الثلاثاء 27 آب 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
بدا المشهد الداخلي، غداة سقوط طائرتين اسرائيليتين مسيرتين في الضاحية الجنوبية لبيروت وما اثاره هذا الاستهداف من احتمالات عسكرية خطيرة وتداعيات سياسية وديبلوماسية ساخنة، شديد الغموض والارباك في ظل حبس أنفاس ميداني على الحدود اللبنانية الجنوبية مع اسرائيل كما في ظل استنفار ديبلوماسي وسياسي رسمي ينتظر ان يستكمل في اجتماع استثنائي اليوم للمجلس الاعلى للدفاع في قصر بيت الدين.
وأوضحت لـ”النهار” مصادر معنية بالاستنفار اللبناني الرسمي الذي حتمته التطورات التي نشأت عن الخرق الاسرائيلي للقرار 1701 وتجاوز هذا الخرق الانتهاكات الجوية اليومية الى تبديل معالم “الستاتيكو” القائم منذ عام 2006 والرد الذي استتبعه هذا التطور من الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مهدداً بمواجهة مفتوحة من لبنان تحديداً، أن المعطيات التي ظهرت من خلال الاتصالات والتحركات الديبلوماسية السريعة التي أجريت أمس أبرزت تناقضاً واسعاً بين التقديرات التي يمكن ان تتجه عبرها التطورات.
فمن جهة لا تزال احتمالات التصعيد قائمة في ظل مضي اسرائيل في استهداف مواقع في لبنان ضمن بنك أهدافها الاقليمي المتسع أخيراً من سوريا الى العراق فلبنان وكان آخر اعتداءاتها فجر أمس على المواقع الفلسطينية في قوسايا بالبقاع الاوسط، كما ان الوضع المشدود على الحدود الجنوبية وفي الاجواء اللبنانية لا يزال يحمل سحب الاخطار والاحتمالات التفجيرية في أي لحظة. وفي المقابل، ثمة معطيات ديبلوماسية دولية واقليمية برزت في الساعات الاخيرة عن احتمالات تبريد المواجهة الاميركية – الايرانية في المنطقة من شأنها ان تقلل احتمالات التصعيد أو تبقيه ضمن اطر محدودة بما يبرر اندفاع الجهود الديبلوماسية اللبنانية في الساعات الاخيرة نحو الحصول على ادانة من مجلس الامن للخرق الاسرائيلي للضاحية ووقف الاستهدافات الاسرائيلية المماثلة تجنباً لتدهور أوسع وأشد خطورة.
ومع ذلك، فان وتيرة المواقف الرسمية اختلفت في التعبير عن اتجاهات الدولة كلاً من المجريات الاخيرة. وظهر ذلك خصوصا في موقف لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ذهب فيه الى حدّ اعتبار ما جرى اعلان حرب اسرائيلية على لبنان تبيح له الرد بمختلف الوسائل. ورأت مصادر معنية أن موقف الرئيس عون قد يكون نابعاً من رغبته في احتواء أي تدهور، ولذا تجاوز بعض ما اعلنه نصرالله نفسه من منطلق الضغط على الامم المتحدة والدول النافذة لحضها على لجم اسرائيل في مقابل وقف أي تصعيد من جانب “حزب الله”.
وقد أبلغ الرئيس عون الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش ان “لبنان الذي تقدم بشكوى الى مجلس الامن رداً على العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية من بيروت، يحتفظ بحقه في الدفاع عن نفسه لان ما حصل هو بمثابة إعلان حرب يتيح لنا اللجوء الى حقنا في الدفاع عن سيادتنا واستقلالنا وسلامة أراضينا”. وأضاف: ”سبق لي أن كررت امامكم ان لبنان لن يطلق طلقة واحدة من الحدود ما لم يكن ذلك في معرض الدفاع عن النفس، وما حصل أمس يتيح لنا ممارسة هذا الحق”. وأعرب عن “خشيته أن تؤدي اعتداءات إسرائيل الى تدهور في الأوضاع، خصوصاً اذا ما تكررت ووضعت لبنان في موقع الدفاع عن سيادته، اذ لا نقبل ان يهددنا احد بأي طريقة، علما اننا شعب يسعى الى السلام وليس الى الحرب”.
