الأخبار
الرئيسية / سياسة / علي فضل الله: الحكومة أمام امتحان محاسبة المجرمين

علي فضل الله: الحكومة أمام امتحان محاسبة المجرمين

مجلة وفاء wafaamagazine

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية والمؤمنين. وقال: “عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية علي (ع) بما أوصى به شيعته عندما قال: عليكم بالجد والاجتهاد، والتأهب والاستعداد، والتزود في منزل الزاد، ولا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرت من كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية الذين احتلبوا درتها وأصابوا غرتها وأفنوا عدتها وأخلقوا جدتها وأصبحت مساكنهم أجداثا وأموالهم ميراثا لا يعرفون من أتاهم ولا يحفلون من بكاهم ولا يجيبون من دعاهم، فاحذروا الدنيا فإنها غدارة غرارة خدوع معطية منوع ملبسة نزوع لا يدوم رخاؤها و لا ينقضي عناؤها ولا يركد بلاؤها”.

أضاف: “أيها الأحبة، هذه وصية علي لنا أن نرى الدنيا للعمل والجد والاجتهاد والتزود ليوم يقف فيه الناس أمام رب العالمين، لتجزى كل نفس بما كسبت، فلا نراها كما رآها من خدعوا فيها واغتروا بمفاتنها وشهواتها وغرائزها، فكانت لهم هي الغاية والهدف، وهي لن تبقى لهم ولن يبقوا لها، ومتى وعينا ذلك فإننا سنكون أكثر وعيا ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات. والبداية من الكارثة التي حلت باللبنانيين بفعل الانفجار الهائل الذي حدث في المرفأ وحصد عشرات الضحايا والمفقودين وآلاف الجرحى، وخلف وراءه دمارا هائلا في هذا المرفق الحيوي وفي المباني السكنية وفي المؤسسات العامة والخاصة والمحال التجارية والمستشفيات ودور العبادة، وترك تداعياته على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والنفسي في هذا البلد”.

وتابع: “إننا أمام هذا المشهد المروع والمؤلم الذي تعتصر لأجله قلوبنا حزنا وألما، نتقدم بأحر التعازي إلى أهالي الضحايا والدعاء بالرحمة لمن فقدوا حياتهم والشفاء العاجل للجرحى، وندعو اللبنانيين الذين توحدوا بالمعاناة بكل طوائفهم ومذاهبهم ومواقفهم السياسية، إلى التضامن والتكاتف والتعاون في هذه المرحلة. ولا بد هنا، أن نقدر المبادرات التي انطلقت من كل المناطق لمد يد العون والمساعدة لمن فقدوا بيوتهم وأرزاقهم وممتلكاتهم، على الرغم من الظروف الصعبة التي يعانون منها وأظهرت عمق العلاقة بين اللبنانيين وأصالتهم، وندعو إلى أن تتابع هذه المساعي، مع الشكر لكل الدول التي قدمت وتقدم المساعدات إلى اللبنانيين، وإن لم تبلغ حتى الآن مستوى حجم الكارثة التي تقدر بالمليارات”.

وقال: “في هذا المجال، ندعو الحكومة إلى أن تكون على مستوى المسؤولية في العمل السريع، لمعالجة آثار الكارثة والكشف عن مصير المفقودين وتعويض من فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم وسبل عيشهم. وفي الوقت نفسه، الإسراع في التحقيق ليعرف المواطنون حقيقة ما جرى وبكل شفافية ومعاقبة من تسببوا به مهما كبرت انتماءاتهم الطائفية ومواقعهم السياسية، حتى لا يبقى الغموض يلف هذه القضية، والكل يعرف مدى تداعيات ذلك على الداخل والخارج، أو أن تضيع هذه القضية بالتمييع واللعب على الوقت أو بتقاذف المسؤوليات أو أن تدفن في الدهاليز الطائفية والمذهبية حماية للمسؤولين الحقيقيين”.

ورأى أن “الحكومة أمام امتحان لن تكون تداعياته سهلة إن هي تغاضت أو قصرت أو فشلت في محاسبة المجرمين، وإلا ستوفر مزيدا من الفرص والذرائع لكل المتربصين بهذا البلد لاعتبار أن هذه الدولة فاشلة بكل المقاييس وعاجزة عن توفير الأمن والاستقرار للبنانيين، مما يبرر الدعوة إلى وصاية دولية تسقط كل مقومات السيادة والاستقلال لهذا الوطن. وهنا لا بد من أن نقدر للقضاء الخطوات التي اتخذها وتحتاج إلى أن تستكمل وألا تقف عند حدود معينة، مشددين على ضرورة إعطاء القضاء كل الاستقلالية في هذه القضية كما في كل القضايا، وهو الذي أثير ويثار عن بعضه الكثير من التشكيك بنزاهة أحكامه وخضوعه للقوى السياسية، حتى تتوفر شروط القصاص العادل لكل الرؤوس الكبيرة والصغيرة المسؤولة، لعلنا نبلسم ولو بقدر كل هذه الجراح وآلالام والخسائر التي ولدتها هذه الكارثة، ونفتح بابا للاصلاح المنشود في كل مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد. وهنا كان من المعيب على كل القيادات المسؤولة في هذا البلد أن يأتي رئيس دولة ليؤنبهم على تفاقمه وعلى عدم قيامهم بمسؤولياتهم تجاه الناس الذين ائتمنوهم على مواقعهم”.

أضاف: “هذه الفاجعة لم تدفع اللبنانيين لليأس على الرغم من كل الكوارث التي يعانون منها، سواء على المستوى المعيشي والاقتصادي، وإن أضافت إليهم معاناة جديدة عمقت معاناتهم السابقة والتي نريدها أن تعمق من مسؤوليتهم للعمل الجاد للخروج من كل هذا الواقع البائس الذي إن استمر فسيزيد من معاناتهم ومآسيهم”.

وشدد على أن “الوفاء للشهداء والجرحى ولكل من أصابتهم هذه الفاجعة، بتغيير هذا الواقع والعمل الحثيث والجاد لاستعادة منطق الدولة في كل مؤسساتها، حتى لا تتكرر هذه المأساة بطرق أخرى مع التأكيد أن التغيير لن يكون بأيدي الآخرين بل بأيدي الناس أنفسهم ممن يحولون آلامهم وجراحهم إلى حافز للانطلاق نحو مستقبل أفضل”.

وختم: “أخيرا، لا بد من أن نعيد التذكير بضرورة أخذ أقصى درجات الحيطة والوقاية أمام ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا، ولا سيما أمام المخاطر الجديدة التي ترتبت على هذه الكارثة بعد خروج العديد من المستشفيات عن الخدمة الفعلية، إضافة إلى ما أصاب مستودعات الأدوية من تلف”.