الخميس 29 آب 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
على رغم المحاولات الحثيثة البارزة التي يبذلها المسؤولون الرسميون لاظهار البلاد كأنها استعادت مسيرة الدورة اليومية عقب حالة الانشداد الى التداعيات المحتملة لاختراق طائرتين مسيرتين اسرائيليتين (درون) الضاحية الجنوبية في نهاية الاسبوع الماضي، بدا مجمل الوضع الداخلي رازحا تحت وطأة ترقب ثقيل وقلق مكتوم برزت معالمه مع استمرار الاستنفار الواسع للجهود الديبلوماسية في سعي الى منع حصول تصعيد عسكري واسع من جهة وظهور انعكاسات مالية سلبية على السندات اللبنانية في الخارج من جهة اخرى.
وفيما يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية اليوم في قصر بيت الدين، كما تستمر التحضيرات لعقد الاجتماع النيابي الحزبي الموسع الاثنين المقبل في قصر بعبدا للبحث في الاوضاع الاقتصادية والمالية، لن تحجب هذه الحركة الرسمية تصاعد المخاوف والقلق من تداعيات التطورات الجارية منذ عملية الضاحية وما يواكب اليوميات اللبنانية من سيناريوات لرد “حزب الله” عليها في أي لحظة وفي أي مكان محتمل داخل لبنان أو على الحدود الجنوبية أو ضمن الاراضي الفلسطينية المحتلة.
وهو الامر الذي يطبع المشهد الداخلي بطابع عد عكسي مشدود نحو الرد المحتمل. لكن معظم المعطيات المتوافرة لدى المسؤولين والقوى الداخلية تكاد تتشابه لجهة ترجيح ان يكون “حزب الله” متريثا في الرد لاحكام اختيار هدفه بما يشكل رسالة موازية للخرق الاسرائيلي الذي تعرضت له الضاحية ومعها قواعد الاشتباك القائمة منذ عام 2006، وفي الوقت نفسه لتجنب تفجير حرب أو مواجهة واسعة جراء الرد المحتمل.
اما الموقف الرسمي الداعم لحق الرد على اسرائيل كما جاء عبر بيان مجلس الدفاع الاعلى في اجتماعه الاخير في بيت الدين والذي كان أثار التباساً حول الجهة التي يعنيها بالرد، فاتخذ بعداً جديداً مساء أمس مع تطور حصل على نقطة العديسة الحدودية على الخط الازرق، اذ اطلق موقع الجيش المتمركز في هذه المنطقة النار على ثلاث طائرات استطلاع اسرائيلية مسيرة من دون طيار عاكساً قرارات حازمة بالتصدي لهذه الاختراقات.
وأعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه “أنّ طائرة استطلاع تابعة للعدو الإسرائيلي مسيّرة آتية من الأراضي الفلسطينية المحتلّة، خرقت الأجواء اللبنانية عند الساعة 19,35 وحلّقت فوق أحد مراكز الجيش في منطقة العديسة.
وقد تصدّى لها الجيش وأطلق النيران في اتجاهها ما اضطرّها للعودة من حيث اتت.
كما قامت طائرة استطلاع ثانية بالتحليق فوق منطقة كفركلا لبعض الوقت وما لبثت أن غادرت الأجواء اللبنانية باتجاه الأراضي المحتلّة.
كذلك، حلقت طائرة ثالثة فوق المركز نفسه واطلقنا النار مجددا في اتجاهها فعادت ادراجها”.
وكان الناطق الرسمي باسم القوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان “اليونيفيل” اندريا تيننتي، صرح بأن “اليونيفيل تتابع عن كثب التطورات في لبنان وفي المنطقة كلاً. وفي هذا السياق، من المهم جداً ضمان الأمن والاستقرار على طول الخط الأزرق، حيث تعمل اليونيفيل بنشاط مع الأطراف وعلى الأرض لتحقيق هذه الغاية “.
وقال “إن جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل، جنباً الى جنب مع القوات المسلحة اللبنانية، يحافظون على وجود عملاني مستمر على طول الخط الأزرق ليل نهار، وان رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام الجنرال ستيفانو دل كول على تواصل تام مع الأطراف، لمنع أي سوء فهم أو حوادث قد تعرّض وقف الأعمال العدائية للخطر. كما يواصل حض الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، عملا وقولا”.
الحمى الديبلوماسية
وعلمت “النهار” ان الساعات الاخيرة سجلت ذروة غير مسبوقة للاتصالات الديبلوماسية بين جهات لبنانية ولا سيما منها رئيس الوزراء سعد الحريري وممثلي الدول العربية والغربية في لبنان كما في اتصالات مباشرة مع العديد من العواصم، وان حصيلة هذه الاتصالات تتركز على تقديم الضمانات الدولية والاقليمية لممارسة الضغوط القوية والحاسمة على اسرائيل وتحميلها تبعة التدهور الخطير الذي حصل والسعي في المقابل الى تجنب أي رد من “حزب الله” من شأنه ان يصعد التوتر، علماً أن أكثر من دولة غربية ابلغت لبنان تحذيرات من مغبة اساءة تقدير الرد الاسرائيلي المحتمل على رد “حزب الله”.
