الرئيسية / مقابلات / وباء كورونا يهدد السجناء، فماذا عن آليات حقوق الإنسان؟

وباء كورونا يهدد السجناء، فماذا عن آليات حقوق الإنسان؟

مجلة وفاء wafaamagazine

حتى اشعار آخر وموعد غير معروف يستمر العالم باجراءاته الاحترازية من أجل منع انتشار فيروس كورونا. هذا الوباء الذي لم يستثن بلداً ولا أمةً، ولم يفرّق بين كبيرٍ أو صغير، غنيّ أو فقير، قائد أو تابع، على الأكيد لن يستثني نزلاء زنزانةً أو سجناً متروكين بلا إجراءات ولا وقاية. وكما أصاب وباء كورونا من هُم خارج السجون، بدأ يجتاح السجون و يفتك بأعداد كبيرة من المساجين في العديد من الدول منها لبنان . .
وقد تحدثت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأن هذا الفيروس بدأ باجتياح السجون ومراكز الاحتجاز، في العديد من البلدان حيث تكون مرافق الاحتجاز مكتظة، وفي ظروف غير صحية، تجعل من المستحيل تحقيق التباعد الجسدي، والعزل الذاتي في مثل هذه الظروف .
“حيث طالب تيدروس أدانوم، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدول باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية السجناء، وذلك بعد تزايد عدد الإصابات بفيروس “كورونا” المستجد في العديد من السجون.”
و أمام هذا الواقع نطرح التالي : هل تمنع آليات حقوق الإنسان كورونا من اجتياح السجون؟
وما هي الحقوق الأساسية للمحرومين من حريتهم ما قبل وأثناء وبعد المحاكمة؟
كشفت الأستاذة ميرنا زين طه في حديث خاص “لمجلة وفاء” المعايير الدولية لحماية السجناء من خطر كورونا.
بدايةً أقرت الأمم المتحدة في عدة صكوك ومواثيق دولية بشأن مسؤوليات وواجبات الدول المتعلقة بمعاملة السجناء تحت أي شكل من أشكال الاحتجاز أو الحبس، وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم اعتماده في العاشر من ديسمبر 1948م، في المادة التاسعة منه بأنه لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً.
كما أوصى أول مؤتمر دولي عقدته الأمم المتحدة في سنة 1955، بضرورة اعتماد قواعد دولية لمعاملة السجناء والمحتجزين، يمكن أن تلتزم به دول العالم يحقق أحد أبرز مقاصد المنظمة المتمثلة في احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والحفاظ على كرامته الإنسانية.
وكون السجن هو تدبير مؤسسي يسلب الفرد حقه في حريته الشخصية في حدود قانونية مضبوطة الغاية منها حماية المجتمع من الجريمة، وإصلاح السجين ليعود معافى ويندمج في مجتمعه بعد الإفراج عنه. فإن تحقيق هذه الغاية يتطلب أن تكون السجون مهيئة بالوسائل الصحية و التعليمية والأخلاقية والتربوية التي تقلص الفروق بين حياة السجن والحياة الحرة التي تنهض بالمسؤولية لديهم أو بالاحترام الكامل لكرامتهم الإنسانية، لتساعدهم في الاندماج وعدم الإقصاء.
ووفقا لما تقدم فقد اكتسبت القواعد والمدونات الدولية المتصلة بحقوق السجناء أهمية كبرى يمكن اللجوء اليها كركيزة لرفض الأنظمة القمعية لحقوق السجناء و المتهمين و المشتبه بهم كما و رفض اهمال الحكومات للسجون في ظل أزمة وباء كورونا و التي تهدد السجناء بالإعدام الجماعي .
فما هي هذه القواعد والمدونات؟:
اطلعت طه ” مجلة وفاء” …القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، التي اعتمدتها الأمم المتحدة، سنة 1959م، والتي تم تنقيحها وإعادة تسميتها بقواعد نيلسون مانديلا، اعترافاً بنضاله وتضحيته بـ27 عاما في السجن ثمنا للحرية والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، سنة 1979م.
مبادئ آداب مهنة الطب المتصلة بدور الموظفين الصحيين، ولاسيما الأطباء، في حماية المسجونين والمحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، سنة 1982م.
مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، التي اعتمدتها الجمعية العام للأمم المتحدة سنة 1988م.
المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، سنة 1990م.
المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة، التي اعتمدتها الأمم المتحدة، سنة 1990م.

