الرئيسية / محليات / علي الخطيب دعا الى تنفيذ ما تبقى من اتفاق الطائف: كل تأخير في تأليف الحكومة يلحق الضرر بالوطن وشعبه

علي الخطيب دعا الى تنفيذ ما تبقى من اتفاق الطائف: كل تأخير في تأليف الحكومة يلحق الضرر بالوطن وشعبه

مجلة وفاء wafaamagazine

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة جماعة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة، استهلها بآيتين من القرآن الكريم: “بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين نحمده و نستعينه و نستهديه و نتوب اليه و نصلي و نسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا و نبينا محمد و على آله الائمة المعصومين الهداة الميامين الذين منّ الله علينا بولايتهم و هدانا الى اتباعهم، الذين هم سفينة النجاة من تمسك بها نجا و من تخلف عنها غرق و هوى، و نسأل الله الثبات على نهجهم اللهم ثبتنا على دينك ما أحييتنا و لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار).
قال الله تعالى في كتابه العزيز أعوذ بالله من الشيطان الرجيم “لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” و قال تعالى “ذلك بأن الله لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ان الله سميع عليم” صدق الله العلي العظيم”.

وقال الشيخ الخطيب:”والظاهر أن الآيتين تتحدثان عن موضوع واحد و هو سبب انقلاب أحوال الأقوام وتغييرها من الحال الحسن وحال النعم الى سوء الحال وسلب هذه النعم، وأن الأساس هو الانعام على الناس من الله سبحانه و تعالى، فهم لم يكونوا فأوجدهم بعد العدم وأعطاهم من النعم التي يحتاجونها في هذه الحياة بلا حدود و بما لا يمكنهم احصاؤه و عده “و ان تعدوا نعمة الله لا تحصوها” ما تستقر به حياتهم و هداهم بالفطرة الى الاستفادة منها ما يجعل من هذه الحياة واحة لاستقرارهم و مهدا لسعادتهم وقدر سبحانه لها الدوام والاستمرار مشروطة بارادتهم و فعلهم فلا يسلبها منهم طالما حافظوا على سلامة فطرتهم و لم يخرجوا عما تقتضيه من الصلاح والاستقامة والشكر للمنعم وما لم يفسدوها بالاثرة والانانية والمعصية والتمرد والعدوان والكفران فبالشكر تدوم النعم.

واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد” و قال تعالى ” ولو ان اهل القرى أمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون.
و هنا يقرر الله تعالى قانونا اجتماعيا لا يتخلف وهو ان دوام النعم واستمرارها من عدمه مشروطان بأمرين من اختيار الناس وانهم هم الذين يقررونها بفعلهم الاول: هو الايمان وقد قلنا في الاسبوع الماضي انه عبارة عن المعرفة و الاعتقاد بالله وانه مصدر هذه النعم، والثاني التقوى وهو العمل بمقتضى هذا الايمان والاستقامة والتزام الحدود التي حددها الله سبحانه و تعالى، فاستمرار النعم هو استمرار الاستقرار والأمن والعافية ودوامها، فمع غياب هذين الشرطين الذي يساوق كما في الآية الاخيرة التكذيب “و لكن كذبوا” فالنتيجة هي سلب هذه النعم و ذهاب الامن و الاستقرار و تحكم الغرائز والانانية والأهواء التي تدفع الى الظلم والعدوان والتسلط والفوضى.

ان هذه الآيات لا تتحدث عن التغيير لدى الافراد بل عن قانون اجتماعي عام لدى الاجتماع الانساني وان كان هذا يستدعي الايمان والتقوى او التكذيب والتمرد من غالبية الأفراد في المجتمع، فالمجتمع عبارة عن مجموعة من الافراد.فالايمان والتقوى هنا هو عمل جماعي ايضا كما الشكر الذي يستدعي مواجهة الانحراف والتكذيب الذي يعني الخروج عن نهج الحق. وان قيام الامة او الجماعة بوظيفتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شكر لهذه النعم و سبب لحفظها ودوامها، وتقصيرها في ذلك تمرد منها على ارادة الله سبحانه و تكذيب لهذا الوعد الالهي ومخالفة لهذا القانون الاجتماعي الذي سيودي بهذه الاقوام و الامم الى العذاب الموعود، فعن نبينا و سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه و آله انه قال:” لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر، فاذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الارض و لا في السماء”.

ان هذا ايها الاخوة لم يكن أمرا تنظيريا فلسفيا، ولكنه أمر مرت له نظائر في تاريخ الامم حكى القرآن الكريم عنها وقصها على نحو الاعتبار لنتعلم منها ولا نقع في نفس التجربة لما لها من نتائج قاسية و لما فيها من آلام وعذابات للانسانية اراد الله تعالى ان يرشدنا الى التزام الطريق الذي يأخذ بأيدينا الى السلام والنجاة. وقد عشنا في هذا العصر تجارب للامم وشهدنا مآلاتها الكارثية على هذه الارض كانت مصداقا لوعده تعالى لنا.

