الخميس 15 آب 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
التقى رئيس الوزراء سعد الحريري في واشنطن بعد ظهر أمس وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية السفير ديفيد هيل الذي زاره في فندقه لمناقشة العلاقات الثنائية وللتحضير للقاء الحريري اليوم ووزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو، كما التقى مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شنكر في حضور الوزير السابق الدكتور غطاس خوري.
وكان الحريري، الذي يقوم بزيارة خاصة لواشنطن اصطحب فيها ابنته التي ستلتحق باحدى جامعات العاصمة، قد التقى مسؤولين في وزارة الخزانة بينهم مساعد وزير الخزانة لشؤون مكافحة تمويل الارهاب مارشال بيلينغزلي.
وتأتي هذه اللقاءات على خلفية أنباء وتقارير عن اقتراب المسؤولين الاميركيين من اتخاذ اجراءات عقابية جديدة في حق “حزب الله” وحلفائه في “التيار الوطني الحر”، وعلى خلفية الاستياء المتزايد للمسؤولين البارزين من اداء الحكم برئاسة الرئيس ميشال عون وبالتحديد اداء وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يتهمه المسؤولون الاميركيون بتوفير “الغطاء المسيحي” لسياسات ونشاطات “حزب الله” في لبنان وسوريا.
والواقع ان رئيس الوزراء الحريري يعرف شخصياً المسؤولين الاميركيين الذين التقاهم وسيلتقيهم هذا الاسبوع بدءاً من الوزير بومبيو، وديفيد هيل الذي عمل سفيراً لبلاده في بيروت، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شينكر، ومارشال بيلينغزلي ، الامر الذي سيساعده الى حد ما على شرح التعقيدات في التعامل مع “حزب الله”.
لكن هذه الحقيقة لن تثني هؤلاء المسؤولين عن مصارحة الحريري بان صبرهم قد شارف النفاد جراء ما يعتبرونه تفاقم سيطرة “حزب الله” على صنع القرار في بيروت، وان الحريري وحلفاءه مطالبون باتخاذ مواقف سياسية أكثر جرأة للتصدي للنفوذ المزايد للحزب وايران وحلفائهما الاقليميين من القوى الشيعية في بيروت.
وتحدث المسؤولون الاميركيون الذين التقتهم “النهار” بصراحة عن وجود نقاش داخلي بين من يدعو الى التروي في التعامل مع الحكومة اللبنانية وتفهم معضلة الحريري، ومواصلة تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي تصل الى نحو نصف مليار دولار سنوياً، ومن يدعون الى تعليق كل المساعدات لان الحريري إما غير قادر واما غير راغب في التصدي لـ”حزب الله”.
وكانت مصادر اميركية مسؤولة قد أبدت أخيراً عن قلقها على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، على خلفية تقارير عن استهداف النظام السوري والمتعاونين معه في لبنان اياه.
وهذا القلق ترجم عمليا في البيان اللافت للسفارة الاميركية في بيروت عن مضاعفات حادث قبرشمون. واوضح المسؤولون لـ”النهار” انهم أبلغوا جنبلاط مباشرة قلقهم. ومن المتوقع ان يزور الاخير العاصمة الاميركية أواخر تشرين الاول للمشاركة في حفل تكريم السفير الاميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان، الذي التحق العام الماضي بمركز بروكينغز للابحاث في واشنطن.
العقوبات
واللافت ان المسؤولين الذين يتفهمون معضلة الحريري “الذي يجد نفسه في حكومة تضم الذين اغتالوا والده” كما قال أحدهم ، يعبرون في الوقت نفسه عن احباطهم لأن على ادارة الرئيس ترامب ان تبرر للكونغرس وللرأي العام مساعدات للبنان بقيمة نصف مليار دولار سنوياً، ولانها تتوقع من الحكومة اللبنانية ان تتخذ اجراءات لم تتخذها حتى الان لضبط ما يسمونه في واشنطن “ألاشياء الخطيرة التي تحدث في لبنان، وهذا ما يفسر احباطنا”. ولا يحدد المسؤولون الذين تحدثت معهم “النهار” الاشياء التي يتوقعونها من الحكومة اللبنانية.
