الأخبار
الرئيسية / سياسة / السنيورة: زيارة ماكرون شكلت عامل ضغط لإجراء الاستشارات للتكليف ولكن هل يستمر التعاون والتسهيل لإنجاز التأليف؟

السنيورة: زيارة ماكرون شكلت عامل ضغط لإجراء الاستشارات للتكليف ولكن هل يستمر التعاون والتسهيل لإنجاز التأليف؟

مجلة وفاء wafaamagazine

رأى الرئيس فؤاد السنيورة في حديث الى محطة “الجزيرة”، أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون “كان قد حدد تاريخ زيارته الثانية إلى لبنان منذ أن كان هنا في بيروت قبل ثلاث أسابيع، وذلك أيضا ليصادف موعد زيارته مع ذكرى مرور المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير”.

وقال: “ما من شك أن تحديد موعد زيارته الثانية وإصراره على القيام بها، عجل بإعلان رئيس الجمهورية عن إجراء الاستشارات النيابية الملزمة. بعدما كان يتلكأ في ذلك، وهو كانت له سابقة في مماثلة عند تأليف حكومة الرئيس حسان دياب، وذلك لمدة خمسين يوما. هذه المرة أيضا أخر دعوته لتلك الاستشارات الملزمة لما يزيد قليلا عن عشرين يوما. لذلك، أعتقد أن زيارة الرئيس الفرنسي اليوم شكلت عامل ضغط على رئيس الجمهورية، ولا سيما أن الرئيس ماكرون وعد اللبنانيين بأنه سيأتي ويعمل ما بوسعه ليقدم كل مساعدة ممكنة للبنان. وذلك أيضا ما أدى إلى مبادرة معظم الفرقاء السياسيين اللبنانيين، ومنعا للاحراج، في محاولة إظهار الرغبة في التعاون. هذا ما ظهر في تسهيل عملية التكليف التي حصل بموجبها مصطفى أديب على تسعين صوتا، وأصبح بموجبها الرئيس المكلف”.

أضاف: “الآن، وبعد الذي حصل، فإن كل ما نأمله ان يستمر هذا التعاون الموعود، وليس أن يقتصر فقط على عملية اجراء الاستشارات وتمرير عملية التكليف، ولكن بأن يسري هذا التعاون أيضا على عملية التأليف نظرا الى حاجة لبنان الماسة الآن الى إنجاز تأليف الحكومة العتيدة ليكون له، وفي أقرب وقت، حكومة قادرة على اتخاذ القرارات اللازمة من اجل الشروع بالعمليات الإصلاحية التي يحتاجها البلد. وأيضا من أجل المسارعة لإجراء المعالجات الصحيحة لهذا الكم الكبير من المشكلات المتراكمة، وأن تتمكن هذه الحكومة ومن خلال دقة مقارباتها وصوابية بوصلتها وحسن أدائها، من البدء باستعادة ثقة المواطنين التي انهارت بالدولة والحكومة اللبنانية وبالمسؤولين في هذا العهد”.

وردا على سؤال عن أسباب تسميته مصطفى أديب لتأليف الحكومة، قال: “هناك انطباع عام أصبح سائدا لدى غالبية اللبنانيين بالحاجة إلى الخروج من سلسلة لا تنتهي حلقاتها من الضغوط والضغوط المقابلة التي يمارسها السياسيون اللبنانيون ضد بعضهم بعضا، ولا سيما أنه جرى بنتيجة تلك الممارسات استتباع الدولة اللبنانية وطغيان وسيطرة الدويلات الطائفية والمذهبية والمليشياوية على الدولة اللبنانية. وبالتالي، أصبح كل فريق سياسي يصر على الاحتفاظ لفريقه أو لحزبه بإدارة معينة أو وزارة محددة، مما أسهم وإلى حد بعيد، بفقدان الحدود الدنيا اللازمة من الحوكمة في الإدارة اللبنانية، وإلى تفشي الفساد السياسي في لبنان على نطاق واسع. في المقابل، فقد ازداد الإدراك لدى الكثير من الشباب اللبنانيين بالحاجة لأن تكون هناك حكومة وإدارة لبنانية مستقلة بعيدة عن التأثيرات السلبية للسياسيين وبعيدة عن طغيان تلك الأحزاب، وأن تتألف الحكومة العتيدة من مجموعة مستقلة ومتجانسة من أصحاب الكفاءات التي يمكن لها أن تتولى هذه المسؤوليات الجسام”.

