مجلة وفاء wafaamagazine
منذ انتفاضة «تشرين» لم يتوقف التداول باسم نواف سلام لرئاسة الحكومة. عادت ورقته بعد استقالة الرئيس حسان دياب، لكن فيتو حزب الله وحركة أمل عليه هذه المرة «لا بحث فيه»
طُويَت صفحة نواف سلام. لمعَ اسمه، وخبا. ثمّ برزَ من جديد، قبلَ أن يوضَع بجانبه «إكس» بالأحمر العريض. لم يتردّد حزب الله وحركة أمل في قول «لا» جازمة لسفير لبنان السابِق في الأمم المُتحدة. هو ليسَ مرشّح تسوية، أو حياد، أو تكنوقراط. هو مرشّح الولايات المُتحدة الأميركية لقيادة المرحلة. هذا سبب أول وكافٍ… وبعده يأتي كل سبب آخر.
بعد 17 تشرين، كانت كل المؤشرات واعِدة للأميركيين، ومعها وضعت واشنطن عنوان المرحلة: إنه عام إحكام الخناق السياسي والاقتصادي حول المقاومة. استقالَ الرئيس سعد الحريري من الحكومة والتسوية الرئاسية معاً. وكانَ المنحى الداخلي يُشير إلى جولة جديدة من الصراع وتحويل الساحة اللبنانية إلى ساحة معركة. رأى الأميركيون في الانتفاضة فرصة لقلب الواقِع. المطلوب حكومة «محايدة»، والهدف إخراج حزب الله من المشهد السياسي.
استمرّ الضغط على الحريري. ممنوع العودة إلى حكومة فيها حزب الله أو حتى وزراء من «ريحته». فشِل الحريري في فرض الشروط التي أرادتها واشنطن، وغلّفها هو بشعارات مثل التكنوقراط ورفض مشاركة الوزير جبران باسيل.
كانَت أسهم نواف سلام في ذاك الوقت تبرز. سطعَ بين بعض المجموعات التي «اندسّت» في 17 تشرين، وبدأ الترويج له على أنه الأنسب، بسبب «سيرة ذاتية ممتازة وتاريخ حافِل دبلوماسياً وقانونياً ودولياً».
الفكرة لم تتحوّل إلى واقع. ولِدت حكومة الرئيس حسان دياب. وُضِع سلام «على جنب»، إلى أن عادَ التداول باسمه بعدَ استقالة دياب. إنه مرشّح أميركا والخليج والأوروبيين، والسيناريو ذاته. المطلوب عزل حزب الله واستبعاده، عبرَ تأليف حكومة «حيادية»، وأكثر من ذلِك إجراء انتخابات نيابية مُبكرة لاستكمال الانقلاب.
في زيارته إلى لبنان، بعدَ انفجار مرفأ بيروت، لم يحمِل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورقة سلام معه، بل كانَت طروحاته تسووية (قبل أن يتراجع عنها). لكن خيار «الرجل الدبلوماسي» وصلَ إلى مسامِع المعنيين، قبلَ أن يُعيد ثنائي حزب الله وحركة أمل تأكيد رفضه له.
دائماً يُسأل عن سبب رفض الثنائي، وتحديداً حزب الله» لخيار نواف سلام. هل السبب وحده هو العلاقات التي تربطه بالولايات المتحدة الأميركية؟ يذهب البعض إلى ربط المشهدين في العراق ولبنان، كمنطلق للسؤال عن إمكان تكرار سيناريو رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي جعلت منه الظروف المستجدة مرشّح تسوية، وخاصة أن المقرّبين من سلام يُروّجون له كشخصية «غير صدامية».
نواف سلام ليس مصطفى الكاظمي ولا يُمكنه إدارة التوازن
لا مجال للمقاربة، بالنسبة إلى «الثنائي». فسلام «ليسَ مرشّح تسوية بل مواجهة. هو المرشح الذي اختارته واشنطن، وليس خياراً توافقياً بين الأفرقاء لإدارة التوازن. وهذا ما وضعه خارِج إطار البحث».
ورغم الافتقار إلى تصريحات علنية غير دبلوماسية لسلام في ما يتعلق بحزب الله، لكن هذا الفريق خبره إبان توليه منصبه في الأمم المتحدة، وفي مرحلة سياسية حساسة، وشكلت مواقفه منصة للتصويب على المقاومة. وإن كانَ الكاظمي في العراق مصبوغاً أميركياً، لكن الرجل ليسَ على عداوة مع إيران وحلفائها، لا بل إنه يتباهى بأنه صلة وصل بين الفريقين. «أما سلام فليسَ رَجل وسط».
نقطة أخرى، يتحدث عنها هذا الفريق، وهي وجهة نظر ترتبِط باعتبارات داخلية. يوَم جدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري تمسكه بالحريري كمرشح للحكومة، استغرب كثيرون خطوته، ليس لأن الغالبية ترفض الترشيح وحسب، بل لأن الحريري نفسه لا يملك «ضوءاً أخضر» سعودياً للعودة إلى السراي. رغم ذلِك، يعتبر هذا الفريق، وتحديداً بري، أن «هذا الموقع هو سياسي بالدرجة الأولى، وأن هذه المرحلة الحساسة في البلاد لا تحمل ترف تجربة أنماط وأشكال جديدة من الحكومات. هذه مرحلة تحديات سياسية واقتصادية، وتحتاج إلى شخصية لها حيثية في الشارع، وليس إلى موظف»!
خلاصة الأمر أن الثنائي يريد مرشّح تسوية مع سعد الحريري، والأخير لم يسمّ نواف سلام، بل سمّته واشنطن.
جنبلاط يرفض الحريري: حباً للرياض وكرهاً للعهد
كانَ رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط أول الواصلين إلى وادي أبو جميل للاطمئنان على الرئيس سعد الحريري بعدَ تفجير مرفأ بيروت. كانَا على الموجة ذاتها في توزيع المسؤوليات والتهم وتصويبها في اتجاه العهد. لكن ذلِك لم يحُل دون أن يقفِ جنبلاط في صف المعارضين لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة. فما خلفية هذا الاعتراض؟ وهل يستطيع رئيس مجلس النواب نبيه بري تليين موقفه كما يقول؟
يمُر جنبلاط بأزمات متعددة، كما يقول العارفون. لكن رفضه لعودة الحريري مرتبط بالدرجة الأولى بموقف المملكة العربية السعودية التي زارها النائب وائل أبو فاعور، وعاد بالجواب التقليدي: عدم تأييد حكومة يهيمن عليها حزب الله. فهم جنبلاط الرسالة. وبما أن واشنطن وباريس غير متمسكتين بالحريري، لا يريد جنبلاط حمل هذا الوزر، فلماذا يسير بما لا ترضاه المملكة، فتكسب القوات وحدها هذه الجولة ويخسر هو؟
أمر آخر يدفع جنبلاط إلى معارضة عودة الحريري إلى الحكومة، يتعلق بموقفه من الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل. يرفض جنبلاط أي تسوية جديدة، ويفضّل «تأليف حكومة من لون واحد، يكون لباسيل فيها الكلمة الفصل، وفشلها وفشل ما تبقى من عمر العهد والتيار».
الاخبار