وكان الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام ل”حزب الله” صرح في مقابلة تلفزيونية: “أستبعد أن تكون الأجواء أجواء حرب. الأجواء هي أجواء رد على اعتداء… وكل الأمور تتقرر في حينها”. ولم يدل بتفاصيل في معرض رده على سؤال عن مصدر أو هدف الطائرتين أثناء حديثه الى القناة العربية لشبكة “آر. تي” الروسية. لكنه أفاد أن “حزب الله اعتبر الواقعة هجوماً يتعين الرد عليه كي لا تصنع إسرائيل معادلات جديدة تفرضها بحساباتها ويبقى الأمر كما كان عليه”. واضاف: “نريد أن تكون أي ضربة مفاجئة… لا مصلحة في أن نغوص في التفاصيل”. وأشار الى أن الأيام المقبلة ستكشف ذلك.
ونسبت “رويترز” الى مسؤول أمني إقليمي أن حادث الطائرتين المسيرتين كان “غارة وجهت ضربة الى قدرات حزب الله في مجال تصنيع الصواريخ الدقيقة”.
وقال: “كانت رسالة إسرائيل إلى حزب الله هنا كبيرة وهي: استمروا في التصنيع وسنستمر في ضربكم”.
وسئل عما سيحصل إذا عمد “حزب الله” إلى التصعيد بعد الرد، فأجاب المسؤول: “أتصور أن إسرائيل ستصعد بعد ذلك ضرباتها وستقضي على هذه القدرة تماما. تفاصيل هذه المواقع معروفة. الكرة الآن في ملعب حزب الله”.
في غضون ذلك، واصل الرئيس الحريري تحركه الديبلوماسي فالتقى أمس سفراء الدول العربية وقال باسمهم عميد السلك الديبلوماسي العربي سفير الكويت عبد العال القناعي:”أكدنا كدول عربية وقوفنا وتأييدنا وحرصنا على امن واستقرار لبنان وما يتخذه من إجراءات او سياسات كفيلة بالحفاظ على أمنه واستقراره وسلامة أراضيه، فالاستقرار في هذا البلد هو مطلب وحرص عربي بأن يكون لبنان بمنأى عن كل ما يهدد أمنه واستقراره”.
وفي موقف لافت، اعرب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش عن “خشيته تراخي الدولة اللبنانية في امساكها بسيادتها” وذلك خلال إستكمال جولته على المسؤولين،اذ التقى امس وزير الخارجية جبران باسيل وعرض معه التطورات الاخيرة.وطالب باسيل الامم المتحدة بـ”إدانة هذه الاعتداءات وأخذها في الاعتبار عند التجديد مهمة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان”، مؤكدا”التزام لبنان قرار مجلس الأمن الرقم 1701″.
العماد عون
وتزامنت هذه التطورات مع اجواء الذكرى السنوية الثانية لمعركة “فجر الجرود”، وفي هذا الاطار زار قائد الجيش العماد جوزف عون منطقة وادي الدب في جرود بلدة عرسال، حيث وضع إكليلاً من الزهر على النصب التذكاري للعسكريين الشهداء الذين خطفوا على أيدي المنظمات الإرهابية العام 2014، وأضاء شعلة لتخليد ذكراهم وتضحياتهم. وتوجه العماد عون عسكريي الوحدات المنتشرة في المنطقة بكلمة جاء فيها: “هذا النصب هو رسالة للأجيال القادمة من عسكريين ومدنيين لتشهد على غدر الإرهاب. فوجودنا هو رسالة لكل إرهابي بأننا لن ننسى شهداءنا، وإنه سيدفع ثمن غدره”. وأضاف: “ما قام به الجيش في هذه الجرود هو إنجاز يسجل لكل لبنان وسنكمل الطريق مهما طالت، فالجيوش تبنى للدفاع عن أرضها وشعبها مهما بلغت التضحيات”.
“التدابير الصعبة”… وتعيينات
الى ذلك، اطلق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مؤشرات جديدة حيال اجراءات اقتصادية قاسية قد تتخذ قريباً. وقال أمام وفود زارته امس: “سنعتمد خلال الأيام المقبلة خطاً تصحيحياً لتعزيز الاقتصاد، وقد نشهد تدابير صعبة ولكنها ضرورية. فالمريض قد لا يعجبه طعم الدواء ولكن يجب ان يتناوله كي يشفى”. وشدد على ان “الوقت الذي نملكه ضيق من اجل المعالجة وسنتخطى الازمة، انما يجب أن يؤخذ في الاعتبار ان هذه المعالجة تأخذ بعض الوقت، لكننا سنرسي أسس الحل، وهذه هي حقيقة الأمور، ولا نعمد الى اخفائها عن الناس كما كان يحصل سابقاً”.
واضاف: “وجهنا الدعوة الى رؤساء الاحزاب اللبنانية للبحث في الازمة الاقتصادية، لأننا نعتبرها ازمة وطنية ولا يجب الوقوف عند الأسباب فقط على رغم انها مهمة، انما يجب ان نأخذ الإجراءات لنتحمل مسؤوليتنا، وهو امر صعب بالفعل، انما لا بد منه لنتمكن من الخروج من الازمة، مع التشديد على أهمية عدم الاستماع الى الشائعات التي تنقل الازمة من واقع الى آخر وتؤدي الى الهلع والبلبلة”.
وعلمت “النهار” مساء أمس أن تعيينات في وزارة العدل ستطرح في جلسة مجلس الوزراء اليوم في قصر بيت الدين وسيكون أبرزها تعيين القاضي غسان عويدات مدعياً عاماً تمييزياً والقاضية في مجلس شورى الدولة ريتا كرم رئيسة للمجلس، كما سيعين مدير عام جديد لوزارة العدل ورئيس جديد لهيئة التشريع والاستشارات.
المصدر: النهار