أضاف: “هنا أود أن أوضح أمرا ينبغي التنبه إليه وهو ما دفعنا نحن كرؤساء الحكومة السابقين لاقتراح اسم مصطفى أديب لتأليف الحكومة كشخص من خارج المجموعات السياسية القائمة حاليا في لبنان. ذلك أنه إذا ما جرى اعتماد الحل القاضي باقتراح اسم شخصية سياسية أو شخصية لها امتداداتها السياسية، فذلك سوف يعني دعوة صريحة إلى بقية الأحزاب السياسية لكي تطالب أيضا بحصتها. وهذا هو الامر الذي لا يحتاجه لبنان، بل عليه أن يتجنبه في هذا الظرف بالذات، إذ أن الحاجة أصبحت ماسة لوجود حكومة انقاذ بالمعنى الحرفي للكلمة. لذلك كان الاقتراح بوجوب الاستعانة بشخص يتمتع بهذه الصفات والمواصفات، وأيضا المطالبة بأعضاء للحكومة يتمتعون بالكفاءة والمعرفة في حقول معينة ولديهم الحد الأدنى من الحس ومن المعرفة السياسية لكي يصار إلى تأليف فريق عمل متجانس يتولى هذه المهمة الصعبة”.

وعما إذا كان مصطفى أديب جاء بنفس الطريقة التي أتى بها جميع رؤساء الوزارات خلال هذه الحقبة او الماضية وأنها مسألة محاصصة وطائفية، قال: “أنا أقدر مواقف واعتراضات الكثيرين الذين يعبرون عن هذه الخشية. ولكن اعتقد ان هذا الامر يحتاج بداية إلى وضوح في التوجهات والمنطلقات، وكذلك إلى بعض الصبر والتبصر. حاجة لبنان كبيرة وملحة وإلى حد كبير لوجود فريق عمل على رأس السلطة في لبنان يكون مختلفا عن طبيعة الحكومات الماضية، ولا سيما بسبب الانهيار الكبير في الثقة لدى المواطنين بالغالبية الساحقة من السياسيين. لذلك كان الاقتراح الذي قدمناه في تكوين فريق عمل من أصحاب الكفاءات لتولي هذه المهمة”.

أضاف: “المطلوب الآن الالتزام بهذه المنطلقات والقواعد، وهناك حاجة ماسة لممارسة بعض الصبر لنرى كيف ستكون عليه نتيجة عملية التأليف للحكومة العتيدة، وعندما تظهر النتيجة يمكن الحكم كيف ستكون ردات الفعل. إذا انجلى عن عملية التأليف تشكيلة حكومية تمثل هذه الأحزاب الطائفية والمذهبية أو بدا أنها ستكون منصاعة لهم كما جرى مع حكومة الرئيس دياب، فذلك يعني ان هذه العملية قد فشلت ونكون عدنا إلى المربع الأول مع ما سيعنيه ذلك من مآس واضطرابات لا حد لها ولا حصر”.

وتابع: “أعتقد، وكما لمست من الموقف والاستعداد الذي عبر عنه اليوم الدكتور مصطفى أديب، بأنه راغب في تأليف حكومة مصغرة مؤلفة من أصحاب كفاءات وألا تكون لأي عضو منهم امتدادات سياسية مباشرة مع مختلف الاحزاب والفرق السياسية. مع الأخذ بالاعتبار أن جميع اللبنانيين مسيسون، ولكن هناك فرق بين أن يكون أعضاء الحكومة يفهمون بالسياسة أو أنهم يلتزمون بخط سياسي معين، وهذان شيئان مختلفان”.

وعن سبب عدم مجيء الرئيس سعد الحريري في هذه المرحلة، قال: “ان التجربة التي اكتسبها الرئيس الحريري تؤهله لان يكون رئيسا لهذه الحكومة،. ولكنه أبدى عدم رغبته الان في تولي هذه المسؤولية الحكومية. وأبدى حرصه في المقابل على أن تكون لهذه الحكومة الجديدة نكهة جديدة ولدى أعضائها الرغبة والاندفاعة للتعاون في تأليف فريق عمل متجانس وقادر على اتخاذ القرارات، ويكون كل همه خدمة الصالح العام من خلال خطة إنقاذية، وعلى ان يتولى رئيس الوزارة قيادة هذا الفريق لإجراء الإصلاحات المطلوبة التي يحتاجها لبنان”.