أضاف الخطيب:”لقد استطاعت الحضارة الحديثة ان تقدم نموذجا هائلا للتقدم الصناعي والزراعي والتنظيمي والتكنولوجي في فترة وجيزة، الا ان هذا التقدم لما كان خاليا من البعد الايماني لم يؤد الى الامن والاستقرار بل اضحى نموذجا للتسابق على الحصول على اكثر الاسلحة فتكا ليضمن لمريديه الاستيلاء والسيطرة فجعل من العالم كله ساحة للصراع الرهيب، فقد خيضت في خلال قرن واحد حربان عالميتان جرت فيما بينها حروب على نطاق اصغر ادت الى مآس كبرى ما زالت الامم تتجرعها الى اليوم وذهب ضحيتها الملايين من الناس لانها كانت و لا تزال حضارة خالية من الروح الايمانية الانسانية مملوءة بالروح الحيوانية الكاسرة. و كانت امتنا احدى ضحايا هذه الصراعات لهذه الوحوش التي مزقتها واخذت بها الى واد سحيق من التخلف فخسرت بذلك امتنا امنها واستقرارها وأصبحت اسيرة بكل وجودها الى تلك القوى، فهي قد تخلت عن شروط الحياة التي بها سادت العالم وأخذت بقياده حينما التزمت بها “كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر”. لقد فقدت الامة مميزاتها عندما تخلت عن الايمان و التقوى كأمة و ليس كأفراد، فما زال هنالك الكثير من الافراد المؤمنين و لكنها تخلفت عن ان تكون امة لها اهدافها التي تعمل لاجلها. قد تكون امة، لكن اهدافها اختلفت عن تلك التي كانت عقيدتها من أجلها عقيدة الايمان والحق والعدل و اخراج الناس من ظلمات الجهل الى نور العلم والمعرفة واصبحت مشغوفة بانجازات الحضارة المادية فلا هي حققت لنفسها حضورا في هذا العالم ولا هي اعادت تكوين نفسها لتعطي نمطا آخر لتأخذ بأيدي الناس نحو الافضل”.

وتابع :”ما من شك، ان هناك اقرارا بهذا الواقع المأسوي الذي تعيشه امتنا وبلادنا اليوم، فالتخلف يحيط بنا من كل جانب سواء على صعيد الانظمة التي تحكم بلادنا والذي يعكس تخلفا على كل صعيد من نظام التعليم الى النظام الاقتصادي وعدم تمكننا من الاستفادة من خيرات بلادنا وضياعها و استيلاء الغرب عليها الى ضياع فلسطين وتشرد شعبها و حتى الى ان يصبح بعضنا اداة بيد العدو في تخريب بلداننا واثارة الفتن في ما بيننا حتى أصبحنا في معرض الضياع.

ان الازمات التي يعانيها اللبنانيون لا تختلف عن هذا الواقع المزري لهذه الامة، فاللبناني يفتقد الى الادارة السياسية الواعية التي يفترض فيها ان تكون على قدر المسؤولية في بناء الدولة، دولة المؤسسات ذات الاهداف التي من شأنها لم شمل اللبنانيين ليعملوا على تحقيقها.و بدلا عن ذلك تركت لغيرها ان يقرر مصيرها وان يحفر في شعورها الداخلي انها مجموعات لا تأتلف و لا تلتقي و لا تجتمع على هدف واحد. وغاية الامر انها مجموعات اضطرتها الظروف كونها مجموعة اقليات مضطهدة لأن تتساكن فكل واحدة تنظر الى الاخرى بعين الريبة والخوف فنتباين حتى في النظرة الى مفهوم الوطن بل في من هو العدو و الصديق ومن هو المقاوم ومن هو العميل”.

وقال الخطيب: هذا هو اساس الفساد في هذا البلد. فالمرض العضال هو اننا سلمنا باننا اقوام لا يجمع بيننا جامع وتركنا للآخرين ان يحددوا لنا المصير الدائم وهو أن لا لقاء بيننا، و ما لم يع اللبنانيون ما هو سر الخراب الدائم وانه الفساد الذي يحكم واقعنا فلن نصل الى بر الامان.

من هنا، يجب البدء بالمعالجة و يؤسفني ان اللبنانيين رغم كل التجارب المرة الماضية ما زالوا يكررونها ولم يتعلموا حقيقة الاستفادة منها وايجاد الحلول الملائمة لهذه المشكلة بل على العكس من ذلك يدفع البعض الى تعميقها و تأكيدها ويذهب البعض الآخر الى حلول مستحيلة و يحمل الدين اسبابها فيخلط عن خبث او جهل بين الطائفية و الدين الذي يؤدي في النتيجة الى تعميق الشرخ بين اللبنانيين وجعل الحل اكثر صعوبة”.

