الرئيسية / سياسة / عن العياش السوبر.. خلصت الحكاية أم بدأت؟

عن العياش السوبر.. خلصت الحكاية أم بدأت؟

مجلة وفاء wafaamagazine

قد لا تفي عبارة “مخيّبة للآمال” لتوصيف تلقّف المتعطّشين للحقيقة حكم المحكمة في جريمة العصر، التي أودت بحياة رئيس مجلس وزراء لبنان رفيق الحريري وآخرين في 14 شباط عام 2005، وشرّعت الباب على تصفيات واغتيالات طالت فريق الرابع عشر من آذار دون سواه.

بعد خمسة عشر عامًا من الإنتظار الثقيل نطقت المحكمة بحكمها، وقالت كلمتها في جريمةٍ سياسيةٍ بامتياز من دون أن تدين جهاتٍ سياسيةً، بل اقتصرت الإدانة على فرد واحد، بعد تبرئة الأفراد الآخرين لعدم كفاية الأدلّة. ليبدو العياش هذا وكأنّه يملك قدرات خارقة، يخطّط لإغتيال رئيس وزراء محصّن أمنيًا، يبتاع المواد التفجيرية من خلف الحدود والبحار لقاء أموال طائلة، يدخلها إلى بيروت، يسرق سيارة ميتسوبيشي من اليابان، يفخّخها بمواده المتفجّرة، يحدّد ساعة الصفر لتنفيذ عمليته الخارقة، يتنبّأ عن أي طريق سوف يسلك الموكب العائد من المجلس النيابي، يصل إلى حيث اختار مسرح جريمته، ويفجّر الموكب بكل بساطة في قلب بيروت.

كل هذا ولم نتحدث عن دوافعه الفردية للقيام بجريمة بهذا الحجم المزلزل. ألم يرق للعياش مثلًا الرئيس الحريري ؟ أو ربما كان على خلاف شخصي معه ؟ الأمر الذي دفع عياش هذا لأن يقصد متجرّا لبيع أزياء ” الأشرار الخارقين”، يختار الزيّ الأعظم، ويقوم بتنفيذ جريمة منظّمة، تحتاج احترافية وتنظميًا وتمويلًا ودقّة وربما غطاءً دوليًا أو إقليميًا.

هذه السطور طبعًا لا تتناغم والقراءات القانونية لحكم المحكمة الخاصّة بلبنان، بل هي انعكاس لما حفلت به مواقع التواصل الإجتماعي تفاعلًا مع النطق بالحكم، الذي خيّب ظنّ اللبنانيين، لا بل صدمهم، ولم يجب عن تساؤلات دفعوا الملايين من جيوبهم لأجل الحصول على أجوبة حولها، نهائية وحاسمة ولا تقبل الشك:

من أمر بقتل الرئيس الحريري؟ ولماذا أرادوا قتله؟ من خطّط ومن موّل ومن نفّذ؟ ومن استمر بجرائمه حاصدًا شخصيات عديدة بعد جريمة 14 شباط ؟ والأهم من أفلت من العقاب بعد كلّ هذه الجرائم الإرهابية؟ أو بالحدّ الأدنى الإجابة على أسئلة تتناسب والحكم: من وراء العياش؟ من طلب منه اغتيال الحريري؟ ومن موّله؟

بنظر أهل القانون لم يكن منتظرّا من المحكمة أن تدين أيّ جهات سياسية. رئيس منظمة جوستيسيا للإنماء وحقوق الإنسان المحامي بول مرقص وفي اتصال مع “لبنان 24” علّق على خيبة أمل الناس بالقول “خيبة الأمل، منطلقُها أنّ الناس لا علم لها بالنصوص القانونية التي ترعى عمل المحكمة الخاصة بلبنان، والتي لا تطال منظّمات وأحزابًا ودولًا، وفقًا لما هو منصوص عنه في نظام المحكمة، من هنا من الطبيعي أن يعتبروا أنّ الحكم مخيّب لآمالهم، خصوصًا إذا كان لديهم إنتظارات سياسية من جرّاء الحكم الذي يجب أن يكون ذا طابع قانوني محض “.