أضاف: “انطلاقا من ذلك، أعتقد بأنه يجب على جميع المعنيين أن يتفهموا هذا القلق وتلك الخشية التي لدى العديد من اللبنانيين بشأن الحكومة الجديدة. لكن المعالجة الصحيحة لهذا القلق والخشية لا تكون بإطلاق التأكيدات الكلامية، انما بالفعل عن طريق تأليف هذه الحكومة الجديدة، وبجميع أعضائها من الذين يتمتعون بهذه الصفات والمواصفات. وعندما تطول فترة إنجاز عملية التأليف فذلك سيستدعي مختلف الفرقاء السياسيين إلى أن يضع كل منهم شروطه، وعندها سنفاجأ بأن بكل فريق يضع شروطا من هنا وشروطا من هناك ومطالب من هذا الفريق ومطالب من الفريق الاخر، وسنقع في ذات المشكلات التي يشكو منها اللبنانيون الآن، ونعود إلى المهاترات السياسية والتدمير الذاتي ويضيع على لبنان من جديد فرصة محتملة لإنقاذه وإنقاذ اللبنانيين”.

وعن رأيه بالفجوة بين انعدام الثقة بالطبقة السياسية والشارع اللبناني، قال الرئيس السنيورة: “نعم، هناك فجوة كبيرة تتمثل بانعدام الثقة بين المواطنين من جهة، والطبقة السياسية في لبنان من جهة أخرى. وأعتقد ان السبب الاساس في هذا الوضع هو التردي المستمر في مستويات الحوكمة. إذ إن الفساد في لبنان هو في أساسه فساد سياسي، وينتج عن تلك العلاقة الزبائنية التي أرادتها وتصر عليها معظم الفرق والأحزاب السياسية في لبنان، والذين يحرصون على أسر المواطنين لكي يستمروا ويكونوا فعليا ودائما ملتزمين بآراء زعمائهم السياسيين، وخاضعين لابتزازاتهم ومستسلمين لهم. ويكون ذلك مبنيا على سلسلة من المصالح التي يتوقعونها من مساعدات أو خدمات يسديها إليهم أولئك الزعماء السياسيون، والتي هي في الأصل وفي معظمها حق لهم ويفترض أن يحصلوا عليها من الدولة، وليس بالضرورة عن طريق أولئك السياسيين”.

أضاف: “أولئك الزعماء والأحزاب السياسية تصر أن يحصل المواطنون على ما هو حق لهم عبر أولئك الزعماء السياسيين، وقد أصبحت العلاقة بين أولئك السياسيين وناخبيهم علاقة زبائنية، أكان من أجل الحصول على حقوقهم أو ما حق لهم أو في الحصول على ما هو ليس حقا لهم، وهو مخالف للقوانين السارية. ولذلك شهدنا وباستمرار حرصا من قبل الاحزاب السياسية على أن تحكم قبضتها على الدولة والوزارات والادارات بحيث أصبحت مزارع او مستعمرات للأحزاب السياسية والطائفية والميليشياوية لا تسمح بحصول المواطنين على قسم كبير من المنافع والخدمات التي هي حق لهم إلا عبر أولئك الزعماء والأحزاب وتمنينهم بها. هذا الواقع لم يعد قابلا للاستمرار، وقد لمست لدى الرئيس المكلف إيمانا بأنه يريد أن يخرج من فخ وطوق تلك العلاقة الزبائنية التي ما تزال تستعصي على الإصلاح. هذا الضغط الذي تمارسه تلك الأحزاب يجب ان يتوقف واعتقد أن هذا هو المطلب الإصلاحي الكبير الذي إذا نجح فيه الرئيس المكلف بتحقيقه فإنه بذلك يمهد لتحقيق ثورة إصلاحية حقيقية على الفساد السياسي في لبنان”.