أضاف:”ان المشكلة ليست في السياسيين او في السلطة او في بعض الاحزاب فقط، فهؤلاء نتاج هذا المجتمع ولن يكون هنالك حل ما لم يخرج اللبنانيون من سجونهم الطائفية وان يعوا جميعا الفرق بين الدين والطائفية، فالدين دعوة الى الحب والسلام والتعاون على البر والتقوى و كل ما فيه منفعة الناس وكل دعوة الى التفرقة الطائفية هي دعوة جاهلية و عصبية يرفضها الدين كما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم “ليس منا من دعا الى عصبية”.

فليكن لبنان النموذج والرسالة للعالم في الاصلاح ووحدة المجتمع والخروج من كهوف المذهبية والطائفية للعالم.ان اللبنانيين جديرون بما يتمتعون به من ميزات ان يقوموا بهذه المهمة و يعطوا للعالم هذا المثال الحضاري كما استطاعوا بقدراتهم المتواضعة ان يصنعوا اعظم ملحمة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي من مقاومة استطاعت ان تقف في وجه اعتى الجيوش و من ورائها العالم بأحدث الاسلحة”.

ان اللبنانيين الذين قدموا هذه الصورة الرائعة والتي تعبر عن عنفوانهم وحبهم لارضهم و تمسكهم بكل حبة تراب من ارضه الطاهرة وشعورهم بكرامتهم لجديرون بأن يخرجوا بلدهم من هذه الازمات التي يسهل ايجاد الحل لها متى ما استطاعوا ان يوحدوا صفوفهم واهدافهم ويبنوا نظامهم على اساس المواطنة و لن يكون الدين الا سندآ لهم يؤازر جهودهم. ان الدين الذي يفرق بين الناس ليس الا دينا مدعى من صناعة الشياطين و ليس من عند الله الرحمن الرحيم.

ان الثورة الحقيقية هي الخروج على اولئك الذين يصنعون من انفسهم آلهة وأصناما لا قلوب لها ولا رحمة ليضلوا الناس عن الاله الحقيقي الذي لا شريك له،الذي كرم بني آدم وسخر لهم كل ما في هذا الكون”.

وأردف الخطيب:”وبالحديث عن اوضاعنا الداخلية حيث تتراكم الازمات على كواهل اللبنانيين لتزيد من معاناتهم مع التفشي الكبير لجائحة كورونا ما ينذر بكارثة كبرى، فاننا نجدد الدعوة الى التشدد في تطبيق الارشادات والتوجيهات الطبية والالتزام التام بالقرارات الحكومية للحد من تفشي الوباء، ونطالب اللبنانيين بالحكمة والوعي والصبر وتعزيز التضامن الوطني والتكافل الاجتماعي في ما بينهم، ونشدد على ضرورة ان يتحمل السياسيون مسؤولياتهم في اخراج لبنان من النفق المظلم، ونكرر دعوتنا الى الاسراع في تشكيل حكومة انقاذية فاعلة توقف التدهور الاقتصادي والنقدي وتخفف عن المواطن ما يعانيه من ضائقة اقتصادية وتكون أولى مهماتها العمل على انجاز الاصلاحات التي تم الالتزام بها بمقتضى المبادرة الفرنسية.

ونطالب بتطبيق ما تبقى من اتفاق الطائف والاسراع بتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية وتأليف مجلس شيوخ واقرار قانون انتخابي نسبي خارج القيد الطائفي ، وعلى السياسيين ان يعوا ان كل تأخير في تأليف الحكومة يلحق الضرر بالوطن وشعبه ويزيد من تفاقم الازمات ويعمق ازمة الثقة بين السياسيين والشعب، ويكشف عن مستوى انعدام المسؤولية لدى السياسيين ويقدم المزيد من الادلة عن انانيتهم وعدم جدارتهم بتحمل المسؤولية، كما يؤكد من جديد عن سوء العقلية الطائفية والارتباط الخارجي الذي لن تكون نتائجه الا المزيد من التفسخ الداخلي والمزيد من الازمات”.


يقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) في سبب انحطاط الدول وخرابها: “وَإِنَّمَا يُؤْتَى‌ خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاةِ عَلَى الْجَمْعِ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ”

وختم الخطيب :واخيرا فان ما تقوم به الادارة الحالية للولايات المتحدة الاميركية من سياسة العقوبات في حق شعوبنا وفي حق اللبنانيين والحصار الجائر لن يحقق سوى المزيد من اصرارنا على التمسك بحقوقنا ومقاومتنا، وهو ما نعتبره تدخلا سافرا في شؤوننا الداخلية، وهو ما نؤكد رفضه جملة وتفصيلا”.

عن H.A