الاعلامية وفاء بيضون
إنّ الثابتَ في طبيعةِ الإنسان ، على مدى معرفتِنا التجريبية ، هو ذاك المزيجُ من التضادِّ في الأنفسِ أو الذواتِ الذي يحكم سلوكنا وعلاقاتنا . فروعُ هذا التضادّ تتأرجحُ بينَ فعلِ الضدِّينِ المرافقَيْنِ لتلك الأنفس ، الخير والشر .. وكي لا أطيلَ وباختصارِ القولِ يجوزُ استبدالُ تسميةِ الخيرِ والشرِّ بتعريفِ الفجورِ والتقوى ..
فلو أنَّ زراعةَ الخيرِِ في أيِّ نفسٍ استكملتْ سُقياها أو نبتةَ التقوى في أيِّ ذاتٍ ارتوتْ حتى بلغتْ نموَّها ونضوجَها لأينعتْ وأثمرت فعلَ عطاءٍ و نباتًا صالحًا كروضةٍ غنّاء أو بستانٍ يتسابقُ شجرُه على نشرِ طيبهِ ورمي ثمرهِ لكلِّ طالبٍ وعابر .. والعكسُ تمامًا صحيحٌ فلو أنَّ الانفسَ لم تاخذْ حدَّ رعايتِها لفسدتْ ووقعتْ في كُفرٍ مُهلِكٍ لا زرعَ أخضرَ فيهِ ، و إنّما جحودٌ ويباسٌ واصفرار ..
إنّ ما تمَّ ذكرُه يختصرُ الإشكاليةَ التي لطالما راودتْ صحةُ ودقةُ أجوبتِها عقولَ الفلاسفةِ والمفكِّرينَ ، بغية الوقوفِ على حدٍّ يلامسُ أكثرَ فهمَنا لطبيعةِ الذاتِ .. ولعلَّ في ذلك التعرفِ يزدادُ فهمُنا أكثرَ لتلك الغوامضِ للمساهمةِ مستقبلًا في حلولٍ تضعُ حدًا للتجاوزِ القائمِ الآن ، والمؤلمِ في شكلِ العلائقِ المجحفةِ بين القويِّ والضعيفِ ، حيثُ حقوقُ الأخيرِ مستباحةٌ دونَ رادعٍ أو رحمةٍ ، وذلك للمساهمةِ في ردمِ الفجوةِ العميقةِ المؤسّسةِ لتلكَ العلاقةِ الظالمة .
مجلة وفاء