عن مطالبة رئيس الجمهورية بدولة مدنية، قال: “هناك مشكلة مستمرة في لبنان ناتجة عن أن هناك فجوة كبيرة في ما يقوله بعض السياسيين وبين ما يفعلونه. فتراهم يطالبون بدولة مدنية، ولكنهم بالفعل يمارسون الطائفية ويثيرون العصبيات ويحضون على الكراهية الطائفية بأسوأ صورها. وهم لذلك يوغلون في إثارة الحساسيات والتشنجات الطائفية والمذهبية. ويؤسفني القول إن أكثر من مارس الضغوط الطائفية وأثار النعرات المذهبية ومارس السياسات الشعبوية بأسوأ صورها خلال السنوات الماضية كان حزب التيار الوطني الحر، الذي ينتمي اليه فخامة الرئيس، وذلك من خلال رئيسه جبران باسيل. وبالتالي، كانت ممارسة هذا الحزب وممارسة مختلف قياداته قائمة على الشحن الطائفي والمذهبي، وهو شكل بأدائه أعظم وأكبر نموذج على إثارة العصبيات الطائفية والمذهبية بما كان يستثيره من شحن وتوتير وضغوط طائفية على مدى كل هذه السنوات الماضية وفي كل شيء او في كل أمر. وهو لم يترك صغيرة ولا كبيرة لكي يستثير النعرات الطائفية بكونه يصر على أن يطالب بتلك الحصص حتى وصولا إلى أدنى درجات العاملين في الدولة اللبنانية مع أن في ذلك مخالفة صريحة للدستور اللبناني، ولا سيما للمادة 95 منه والتي تؤكد على اعتماد قواعد الجدارة والكفاءة في جميع المراكز في إدارات الدولة اللبنانية باستثناء أولئك الذين في المرتبة الأولى. وهو كان يتصرف على هذه القواعد التي كان يؤكد على الالتزام بها في التعيينات بدلا من الارتقاء بأدائه، والارتفاع الى مستوى اعتماد المبادىء الأساسية التي قام عليها لبنان منذ استقلاله وأصر الدستور اللبناني على ضرورة اعتمادها، ألا وهي احترام قواعد الكفاءة والجدارة في إيلاء المراكز في الدولة اللبنانية لأكفائها”.

أضاف: “نتيجة لهذا الإداء المتردي، فقد أصبح ولاء معظم العاملين في الدولة ومؤسساتها للأحزاب الطائفية والمذهبية الذين يؤمنون لهم الحصول على المراكز في الدولة ويضمنون لهم فرص الترقي ويقدمون لهم الحماية المستمرة، ولم يعد هم أولئك العاملين خدمة الدولة والمواطنين بل إرضاء أولئك الزعماء. لذا، أرى أنه قد آن الأوان للعودة إلى الأصول الدستورية والقانونية، والعمل بجد من أجل الخروج من تلك الادعاءات والشعارات الفارغة التي لا تعني شيئا غير تحقيق هدف واحد وهو كسب التعاطف الجماهيري والتعاطف الشعبوي بغض النظر عن صوابية هذه الممارسات”.

وتابع: “أعتقد ان اتفاق الطائف الذي أقره لبنان وتمت صياغة الدستور اللبناني على أساس منه الا وهو احترام ما تم الاتفاق عليه في الطائف، والذي -لللأسف- لم يستكمل تطبيقه حتى الآن. لقد نص اتفاق الطائف على أن يكون للبنان مجلسان منتخبان: الأول، وهو المجلس النيابي الذي يلبي طموحات ومطالب الفرد المواطن في الحصول على الخدمات التي تقدمها له الدولة وفي تنظيم علاقته بالدولة، وفي كل ما من شأنه أن يسير أمور المواطن وعلاقاته مع الدولة ومع سائر المواطنين. والثاني وهو الذي استمر التلكؤ في إنشائه وفي تطبيقه، وحتى الآن عن القيام به، الا وهو إنشاء مجلس للشيوخ”.