ولكن في السابق أعرب مسؤولون عملوا في لبنان وفي مناصب متنوعة في واشنطن عن احباطهم لان الحريري لم يرفض اعطاء حقيبة وزارة الصحة لوزير في معسكر “حزب الله”، ولان الحكومة اللبنانية على سبيل المثال تتسامح مع الغطاء السياسي والامني الذي يوفره “حزب الله” للقوى السياسية والاعلامية التي تمثل تنظيم الحوثيين والمعارضة البحرينية وغيرها في لبنان. ويتساءل المسؤولون في واشنطن، لماذا لا يتصدى الحريري لمثل هذه الممارسات التي تخدم ايران وطموحاتها الاقليمية؟
ويتحدث المسؤولون الاميركيون منذ أسابيع عن اقترابهم من فرض عقوبات على شخصيات سياسية لبنانية وكذلك مؤسسات مالية. وكانت وزارة الخزانة قد فرضت في تموز الماضي للمرة الاولى عقوبات مالية على عضوين من “حزب الله” في مجلس النواب هما: محمد رعد وامين شري .
ومع ان المسؤولين الاميركيين يقرون بوجود أزمة اقتصادية في لبنان، الا انهم يسارعون الى القول إنها ليست بسبب أي عقوبات اميركية بل بسبب الفساد التقليدي المستشري في المؤسسات اللبنانية. ويضيفون انهم يدرسون فرض عقوبات جديدة على شخصيات ومؤسسات مالية لبنانية، في اشارة أولى الى ان العقوبات ستطاول أي مصارف “توفر الخدمات المالية لحزب الله أو أي من اعضائه”.
ولكن لم تتضح بعد هوية هذه المؤسسات أو موعد معاقبتها، لان هذه الاجراءات تتخذ بعد دراسات قانونية مفصلة وبعد مشاورات طويلة بين وزارتي الخزانة والخارجية ومجلس الامن القومي .وحول ما اذا كانت العقوبات الجديدة ستطاول شخصيات أو مسؤولين في “التيار الوطني الحر”، قال أحد المسؤولين ضاحكاً: “نحن لا نميز دينيا حين نفرض العقوبات”.
نصرالله وظريف
وفي بيروت، سادت الاوساط السياسية انطباعات متضاربة عن المشهد الداخلي، اذ لم يكن مستغربا ان ينشغل اللبنانيون بهاجس عودة الحلقات المتجولة والمتنقلة لأزمة النفايات بين المناطق اللبنانية، فيما تنشد انظار المتابعين السياسيين والديبلوماسيين الى اللقاءات التي يعقدها الحريري في واشنطن وسط ملامح مقلقة لاشتداد الكباش الاميركي – الايراني الذي يشكل لبنان إحدى ساحاته الاساسية خصوصاً من خلال ملف العقوبات الاميركية على “حزب الله”.
وأمس تحديداً في 14 آب الذي صادف الذكرى الـ13 لنهاية حرب تموز 2006 وبدء سريان القرار 1701، شهد فصلاً من المواجهات الاعلامية والديبلوماسية حيال لبنان اذ انبرت ايران الى تظهير قوة نفوذها بالاشادة بقدرات “حزب الله”، كما بادر الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله الى كشف رسالة تضامن مع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف من مواجهة العقوبات الاميركية التي طاولته.
وعشية القاء السيد نصرالله كلمة غداً في الذكرى الـ13 لـ”النصر الالهي” على اسرائيل، وزع اعلام “حزب الله ” نص رسالة وجهها نصرالله الى وزير الخارجية الايراني جاء فيها: “عندما أعلنت الادارة الاميركية فرض عقوبات علكيم شخصياً، وضمّتكم الى لائحة الشرف، قررت انا واخواني ان نرسل لكم برقية نعبّر فيها عن تضامننا واحترامنا، الا أنني فضّلت أن أؤخر ذلك إلى اليوم، أي إلى يوم 14 آب، اليوم الذي هَزمَت فيه المقاومة في لبنان أميركا و”إسرائيل” في حرب الـ33 يوماً في شهري تموز وآب عام 2006، وبدعم ومساندة كاملة من الجمهورية الإسلامية في ايران”. وأضاف: “إن (مستشار الأمني القومي الاميركي جون) بولتون، الذي يهدد باسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، لم يستطع أن يحقق أي انجاز ونصر في حياته، وفي مثل هذه الأيام من عام 2006 كانت أميركا تتراجع وتنكسر أمام مقاومة شعبية، في بلد صغير المساحة ومنقسم على نفسه، فكيف سيكون حالها أمام دولة إقليمية كبرى، وشعبٍ موحدٍ، ونظامٍ متماسكٍ، وقائدٍ عظيم” .
المصدر: النهار