقراطي اللبناني ومن هم خلفه، لجهة الإصرار على الموافقة على مبدأ الاحالة قبل الحديث في اي أمر آخر.
فصل.. لم يتم
وفيما أكدت معلومات موثوقة لـ”الجمهورية” انّ هناك فكرة طرحت كمخرج لهذه الازمة، يقوم على الفصل بين حادثة قبرشمون وبين الوضع الحكومي، لاستئناف جلسات مجلس الوزراء، الّا انّ المعنيين بحركة الاتصالات كشفوا لـ”الجمهورية” انّ هناك صعوبة شديدة تحول دون تحقيق هذا الهدف حتى الآن، لكنّ الأمور ليست مقفلة، وبالتالي في الامكان التوصّل الى شيء ما خلال هذا الاسبوع، وهذا رهن بنتائج الاتصالات والجهود التي سيتابعها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مع أطراف الازمة.
حراك
وعلمت “الجمهورية” انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري تابع اتصالاته بعيداً عن الاعلام في الساعات الماضية. وهو عقد لقاء امس، في مقر رئاسة مجلس النواب في عين التينة مع اللواء ابراهيم، الذي عاد وزار رئيس الحكومة سعد الحريري في بيت الوسط مساء امس.
وكذلك التقى بري الوزير السابق غازي العريضي، وأجواء هذين اللقاءين عكست إصراراً من قبل رئيس المجلس على إنهاء هذه الازمة، وعودة البلد الى التقاط انفاسه الحكومية، إذ لا يجوز ابداً ان تبقى الحكومة في وضع التعطيل، الذي ينعكس ضرراً بالغاً إن على مستوى الاستقرار السياسي والحكومي المطلوب، او على مستوى مصالح الناس، علماً انّ الملفات تتراكم امام الحكومة، ومرحلة ما بعد إقرار الموازنة تتطلّب مواكبة حكومية لكل التفاصيل والاولويات المتعلقة بها، وعلى وجه الخصوص متابعة موضوع “سيدر” وما ينتظر منه.
ابراهيم
وبحسب المعلومات، فإنّ حركة اللواء ابراهيم امس، تمحورت حول مراجعة آخر المخارج المقترحة بشأن تسليم المتورطين في حادثة قبرشمون من طرفي الإشكال والأهالي الذين شاركوا في اطلاق النار. وذلك من اجل استكمال التحقيقات الجارية في هذا الملف واحالته في المرحلة الأولى الى المحكمة العسكرية التي ستقرر مدى اختصاصها، او احالته الى القضاء العادي، او ربما الى المجلس العدلي إذا ثبت توفر المقومات التي يمكن ان تقوده في هذا الإتجاه.
وعلمت “الجمهورية” انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اتصل باللواء إبراهيم السبت الماضي، وسأله عن نتائج مساعيه فأبلغه بأنه ما يزال ينتظر أجوبة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والنائب طلال ارسلان، للتفاهم على خطة تسليم المطلوبين من الحزب الديمقراطي اللبناني وما تبقّى من المطلوبين الإشتراكيين لتنطلق التحقيقات القضائية.
وفي المعلومات انّ اللواء ابراهيم سيواصل اتصالاته في الساعات المقبلة بدفع من رئيس الجمهورية الذي يراهن على اتصالاته لتوفير مخرج لحادثة قبرشمون يفتح الطريق أمام استئناف جلسات الحكومة.
ترحيب… وطعن كتائبي
من جهة ثانية، كان اللافت للانتباه غداة إقرار المجلس النيابي لموازنة العام 2019، جرعة الدعم التي تلقاها لبنان من قبل البنك الدولي. في وقت علمت “الجمهورية” انّ حزب الكتائب شرع في درس تقديم طعن بالموازنة الى المجلس الدستوري.