وأردف: “ان مجلس الشيوخ يلبي ما تتوقعه وتريده الجماعات التي يتكون منها لبنان المؤلف من 18 جماعة دينية، لذلك، أقول إن النظام اللبناني هو نظام مدني بكل ما للكلمة من معنى. من جانب آخر، إن مجلس الشيوخ حين إنشائه، همه أن ينظم علاقات الجماعات الطائفية التي يتكون منها البلد للتأكد من استمرار احترام ووجود تلك الجماعات وعدم تهميشها او المساس بها، ويكون ذلك عبر احترام تمثيلها عن طريق مجلس الشيوخ. كان ينبغي ان يصار الى إنشاء هذا المجلس، ولكن -لللأسف- جرى التعتيم عليه، واستمرت محاولة التهرب من إنشائه على مدى السنوات منذ العام 1989 وحتى الان. ففي الفترة التي كان فيها للنظام السوري سلطة مؤثرة أو كان مسيطرا فيها في لبنان، كان هناك تمنع عن إنشاء هذا المجلس. وفي الفترة التي تلت، أي منذ العام 2005 وحتى الان، حصلت فيها أمور وتطورات كثيرة أدت في المحصلة إلى استمرار الاستعصاء على إنشاء هذا المجلس خلال السنوات الخمس عشر الماضية، وهي الفترة التي أسهمت في توتير وزيادة حدة التشنجات الطائفية، والتي وكما أسلفت، كان النموذج الأكبر لزيادة حدة تلك التشنجات الطائفية واثارة النعرات المذهبية هو التيار الوطني الحر. هذا لا يعني أن باقي الأحزاب الطائفية بريئة من اللجوء إلى استعمال ذات الأساليب المؤدية إلى زيادة حدة التوترات والعصبيات”.

وإذا كان “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” سيدعمون تكليف مصطفى أديب، قال: “أنا أضع يدي على قلبي لأني أخشى ألا يتحقق هذا الإصلاح الأساسي الذي نحلم به، ولأن كل ما نسمعه اليوم عن استعدادات طيبة ورغبة في التعاون يحصل انطلاقا من إدراك متنام لدى بعض السياسيين في لبنان بأن البلد قد وصل الى نقطة خطرة جدا. إذ أصبح قاب قوسين او أدنى من ذلك الارتطام الكبير بسبب هذا التردي الهائل في الاوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية والأمنية. وقد وصل الانهيار في الثقة بالدولة والحكومة والمسؤولين في هذا العهد إلى مستويات خطرة جدا. لذلك، أتمنى أن يكون هذا الادراك صحيحا وأن يؤدي ذلك الى التزام كامل من قبل أولئك السياسيين بمصلحة الدولة اللبنانية وما تمليه عليهم المصلحة الدائمة للبنانيين من ضرورة المسارعة إلى التسهيل وبالتالي لتبني الإصلاحات الموعودة”.

أضاف: “لذلك، فإني ومع ابداء أملي وتمنياتي بذلك الا ان هناك خشية كبيرة لدي، وهي تساورني في انه ربما لا يأتي “حساب البيدر مطابقا لحساب الحقل”. أي ان ما نسمعه من نوايا طيبة الآن بشأن التكليف قد لا نسمعه عند البدء بالتأليف. لهذا كله، أرى أن هناك أمرا يجب ان يدركه الجميع من أنه لم يعد لدى لبنان على الاطلاق “لا ترف الانتظار ولا حتى ترف الاختيار”. أنا أعني هذه الكلمات ذلك أن المشكلات أصبحت أكبر بكثير من لبنان ومن اللبنانيين. وما لم تتوفر الإرادة الحاسمة لدى اللبنانيين ولدى السياسيين اللبنانيين، ولدى هذه الحكومة العتيدة بحتمية سلوك طريق الإصلاح الحقيقي، فمن الصعب لا بل من المستحيل على لبنان الخروج من المآزق التي أصبح في خضمها”.

وعن تأثير القوى الاقليمية والدولية على الساحة السياسية في لبنان، قال: “بصراحة، لقد مر لبنان خلال العقود الماضية بتجارب كثيرة وهي قاسية جدا. وكانت هناك مراهنات مستمرة لدى مجموعات سياسية مختلفة على الخارج، وهي كانت ولا تزال تعتمدها للاستقواء على الداخل. فلقد تميزت ممارسات الكثير من الاحزاب الطائفية والمذهبية بأنها كانت تراهن في أحيان ليست بالقليلة على دعم من الخارج اكان ذلك ضمن الإطار الاقليمي او حتى خارجه. وانا الان اعتقد ان هذا الامر الخطير قد أصبح جديرا بأن يصار إلى مراجعته ومراجعة هذه الممارسات مراجعة صادقة وواعية ومتبصرة ومن قبل الجميع”.

