مجلة وفاء wafaamagazine
ومن الواضح أيضاً أن الاستشارات التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون، وطريقة الأسئلة التي طرحها على ممثلي الكتل النيابية الذين التقاهم على مدى يومين، قد عقّدت الأمور وأدّت إلى تعميق الهوة بين الرئيس المكلّف وفريق 8 آذار وتكتل لبنان القوي، والذي يتصرف على عكس ما يعلنه، حيث يعلن فريق العهد أنه لا يريد للمبادرة الفرنسية أن تفشل لأن في ذلك إساءة لسمعة العهد، وبالمقابل لا يريد إطلاق يد الرئيس المكلف لتشكيل حكومة الإنقاذ بحجة المواقف التي صدرت، ومنها إصرار الثنائي الشيعي على اعتبار حقيبة المال خارج إطار البحث في موضوع المداورة.
وإذا كان التدخّل الفرنسي، والبيان الذي صدر عن الإليزيه، قد أعطى بعض الأمل بالحل، والرئيس الفرنسي أوفد مسؤولَ مخابراته، برنار إيمييه، إلى لبنان للتباحث عن قرب مع القوى السياسية المعرقِلة لعملية التشكيل، ولإقناع رئيس مجلس النواب، نبيه بري، بالتحديد أنّ مهمة حكومة مصطفى أديب محدّدة، ولفترةٍ زمنيةٍ معيّنة، وهي لن تكون نهاية المطاف. وإذا كان ثمة اتّفاقات بالنسبة إلى وزارة المال، فإن الجانب الفرنسي، وفق المعلومات المتوافرة، “ليس في وارد حرمان الثنائي الشيعي من هذا الحق، شرط تمرير تشكيل حكومة أديب في الوقت الحاضر، مع تأكيد الجانب الفرنسي أن الأمور ستسوّى بعد أن تدور عجلة الدولة، وتبدأ ورشة الإعمار والإصلاحات والتفاهم مع صندوق النقد الدولي لإقرار المساعدات المطلوبة، وتنفيذ مقرّرات مؤتمر سيدر”.
وفيما تبدو التعقيدات تتراكم مع استمرار السقوف العالية، فإن المساعي باتت تتركز على منع سقوط المسعى الفرنسي أكثر منها على الحكومة ذاتها، وذلك منعاً لتداعياتٍ أخطر كان ألمح إليها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بكلامه أول من أمس، وهو ما أوحى بإشارات سلبية حيال الواقع اللبناني.
مصادر متابعة للاتصالات الجارية كشفت لـ”الأنباء” أن الضغوط الفرنسية قد تُقنع الرئيس عون وفريقه بالتخلي عن مطالبتهما بالحكومة الموسّعة “24 وزيراً”، لكنها لن تستطيع أن تقنع الثنائي الشيعي بالتخلي عن حقيبة المال، التي أصبحت بالنسبة إليه مسألة حياة أو موت بعد العقوبات الأميركية، وإدراج اسم المعاون الأول للرئيس بري، النائب علي حسن خليل، فيها وهو ما يعتبره بري إهانة موجّهة إليه شخصياً.
مصادر عين التينة أوضحت لـ”الأنباء” أنّ، “لا أحد اتّصل بها بحثاً عن حل، لا من الداخل ولا من الخارج، وأنّ الأمور ما زالت تراوح مكانها، وأنّ عين التينة ليست في وارد التنازل عن وزارة المال تحت أي ضغوط، أكانت محلية أو خارجية”.
المصادر كشفت أن عين التينة أيضاً، “ليست في وارد المقايضة في الوقت الحاضر على المالية، لا بوزارة الداخلية ولا بالخارجية، وعلى الفريق المستعجل تشكيل الحكومة أن يقبل بالأمر الواقع”، وهذا يعني أن الأمور ما زالت تراوح مكانها”.
نائب رئيس مجلس النواب، إيلي الفرزلي، كشف لـ”الأنباء” أنّ، “الأمور لغاية الآن لا زالت معقّدة، وأن العمل الأساسي يتركّز على كيفية الخروج من هذا المأزق”، لافتاً إلى أن “المشاورات التي أجراها الرئيس عون مع ممثّلي الكتل النيابية كانت للوقوف على رأيهم بموضوع الالتزام بالنصّ الدستوري في عملية التشكيل. وإذا ما حُلّت عقدة المالية تصبح الأمور الأخرى شكلية”، وفق رأيه. لكنّه أعرب عن اعتقاده بأنّ مشاورات عون، “عقّدت بعض الشيء، لكنها وضّحت بعض الأمور بالنسبة إليّ”.
وعما يتوقعه من زيارة إيمييه إلى بيروت لمتابعة هذا الملف، قال الفرزلي: “سمعت أن مسؤولاً فرنسياً حضر إلى بيروت، لكنني لست على اطّلاع بما سيقوم به من اتّصالات”، مؤكداً مقابل ذلك أنه، “لا مجال للحل إلّا وفق إرادة الثنائي الشيعي المتمسّك بالمالية”.
وحول ما يُحكى عن عتب عين التينة على بيت الوسط، ردّ الفرزلي: “لم أسمع بهذا الكلام”، نافياً إمكانية استبدال وزارة المال بحقيبةٍ أخرى، كالداخلية مثلاً، من حصة الثنائي.
الفرزلي نقلَ عن عين التينة تأكيدها أن، “وزارة المال كانت مقرّرة منذ الطائف للشيعة إنطلاقاً من مبدأ ميثاقي كما يقولون، لكن الرئيس بري تنازل عنها للرئيس رفيق الحريري بطلبٍ من حافظ الأسد، مسمياً أربعة وزراء شيعة تناوبوا عليها، من بينهم أسعد دياب، ورضا وحيد، قبل أن تتحوّل إلى وزارة الشؤون المالية، ويُعهد بها إلى الوزير فؤاد السنيورة آنذاك”.
مصادر “المستقبل” أكّدت لـ”الأنباء” أن الرئيس المكلّف لن يزور بعبدا قبل انتهاء الاتصالات الفرنسية، “فإذا رأى أن الأمور إيجابية سيذهب ليسلّم عون التشكيلة الوزارية التي أصبحت جاهزة، وإذا بقيت الأمور معقّدة فإنه سوف يقدم اعتذاره للبنانيين عن تشكيل الحكومة، لأنه ليس في وارد المواجهة مع أحد. لقد طُلب منه أن يشكّل حكومة إنقاذ وهذا ما فعله. فإذا كانت بعض القوى لا زالت تنظر إلى الحكومة على أنها قالب جبنة، وكل فريق يريد حصة منها، فهو ليس بهذا الوارد على الإطلاق، وليس هذا ما تتمناه الطائفة السنيّة التي تعتبر نفسها أمّ الصبي، والمعنيّة أكثر من غيرها بعملية الإنقاذ، وإعادة الإعمار، والبدء بالإصلاحات، وليست هذه رغبة رؤساء الحكومات السابقين، ولا دار الفتوى، ولا كل اللبنانيين المخلصين في هذا الوطن”.
مصادر “المستقبل” طالبت فريق العهد والثنائي الشيعي، “بالتواضع قليلاً لأن لبنان، واللبنانيين الذين دُمّرت بيوتهم بانفجار المرفأ، يستحقون التضحية”.
الانباء