وما أبرز ما ورد فيها من مبادئ ومعايير حقوقية تحمي السجناء من وباء كورونا؟ قالت طه:
أولاً : بالنسبة إلى أماكن الإحتجاز :
١ حيثما وجدت زنزانات أو غرف فردية للنوم لا يجوز أن يوضع في الواحدة منها أكثر من سجين واحد ليلا.فإذا حدث لأسباب استثنائية، كالاكتظاظ المؤقت، أن اضطرت الإدارة المركزية للسجون إلى الخروج عن هذه القاعدة، يتفادى وضع مسجونين اثنين في زنزانة أو غرفة فردية.
٢ وحيثما تستخدم المهاجع، يجب أن يشغلها مسجونون يعتني باختيارهم من حيث قدرتهم على التعاشر في هذه الظروف. ويجب أن يظل هؤلاء ليلا تحت رقابة مستمرة، موائمة لطبيعة المؤسسة.
٣ توفر لجميع الغرف المعدة لاستخدام المسجونين، ولا سيما حجرات النوم ليلا، جميع المتطلبات الصحية، مع الحرص على مراعاة الظروف المناخية، وخصوصا من حيث حجم الهواء والمساحة الدنيا المخصصة لكل سجين والإضاءة والتدفئة والتهوية.
٣ يجب أن تكون المراحيض كافية لتمكين كل سجين من تلبية احتياجاته الطبيعية في حين ضرورتها وبصورة نظيفة ولائقة.
٤ يجب أن تتوفر منشآت الاستحمام والاغتسال بحيث يكون في مقدور كل سجين ومفروضا عليه أن يستحم أو يغتسل، بدرجة حرارة متكيفة مع الطقس، بالقدر الذي تتطلبه الصحة العامة تبعا للفصل والموقع الجغرافي للمنطقة، على ألا يقل ذلك عن مرة في الأسبوع في مناخ معتدل.
ثانيا : بالنسبة لحقوق السجناء :
الحياد وعدم التمييز:
المبدأ الأساسي لهذه القواعد والمدونات ونطاقها هو أن يتم تطبيقها على جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، بحياد تام ودون تمييز في المعاملة بسبب العنصر او اللون أو الجنس أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل الوطني أو العرقي أو الاجتماعي، أو الملكية أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر. ولا يعتبر من قبيل التمييز مراعاة الفصل بين الفئات لحماية حقوق النساء السجينات أو المحتجزات بتخصيص سجن لهن منفصلا تماما عن الرجال، أو المرضى الذي هم بحاجة إلى رعاية خاصة قد تقتضي نقلهم لتلقي العلاج داخل السجن أو خارجه، أو المسنين، أو المعوقين. مع استثناء الأطفال والأحداث من عقوبة السجن بدور إصلاحيات متخصصة.
إلى جانب فصل المحبوسين قبل المحاكمة لأسباب مدنية عن المدانين بسبب جرائم جنائية.

أضافت إبلاغ الشخص بأسباب احتجازه لحظة القبض أو عند بدء الاحتجاز مباشرة:

تنص تلك المبادئ على عدم جواز استمرار إبقاء المحتجز دون أن تتاح له فرصة الإدلاء بأقواله في أقرب وقت وأمام سلطة قضائية مختصة، بحضور محاميه إن كان له محام.
ويسبق ذلك إعلام الشخص المحتجز ومحاميه، لحظة القبض أو عند بدء احتجازه مباشرة معلومات كاملة عن أسباب احتجازه، أو مبررات التمديد له، وحقوقه أثناء الاحتجاز وكيفية استعمالها وحقه في تقديم الشكاوى حسب النظام المتبع في السجون.

النظافة والبيئة الصحية والطعام:
يجب على السلطة المختصة العناية بالصحة العامة للسجناء والمحتجزين من خلال الاهتمام بنظافة العنابر والزنازين والأسرة ولوازمها، والمراحيض والحمامات، وتوفير المياه بالقدر الذي يلبي حاجة كل سجين لنظافته الشخصية وبانتظام، بما في ذلك تمكين كل سجين من ممارسة الرياضة التي تناسبه في الهواء الطلق لمدة ساعة على الأقل في اليوم الواحد.
وتوفير الوجبات الغذائية الكافية في الأوقات المعتادة، والمياه الصالحة للشرب كلما احتاج إليها للحفاظ على صحة وقوة السجين.
وللموقوفين والمحتجزين رهن المحاكمة أن يأكلوا ما يريدون على نفقتهم، بأن يحصلوا على طعامهم من الخارج إما بواسطة الإدارة أو بواسطة أسرتهم أو أصدقائهم، والكتب والصحف وأدوات الكتابة وغيرها. فإذا لم يطلبوا ذلك كان على الإدارة أن تتكفل بإطعامهم، ولهم حق ارتداء ثيابهم الخاصة، أو ارتداء ثياب السجن غير المخصصة للمدانين.