أضاف: “ما أعتقده بشأن طريقة حكم لبنان، فينبغي الجميع التحلي بالحكمة والتبصر والاستيعاب، ولكن على أساس احترام قاعدة أساسية وهي أن لبنان يحكم بقوة التوازن وليس بتوازن القوى. مبدأ قوة التوازن الذي يعترف ويحتضن جميع المكونات وعلى أساس ان كل مواطن له ذات الحقوق وعليه ذات الواجبات وان انتماءه لطائفة معينة لا يعرضه لأي نوع من انواع التهميش. على سبيل المثال، إن تاريخ لبنان السياسي حافل بهذا التسامح والقبول بالآخر، فقبل اتفاق الطائف كان بإمكان كل مواطن لبناني بغض النظر عن أي طائفة انتمى إليها، ان يكون وزيرا في أي وزارة بغض النظر عن حجم طائفته، ولا سيما في ما يقال عنه الحقائب الوزارية السيادية. إلا أنه، وفي فترة لاحقة سادت ممارسات استجدت بحيث أصبح هناك وزارات معينة لا يحصل عليها الا من ينتمي الى الطوائف الاساسية الاربع في لبنان اي الموارنة والارثوذكس والسنة والشيعة. هذا بينما تاريخ لبنان يدل على أن وزراء ينتمون إلى طائفتي الكاثوليك والدروز، وعلى سبيل المثال، كانوا يحصلون عادة على أن يكون أحد منهم وزيرا في أهم الحقائب الوزارية وأعني بذلك وزارات المالية والدفاع والداخلية والخارجية بغض النظر عن انهم لا ينتمون الى الطوائف الكبرى في لبنان”.

وتابع: “المؤسف أنه وفي العقود الأخيرة، زادت حدة الانغلاق والتطرف، وبدأت تتزايد حدة المراهنات على الشرق والغرب في المنطقة وخارجها. وأعتقد ان هذه المشكلات لم تعد قابلة للاستمرار إذ لم يجر العمل على التصدي لها ومحاولة إيجاد حلول لها. وباعتقادي أنه الآن قد استحق الحق وكما يقول القرآن الكريم: “الآن حصحص الحق”، وأصبح على الجميع ان يدرك بأن النتيجة ستكون وخيمة جدا على لبنان واللبنانيين إذا استمرت هذه الممارسات. وسيكون عندها الجميع في خطر كبير. كذلك إذا استمرت تلك الممارسات المبنية على المراهنة على تغير موازين القوى، فإنها دعوة مستمرة إلى زيادة حدة الخلافات والتخاصم المستمر وإشعال الحروب، إذ أنه وعندها تحاول كل طائفة أن تستقوي بالآخرين بالخارج على الداخل، فإن ذلك يستدعي بالآخرين ان يبذلوا جهدهم من أجل السعي للاستقواء أيضا بالخارج لرد الصاع صاعين. وهذا يعني في محصلة الامر استمرار حدة الصراعات والمواجهات الداخلية. لذلك، أعتقد أن لبنان لا يحكم الا بقوة التوازن، وحتما ليس في استمرار المراهنة على الاستقواء بالخارج على الداخل. ذلك بما يعني إقرار جميع اللبنانيين باستيعاب هذه الحقيقة التي كلفتهم غاليا والتصرف على أساس منها، وكما قلت لك الان “لقد حصحص الحق”.

واذا كانت مطالبة البعض بعودة الانتداب الفرنسي سببها ضعف وتراجع النخبة السياسية، قال: “هناك انهيار كامل في الثقة لدى اللبنانيين بالدولة والحكومات وبالعهد وبرئيس الجمهورية وبمعظم الطبقة السياسية. وهذا ناتج عن هذا الانهيار الكبير الذي نشهده في كافة الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية والإدارية. وكما يقولون: “المصائب لا تأتي فرادى” بل بالإضافة إلى المصائب الاقتصادية والنقدية والمالية والسياسية والوطنية التي يعاني منها لبنان منذ فترة طويلة فإن حدة تفاقمها تزداد لأنها أصبحت تتفاقم أيضا بسبب جائحة الكورونا. كذلك بدأ تفاقمها يزداد بعد ذلك التفجير الكبير الذي حصل في مرفأ بيروت. وهذا ما أحدث غضبا ونقمة ورفضا كبيرا لدى اللبنانيين، وهم محقون بغضبهم ونقمتهم، لذلك بادر بعضهم إلى توقيع تلك العريضة، مطالبين بعودة الانتداب الفرنسي. وبرأيي هذه ليست إلا ردة فعل، لكن المعالجات لمثل هذه المشكلات والنقمة لا تكون بالذهاب الى استعادة الانتداب الفرنسي أو أي انتداب من أي طرف أو دولة أخرى، فاللبنانيون جربوا وعانوا من الانتداب في الماضي، وهم بحاجة للعودة إلى ذواتهم والتفتيش عن الحلول الصحيحة وفي المكان الصحيح، وليس استمرار التفتيش عن حلول لمشكلاتهم في المكان الخطأ”.

