الرئيسية / فنون / توم يونغ… «إحياءً» لصيدا القديمة

توم يونغ… «إحياءً» لصيدا القديمة

مجلة وفاء wafaamagazine

بعد تأجيل قسريّ لثلاث مرات، افتتح الرسام البريطاني توم يونغ معرض «إحياء» (يستمر حتى نهاية العام الحالي) في الحمّام الجديد في صيدا القديمة، بتنظيم من مؤسسة «شرقي للإنماء والابتكار الثقافي». كما فعل سابقاً في قصر بسترس وفندق صوفر الكبير وعمارات بيروت القديمة، أحيا يونغ بلوحاته وجدارياته الذاكرة الجماعية للصيداويين بتجسيد بعض طقوسهم واحتفالاتهم ومعالمهم التي اندثرت إلى حدّ كبير.
سبعون لوحة بمقاييس مختلفة، بدأ يونغ برسمها بالألوان الزيتية منذ أكثر عام داخل الحمام الجديد الذي استثمرته المؤسسة أخيراً بهدف تحويله إلى مركز معارض وملتقى ثقافي. قبل أن يفتتح مرسمه داخل صيدا القديمة، ملأ مخيلته بقصص الحمّام وجيرانه ليعيد إنتاجها بريشته. تاريخ الحمّام يشبه تاريخ البلد. في ذروة ازدهار العمارة الإسلامية والعثمانية في المدن الكبيرة، شيّد مصطفى آغا حمود، ذو الأصول المغربية، آخر حمامات صيدا القديمة، بداية القرن الثامن عشر، جامعاً في زواياه تصاميم شرقية وعثمانية. ميزته تقدّمه عما سبقه من حمامات في تقنيات منها جرّ المياه والتدليك والاسترخاء. إذ استعان حمود خلال تشييده، بأحد أقاربه الذي كان خبيراً في علم الطاقة. لكن الاعتبارات الاجتماعية والثقافية كانت الأبرز في الحمام الذي أقفل أبوابه عام 1949. عند المدخل، ثبّت يونغ لوحة لسيدة ينسدل شعرها تحت المنديل الشفاف. إنها إعادة رسم لصورة حقيقية لزهية الظريف، «معلمة» الحمام، وآخر مديراته التي كانت تشغل قسمَيه الرجالي والنسائي. حفيدتها، ناديا الأنصاري، حكت ليونغ قصة السيدة القوية التي كان يحسب لها الجميع حساباً في مجتمع محافظ لم يعتد حينذاك على اختلاط النساء بالرجال أو عملهن. لكن الظريف قدمت تجربة مخالفة خلال الأربعينات حتى إقفال الحمام لأسباب عدة، منها وصول المياه إلى البيوت والنكبة الفلسطينية. توثّق لوحات يونغ الوفرة التراثية والاجتماعية المنوّعة للمدينة حيث تجاورَ في حاراتها القديمة المسيحيون والمسلمون واليهود، وتخالطوا بطقوسهم ومعتقداتهم. يعلو السقف من ثلاث زوايا، نجمات تشبه نجمة داود. مواقعها اختيرت بدقة لتدخل نور الشمس في مواقيت محددة. وفي الوسط، ترتفع قبة ثُقبت بدوائر صغيرة غُطيت بزجاج بألوان مبهجة لتضيء الحمام في غياب الكهرباء والقناديل. أبرز الغرف، البركة اليهودية التي كانت تغتسل فيها العرائس خلال تجهيزهن للزفاف. تضع النساء على رأسهن بعد الغسل خبزاً قبل أن يرقصن في البهو الخارجي حول نافورة ذات طابع عثماني. حجز يونغ حصة كبيرة من لوحاته للنساء اللواتي كنّ يعثرن في الحمام على مساحة حرية واسترخاء فقدنها خارجه. في غرفة التدليك، جعل يونغ الجدران تنطق بحكايا المسترخيات. هنا، لوحة لسيدة لفّت جزءاً من جسدها بمنشفة وتمدّدت فوق البلاط بأنوثة طاغية. وهناك، سلسلة لوحات لوجه سيدة تدخل في حالة من الاسترخاء رويداً رويداً.
خلال رحلة تجميعه لفصول الذاكرة الجماعية حول الحمام الجديد، أحيا يونغ بلوحاته مساحات مشتركة كانت تجمع الصيداويين قبل أن تتلاشى أو تتشوّه. هنا، لوحة لنهر الأوّلي، وهناك لوحة لأطفال يلهون على أراجيح بحر العيد ولوحة توثّق القصف الإسرائيلي لصيدا القديمة عام 1982، عندما نال الحمام قسطاً من الدمار. عدا عن ذاكرة الناس، استقى يونغ مادته المكانية والزمانية والشخوص من صور صيداوية قديمة، منها من مجموعة عائلة صاصي الصيداوية وأخرى من الباحثة ريم مكتبي.

* معرض «إحياء»: حتى نهاية الشهر الحالي ــ الحمّام الجديد (صيدا القديمة ــ جنوب لبنان). للاستعلام: 81/282848

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاخبار

عن Z H