الخدمات الطبية لكل شخص محتجز:
يجب توفير الخدمات الطبية لكل شخص محتجز دون تمييز بسبب وضعه القانوني، ويقدم أطباء الخدمات الطبية للسجناء، وفق بروتكولات العلاج المتبعة في البلد، سواء توفرت داخل السجن أو تم نقل السجين إلى المستشفى، شاملة علاج الأسنان من قبل طبيب مختص، وفي سجون النساء يجب توفير الخدمات الطبية المناسبة لهن خاصة المتعلقة بالحمل والولادة.
المسؤولية الصحية عن السجناء في حالة انتشار الأمراض المعدية:
يتم عزل السجناء أو المحتجزين الذين يشك في كونهم مصابين بأمراض معدية عن الأصحاء. ويجب على الطبيب المسؤول تقديم تقارير حول حالة الصحة البدنية والنفسية لكل سجين أو محتجز، بما في ذلك توضيح الضرر الصحي الذي وصلت أو ستصل إليه الحالة جراء أي ظرف من ظروف السجن.
وطبيب السجن مسؤول بصورة منتظمة عن معاينة كمية الغذاء ونوعيته وإعداده، ومدة اتباع القواعد الصحية والنظافة في السجن، وحالة المرافق الصحية والتدفئة والإضاءة والتهوية في السجن، ونوعية ونظافة ملابس السجناء ولوازم أسرتهم، ومدى تقيد السجانين بإتاحة التمارين البدنية والرياضية وفق القواعد المحددة. كما يجب على إدارة السجن إخطار ذوي السجين في حالة حدوث الوفاة أو أصابته بمرض.

ختمت طه حق كل محتجز في الاتصال بالعالم الخارجي:
يحق لكل شخص محتجز أو سجين الاتصال بأسرته وبأصدقائه واستقبالهم، وتلقي الزيارات في فترات منتظمة، وتلقي زيارة محاميه وإعداد دفاعه، ويجوز أن يكون في مرمى نظر الشرطي أو موظف السجن وليس مسمعهما. وبالاطلاع على الصحف اليومية، والاستماع للمحطات والقنوات الإذاعية والتلفازية، والوصول لمنشورات إدارة السجون والمكتبات المتوفرة في السجن. كما يسمح للسجناء الأجانب بالتواصل مع الممثلين الديبلوماسيين لبلدانهم الأصلية أو البلاد التي تتولى رعاية مصالح بلدانهم في حالة عدم وجود علاقات ديبلوماسية.

فإلى أي مدى تطبق هذه القواعد والمدونات من قبل الأنظمة السياسية في منطقتنا ؟
وهل يحظى السجناء بالحد الأدنى من العناية التي تقيهم خطر الإصابة بوباء كورونا؟
هل تتحمل الدولة اللبنانية المسؤولية القانونية الناجمة عن انتشار وباء كورونا في السجون؟
ألم يحن الوقت لإقىرار قانون العفو العام في لبنان في ظل انتشار وباء كورونا لدرجة تهديد حياة العديد من السجناء؟
تجدر الإشارة أخيراً إلى أنّ عدداً من دول العالم لجأت إلى إصدار عفو عام عن آلاف السجناء، ما أدى إلى إفراغ عدد كبير من السجون خوفاً من انتشار فيروس كورونا في صفوفهم. فماذا ينقص الدولة اللبنانية العاجزة عن حماية صحة السجناء لتحذو حذوها، بدافع إنساني وحرصاً على حياة المئات من السجناء والعناصر الأمنية، مع الحرص على عدم التفريط بالحقوق الشخصية وعدم الإفراج عمّن تلطخت أيديهم بالدماء أو ارتكبوا جرائم تمسّ بالأمن القومي، وعلى رأسها التعامل مع العدو الإسرائيلي؟