أضاف: “لقد تفاقمت مشكلات اللبنانيين بسبب الفساد السياسي والاستعصاء المزمن على الاصلاح وانكشاف لبنان على مشكلات الخارج وتدخلات بعض الأحزاب اللبنانية وتحديدا حزب الله بالصراعات الجارية في المنطقة لحساب إيران، بما انعكس وبالا على لبنان واللبنانيين. وقد أصبحت الدولة اللبنانية مسيطرا عليها من قبل الدويلات الطائفية والمذهبية والميليشياوية وفاقمتها التدخلات الأجنبية الإقليمية وغير الإقليمية وبسبب استدعاءات الداخل للخارج. واللبنانيون الذين شاهدوا هذه الانعطافة من قبل الرئيس ماكرون ورغبته في مد يد المساعدة ولا سيما بعد التفجير المريب الذي حصل، فقد طالب البعض بتدخل فرنسا لمساعدتهم، ولكن ليس عن طريق طلب الانتداب الفرنسي. أولئك الشباب توسموا الخير في زيارة الرئيس ماكرون، وهو عبر عن رغبته بتلبية الحاجات الاغاثية للبنان لكنه كان وما زال واضحا، وكما قال وزير خارجيته وعبر عنه أيضا الاشقاء العرب والاصدقاء في العالم، بأن على اللبنانيين أن يساعدوا أنفسهم ويساعدوا أشقاءهم وأصدقاءهم حتى يبادر أولئك الأشقاء والأصدقاء إلى مساعدتهم”.

وتابع: لقد قالها الرئيس ماكرون قوية وصريحة، لا يمكن ان نساعدكم الا إذا قمتم بما يتوجب عليكم من اصلاحات وهذه الإصلاحات لا يجري فرضها من قبل الفرنسيين على اللبنانيين وليست مفروضة من قبل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي على الدولة اللبنانية. على النقيض من ذلك، هذه الإصلاحات موجودة ويعرفها القاصي والداني في لبنان، وهي موثقة في مجلس النواب ولدى الحكومات المتعاقبة منذ أكثر منذ 15 عاما ويرددها اللبنانيون وينادي بها السياسيون ولكن -للأسف- إرادة الإصلاح الحقيقي ما زالت غير متوفرة وتقاذف الكرة بين اللبنانيين ما زال سائدا وفي المحصلة يستمر الاستعصاء على الإصلاح”.

وختم: “في إحدى المرات وفي مجلس النواب، وعندما كنت نائبا في مجلس النواب في العام 2017، وعند اقرار الموازنة العامة عام 2017، فقد قلت في كلمتي أمام الهيئة العامة لمجلس النواب انه عقد مؤتمر في تموز من العام 1997، وصدر حينها توصيات بشأن الإصلاحات الواجب إدخالها واعتمادها في لبنان. ولقد قلت في حينها للسادة النواب: “لو اطلعتم على تلك التوصيات الصادرة في العام 1997 لتساءلتم بينكم وبين أنفسكم. هل هذه التوصيات كتبت في العام 1997 ام انها كتبت البارحة في العام 2017؟ أي بعد مرور 20 عاما”. الحقيقة ان هذا الاستعصاء المزمن على الإصلاح قد استطال واستمر على مدى هذه الفترة ولم تتوفر حتى الآن النية والإرادة من أجل تبني تلك الإصلاحات. فهي ستتوفر اليوم؟ بمعنى آخر، لن يكون بإمكان أحد ان يساعد لبنان الا إذا ساعد نفسه، وكما تقول الآية الكريمة: “ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.