وبحسب مصادر كتائبية مسؤولة لـ”الجمهورية” فإنّ “الفريق القانوني مُنكبّ على دراسة كل التفاصيل المتعلقة بالشكل والمضمون، وسيعرض هذا الفريق خلال اليومين المقبلين تقريراً مفصّلاً بالخلاصات القانونية التي يتوصّل اليها، على أن يتخذ القرار المناسب في ضوء هذا التقرير. مشيرة الى انّ الموقف السياسي المبدئي يختلف في معطياته ومتطلباته عن الخطوات القانونية والدستورية، والكتائب عرفت بأنها تدرس ملفاتها جيداً، والتجارب أثبتت انها ربحت كل الطعون التي تقدمت بها. وحددت المصادر خريطة الطريق الى هذا الامر عبر: ١ – التقرير القانوني، ٢ – القرار السياسي، ٣ – وضع مسودة المراجعة في حال تقرر الطعن، ٤ – المشاورات مع الكتل النيابية والنواب لتوقيع مراجعة الطعن الى المجلس الدستوري.
كومار
ولقد جاءت جرعة الدعم والترحيب على لسان المدير الاقليمي للبنان والشرق الأوسط في البنك الدولي ساروج كومار، الذي وصف الموازنة التي أقرّت في المجلس النيابي بأنها “خطوة أولى جيدة”. وقال انها موازنة “تهدف الى تحقيق تخفيضات مالية معبّرة في العجز والانفاق”.
ولفت كومار الى الناحية الايجابية في المناقشات التي دارت حول الموازنة، سواء في الحكومة او المجلس النيابي، او بين المؤسستين، معتبراً هذه “المناقشات الواسعة الفريدة من نوعها في المنطقة، مرحّب بها”.
بري
وأعرب الرئيس بري عن ارتياحه لإقرار الموازنة بالشكل الذي تم في الهيئة العامة للمجلس النيابي، وكذلك لترحيب المؤسسات المالية فيها. وقال لـ”الجمهورية”: بالتأكيد لا نستطيع ان نقول هذه الموازنة التي أقرّت هي ما نطلبه لحل الازمة، ولكن نسبة الى الوضع القائم هي الافضل.
أضاف بري: نستطيع ان نقول انها وضعت قواعد حقيقية للاصلاح يُبنى عليها، وموازنة العام 2020 التي يفترض ان تصلنا قبل أول تشرين الاول المقبل، يفترض ان تكون متقدمة عن هذه الموازنة، ومع هذا التقدم نستطيع ان نقول انّ البلد “قَلّع” عن جديد.
كنعان
وسألت “الجمهورية” رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان حول موقف البنك الدولي، فقال: انه موقف يؤكد تلقّف المجتمع الدولي الرسالة التي أردنا إيصالها خاصة من خلال ما قمنا به في المجلس النيابي بأننا جادون بالبدء بإصلاح بنيوي وحقيقي، وبإجراء رقابة متشددة وشفافة تهدف الى حَث ومساعدة الحكومة الايفاء بالتزاماتها أكان ذلك على مستوى الاصلاح المطلوب أو على مستوى ضبط العجز.
أضاف: لكن على الحكومة اليوم أن تبدأ فوراً ومن دون إبطاء بتنفيذ ما أقرّ في هذه الموازنة والتقيّد بها كما التحضير، ليس لموازنة ٢٠٢٠ فحسب، إنما لرؤية اقتصادية متكاملة تهدف الى مراكمة الايجابيات كي تترجمها موازنة ٢٠٢٠ زيادة في النمو وتقليصاً للعجز لتصبح “الخطوة الصحيحة الاولى” التي تكلّم عنها مسؤول البنك الدولي ساروج كومار، خطوات تعزّز الثقة بلبنان وتنعكس ايجاباً على خدمة الدين ومؤسسات التصنيف الدولية.
تصويت لأول مرة
اللافت للانتباه كان تصويت “حزب الله” مع الموازنة للمرة الاولى منذ العام 1992، وعلمت “الجمهورية” انّ تصويت كتلة الوفاء للمقاومة مع الموازنة حسم ليل الخميس الماضي خلال اتصالات اعقبت انتهاء الخطابات النيابية وسبقت شروع الهيئة العامة للمجلس بدراسة الموازنة بنداً بنداً، وذلك بعدما تمت الاستجابة الى ثلاثة امور طالب بها الحزب:
الأول، عدم طرح ضريبة الـ2 في المئة على كل المستوردات كما وردت من الحكومة، بحيث تم عرض بديل بأن ترفع الى 3 في المئة على ان تعفى المواد المعفاة أصلاً من الـ”TVA”.
