مجلة وفاء wafaamagazine
يحيط رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب حركة اتصالاته بجدار من الصمت. لا كاميرات ترصد الداخلين والخارجين من مقرّ اقامته في الفندق، ولا رادار يوثّق العابرين في شبكة اتصالاته. مضى على انطلاقته في مهمة التأليف أكثر من خمسة أيام (بينها يوما السبت والأحد)، ولكن لا نتيجة ملموسة حتى الآن.
وفق الحسبة الفرنسية، لا يزال أمام رئيس الحكومة المكلف عشرة أيام قبل أن تتدخل باريس على نحو رسمي وعقابيّ، كما توعد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، مع العلم أنّ خلية الأزمة التي شكلها ماكرون تتابع بشكل يومي التطورات مع مصطفى أديب بالشاردة والواردة، كما يؤكد المتابعون. من يعتقد أنّ ماكرون عاد إلى بلاده ويتكل على همّة القوى اللبنانية وحسن نواياها، فهو مخطئ، لأنّ باريس تحفظ عن غيب، قلب وقالب التركيبة الحاكمة، وتعرف جيداً من أين يؤكل كتفها!
لا تشبه عملية التأليف الحاصلة، أيّاً من تلك التي سبقتها. وحدها الظروف هي التي فرضت مساراً استثنائياً، في انطلاقته وفي نهاياته. حتى المضمون يبدو خاضعاً للعوامل الطارئة بفعل الوصاية الفرنسية المستجدة، حيث يتصرف رئيس الحكومة المكلف وكأنّه مطلق اليدين والحرية في تركيب “أذن” حكومته كما يشتهي، فيعمل على صياغة كامل تشكيلته الحكومية بمعزل عن بقية شركائه الحكوميين، والأهم من ذلك، بمعزل عما سيكون عليه موقف رئيس الجمهورية ميشال عون.. وهنا العقدة الأبرز.
توحي حركة رئيس الحكومة المكلف بأنّه سيخرج عن الأطر التقليدية في التأليف بمعنى الانكفاء عن فتح باب المشاورات السياسية على مصراعيه، وتالياً مسرح البازار العريض، قبل أن ترسو طبخة التأليف على نار التفاهم بين طهاة الحكومة. الدفع الفرنسي الذي تضخه يومياً ادارة ماكرون في ذهن مصطفى أديب يدفعه للاعتقاد وفق مواكبي حركة التأليف، أنّه قادر على اختيار كل أسماء حكومته على سجيته ووفق معاييره، لرفعها في نهاية المطاف أمام رئيس الجمهورية وتقديمها على أساس take it or leave it!
يقول بعض العونيين إنّ أديب أجرى اتصالاً يتيماً برئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، تلا لقاءهما في مجلس النواب خلال الاستشارات النيابية، وقد بقيت مضامينه في العموميات من دون الغوص في التفاصيل. ولكن ما يصل الى مسامع العونيين من أخبار وتسريبات لا يبشّر بالخير. يجزمون بأنّ فريق “بيت الوسط” هو الذي يتولى جوجلة الأسماء وتنقيح السير الذاتية الموضوعة على مكاتب رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري. أكثر ما يستفزهم هو أنّ مروحة الأسماء بلغت الضفة المسيحية حيث يتم الاتصال بشخصيات مسيحية لجسّ نبضها في ما خصّ التوزير واقناعها أنّ الحريري هو من يتولى “تركيب طرابيش” الحكومة.
إلى الآن، لم يرصد العونيون أيّ إشارة تشاركية من جانب رئيس الحكومة المكلف. يترك الرجل لنفسه هامشاً واسعاً، يعتقدون أنّه أوسع مما يتيحه الدستور والقانون. أقله حتى اللحظة. وكأنه يحتفظ بورقته حتى يطرق باب قصر بعبدا لعرض أفكاره الأولية، أو مسودته الأولى. حتى الجواب على هذه النقطة، لا يعرف العونيون كيف يصيغونه. هنا، يسود الاعتقاد في صفوف “التيار” أنّ باسيل يتقصّد الجلوس في الصفوف الخلفية. اقتنع أخيراً أنّها ليست مرحلة الاستعراضات والمنابر والمشاكسة. يفضل البقاء في الظل ولو أنّه يعرف أنّ التشكيلة ستكون بين يديه لحظة خروج رئيس الحكومة المكلف من قصر بعبدا ليضع ملاحظاته عليها. إلى الآن، يترك الطابة في ملعب رئيس الجمهورية وينأى بنفسه عن الأضواء وعن مربع الاعتراض بشكل قد ينسف “الفرصة الأخيرة”. لا تحتمل المرحلة الكثير من المناورات والتذاكي والقفز على حبال التناقضات والأحلاف. زخم المبادرة الفرنسية أقوى، وباسيل “صوفته حمرا”.
ولهذا لا يغيب سيناريو الابتعاد قدر الامكان عن الحكومة، عن أذهان العونيين، واذا ما اضطر رئيس الجمهورية الى ضمّ توقيعه تحت وطأة الضغط والاتهام بالعرقلة، فقد يحجب العونيون ثقتهم عن الحكومة لتترك لها مهمة “تقليع شوكها”.
ومع ذلك، يعتقد هؤلاء أنّ الختم الذي يضعه رئيس الجمهورية في جيبه يجعله ممراً إلزامياً لا يمكن تجاوزه بمعزل عن الظروف المحيطة. ولكن أن يكون الرئيس ميشال عون شريكاً لا يعني أبداً أنه سيكون معرقلاً لكنه بالنتيجة قد يعد للعشرة قبل أن يمنح توقيعه “على بياض”.
الأهم من ذلك، أغلب الظنّ بالنسبة للعونيين هو أنّ رئيس الحكومة المكلف لن يحيك تشكيلة “غب الطلب”، لا بل سيأخذ بالاعتبار خصوصيات داعميه، والأرجح لن يضم وجوهاً استفزازية وغير مقبولة منهم لا سيما من الجهة المسيحية كي لا يحرج “التيار” ويخرجه.
على هذا الأساس، يتوقع المتابعون أن تحرص “القوى الضامنة” على تسهيل مهمة رئيس الحكومة المكلف، فينتهي مشوار التأليف بشكل يكون فيه الجميع منتصرين: مصطفى أديب تحرر من قيود شركائه، أقله بالشكل، فيما يكون لشركائه في المولد “حمص”.
نداء الوطن