الحكم ليس نهائيًا بل قابل للإستئناف، وفي الواحد والعشرين من أيلول ستعلن المحكمة عن العقوبة التي أنزلتها بعياش. الأخير لن يظهر، ولن يسلّم نفسه للعدالة الدولية، فالحزب الذي ينتمي إليه كان استبق قرار المحكمة باتهامها بالتسييس وبأنّه لن يسلّم من تدينهم المحكمة، إلّا إذا غيّر رأيه بعد صدور الحكم. وبالتالي عندما ترسل المحكمة طلبها إلى الدولة اللبنانية لتسليمها المدان، هذه الأخيرة لن تمتثل، ليس تواطؤًا إنّما لعدم القدرة على اعتقال مواطن لبناني محمي من حزبه، أو لعدم الرغبة، سنرى لاحقًا. فهل يمكن للمحكمة أن تلجأ إلى مجلس الأمن الدولي لاعتقال عياش؟


يوضح مرقص أنّ المحكمة يمكنها بقصد تنفيذ القرار الصادر عنها أن تلجأ إلى مجلس الأمن الدولي، وقد نشأت تحت الفصل السابع، ولكنّه يستبعد ذلك.

عدم ادانة مصطفى بدر الدين، لا علاقة له بكفاية أو عدم كفاية الأدلّة، بل بسبب الموت، “عند الوفاة يسقط الحق العام إذا توفي المتهم قبل إدانته نهائيًا”. أمّا الثلاثة الآخرون، أسد صبرا وحسن مرعي وحسين عنيسي، فتمت تبرئتهم لعدم كفاية الأدلّة. ولكن رغم أنّ قرار المحكمة كشف متورطًا وحدًا وبشكل فردي، في جريمة خطّطت لها رؤوس كبيرة ونفذتها عناصر كثيرة، إلّا أنّه لا يمكن إغفال البعد السياسي الذي ذكرته المحكمة في حكمها، وأورد أنّ الاغتيال أُخذ القرار به بعد “لقاء البريستول” الذي نادى بانسحاب الجيش السوري من لبنان، وأنّ الأدلة أثبتت أنّ المتهم بتنفيذه الجريمة ينتمي إلى منظّمة “حزب الله”، وأنّه حصل بعد اللقاء الشهير بين الحريري ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، وخلال السرد لفتت المحكمة إلى “أنّ لـ”حزب الله” وسوريا استفادة من اغتيال الحريري، وبأنّ الاغتيال هو عمل إرهابي نُفذ لأهداف سياسية لا لأهداف شخصية، وبأن الرئيس السوري بشار الأسد أمر الحريري بالتمديد للرئيس إميل لحود.” وكلّها سياقات تندرج في إطار دوافع الجريمة. لكن في المقابل وبما يوحي بالتناقض لفت القرار إلى “عدم وجود دليل على ضلوع قيادة “حزب الله” وسوريا في الاغتيال”، وهو ما يبرّره حقوقيّون أنّ إختصاص المحكمة الخاصة لا يشمل محاكمة أو إدانة الدول والمنظمات، إّنما يبقى محصوراً بتحديد المسؤولية الجنائية للأفراد، وفق نظامها الذي تمّ التصويت عليه في مجلس الأمن الدولي، وفق هذه الصيغة التي فرضتها كل من روسيا والصين.

بالنهاية الأنظار تتجه إلى النتائج السياسية لحكم المحكمة وليس تلك القانونية. وهذه النتائج أو التداعيات تكون خارج نطاق المحاكم، في كواليس المطابخ الدولية والأروقة الأممية، فهل يربط مجلس الأمن الدولي الأفراد المدانين بالأحزاب والدول بعد تبلّغه قرار المحكمة؟ وهل يشكّل حكم المحكمة بداية مرحلة جديدة؟ وكيف ستتعاطى عواصم القرار مع الخلفيات السياسية للحكم؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لبنان 24

عن Z H