الثاني، إستثناء الجامعة اللبنانية من منع التوظيف (الاساتذة).
الثالث، رفض الضريبة على حجم قيمة الاعمال لكل من تتخطّى قيمة اعماله 50 مليون ليرة، كما اوردتها الحكومة. باعتبارها تطال كل فئات الشعب اللبناني.
فضل الله
وقال عضو الكتلة النائب حسن فضل الله لـ”الجمهورية”: نقاش الموازنة هذه المرة كان فاعلاً ومؤثراً في إدخال تعديلات اساسية عليها، والمجلس النيابي مارس دوره الطبيعي.
أضاف: صحيح انّ الموازنة لا تلبّي طموحاتنا وفيها بعض المشاكل، لكنها في المرحلة الحالية تشكّل خطوة الى الامام، بكونها تتضمن نفساً إصلاحياً يحتاج الى استكمال في موازنة 2020.
ولفت فضل الله الى “اننا وضعنا مجموعة من الاهداف، إستطعنا ان نحقق الكثير منها، وسنسعى في الموازنة المقبلة الى ان نحقق البقية. أسهمنا بشكل كبير في حماية الفئات الشعبية الفقيرة، وذوي الدخل المحدود، والحد من الانفاق غير المجدي، ووضع بعض البنود التي تحاصر بؤر الفساد التي تتسلّل عادة من بعض البنود، وحققنا بعض المطالب للجامعة اللبنانية. وهو ما دفعنا الى الموافقة على الموازنة، كرسالة ايجابية من “حزب الله” تؤكد من جديد حرصنا على معالجة الازمة الاتقتصادية أولاً، وعلى الاستقرار السياسي بالدرجة الاولى.
الان عون
وقال عضو تكتل “لبنان القوي” النائب الان عون لـ”الجمهورية”: “الأولوية الوحيدة في هذه المرحلة هي للاقتصاد”.
وأكد ضرورة “البدء بتنفيذ الرؤية الاقتصادية، أوّلاً عبر إطلاق المشاريع الاستثمارية، والتي وُعدنا بتمويلها من خلال مؤتمر “سيدر”. وثانياً، عبر وضع خطّة “ماكنزي” وأفكارها قيد التنفيذ”.
أمّا عن الحكومة، فقال: “الوقت حان لحلّ هذه المشكلة”، كاشفاً عن “تكثيف الاتصالات، وتسارع الخطوات لحسم هذه الجدلية” مؤكداً ضرورة “فك أسر الحكومة في مهلة أقصاها هذا الأسبوع”.
واكيم
وقال عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب عماد واكيم لـ”الجمهورية”: “الأولوية اليوم هي لانعقاد مجلس الوزراء، وذلك في حال كان هدفنا إنقاذ البلاد”.
وطالبَ “النائب طلال ارسلان، المُعرقِل الرئيسي والمدعوم من رئيس التيار الوطني الحرّ الوزير جبران باسيل ومن “حزب الله”، بالتعقّل والاحتكام الى الحلّ المطروح، وهو استكمال التحقيق الذي على أساسه يقرر ما اذا كان هناك ضرورة للاحتكام الى المجلس العدلي أم لا”.
ورأى أنّ “الأولوية اليوم هي للانكباب على بناء موازنة 2020 آخذين في الاعتبار الاصلاحات الجذرية، مع التشديد على ضبط موازنة 2019 مع ما تحمله من أرقام غير دقيقة”. وقال: “الأرقام لا تقارب الواقع، فمن حيث الايرادات هي مضخمة، ومن حيث النفقات مخفّضة، وفي حال ارتفعت نسبة الصرف من 5 الى 10 في المئة كزيادة على الأرقام المطروحة، سنصل الى عجز من الناتج المحلي يناهز 12.7، ونكون أمام كارثة”.
المصدر: الجمهورية