الحريري والسفراء
في غضون ذلك، أبلغ رئيس الوزراء سعد الحريري سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن أنه دعاهم إلى الاجتماع “نظراً الى خطورة الموقف، بعد قيام إسرائيل بخرق واضح للسيادة اللبنانية وللقرار 1701، واستهدافها منطقة مدنية مأهولة، دون أي اعتبار للقانون الدولي أو أرواح المدنيين”. وقال: “إن الحكومة اللبنانية ترى أنه من المصلحة تفادي أي انزلاق للوضع نحو تصعيد خطير، ولكن هذا يحتاج إلى إثبات المجتمع الدولي رفضه لهذا الخرق الفاضح لسيادتنا وللقرار 1701?. وقال الرئيس الحريري للسفراء إن لبنان سيقدم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن في شأن ما حصل، و”من المهم جداً أن تحافظ دولكم على التوافق الموجود بينكم للحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة، لأن أي تصعيد قد يتطور إلى دورة عنف إقليمية لا يمكن أحداً التنبؤ بالمدى الذي ستبلغه”.
وشدّد على أنه “يجب تحميل إسرائيل المسؤولية عن خروقاتها المتواصلة للقرار 1701 منذ العام 2006، وكذلك يجب أن تُحمّل مسؤولية الاعتداء الفاضح على ضاحية بيروت، مع علمها المسبق بأن من شأن ذلك تهديد التوازن القائم والذي حافظ على أمن الحدود الدولية منذ 13 عاماً”.
وختم الرئيس الحريري بأن المجلس الأعلى للدفاع سيعقد اجتماعاً بعد ظهر اليوم لمناقشة تطورات الوضع ككل، متمنياً على الحضور البقاء على تواصل مستمر لمتابعة مجريات الأمور.
يشار الى ان الرئيسين عون والحريري اتفقا على عقد اجتماع المجلس الاعلى في الخامسة عصر اليوم في قصر بيت الدين.
وأبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري ارتياحه الى مجموع المواقف اللبنانية التي صدرت في الرد والتعليق على الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية قائلاً “يمكن التعويل إيجابا على مثل هذه المواقف الوطنية والمعبرة”.
واعتبر أن “إسرائيل كانت تعمل على تنفيذ عملية اغتيال في الضاحية” من غير أن يكشف اسم الشخصية المستهدفة.
وكان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان قد بحث مع بري في الاعتداء الأخير على الضاحية. واستوضح رئيس المجلس اذا كان “حزب الله” سيرد على هذه العملية. ولم يجب بري عن هذا الاستيضاح وقال: “هل يمكن صدور موقف من مجلس الأمن يدين هذا الاعتداء الصريح والخارق للسيادة اللبنانية”.
ودعت الامم المتحدة أمس “كل الاطراف الى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس” بعد هجوم بطائرات من دون طيار على معقل لـ”حزب الله” في جنوب بيروت، نسبت مسؤوليته الى اسرائيل. وصرح الناطق ستيفان دوجاريك بأن الأمم المتحدة غير قادرة على تأكيد التقارير عن الحادث، وهو الأحدث في سلسلة الهجمات التي تم الإبلاغ عنها في المنطقة في الأيام الأخيرة.
وأضاف أن “الأمم المتحدة تدعو الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس في التحرك والخطابات. من الضروري للجميع تجنب التصعيد والتزام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
وأوضح ان الأمم المتحدة “أخذت علما” بتصريحات رئيس الجمهورية اللبنانية الذي ندد بالهجوم باعتباره “إعلان حرب”.
وأشار دوجاريك الى أن الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس تلقى أيضاً رسالة من الحكومة اللبنانية في هذا الموضوع.
الحدود
اما على الصعيد الميداني، فرصدت أمس حركة مستمرة لطائرات استطلاع اسرائيلية في اجواء النبطية وقرى اقليم التفاح وقضاء مرجعيون كما في اجواء مدينة بعلبك وضواحيها. أما على الحدود الجنوبية، فاختفت تقريباً حركة الدوريات الاسرائيلية الراجلة والمؤللة، فيما تمركز الجنود الاسرائيليون داخل مواقعهم المحصنة على طول الخط الازرق. وفي المقابل، قام الجيش اللبناني والقوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان “اليونيفيل” بدورياتهما المشتركة كالمعتاد.
وأمس شيّع “حزب الله” في مأتم حاشد في الضاحية الجنوبية ياسر ضاهر وحسن زبيب اللذين قتلا في غارة اسرائيلية في سوريا.
على صعيد آخر، وبالنسبة الى الطاولة الاقتصادية التي ستعقد في قصر بعبدا في 2 أيلول المقبل، علمت” النهار” أن اتصالا في شأنها جرى بين الرئيس بري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من دون حسم مشاركة الاخير أو تكليفه أحد نواب تكتله “الجمهورية القوية” تمثيله في اللقاء. ومن المقرر أن يشارك رؤساء الكتل النيابية في هذه الطاولة. وسيمثل نواب “اللقاء التشاوري” النائب جهاد الصمد.
المصدر: النهار