مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام الحسن العسكري الذي مرت علينا ذكرى ولادته قبل أيام، حتى قال: “إنكم في آجال منقوصة، وأيام معدودة، والموت يأتي بغتة، من يزرع خيرا يحصد غبطة، ومن يزرع شرا يحصد ندامة، لكل زارع ما زرع. أيها الناس، أورع الناس من وقف عند الشبهة، أعبد الناس من أقام على الفرائض، أزهد الناس من ترك الحرام، أشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب. إياكم والغضب فإن الغضب مفتاح كل شر، وإياكم والحقد، فإن أقل الناس راحة الحقود”. هذه هي وصايا الإمام الحسن العسكري، والتي بها نعبر عن ولائنا ونكون أكثر وعيا وقدرة على مواجهة التحديات”.
وقال: “البداية من لبنان الذي لا يزال اللبنانيون فيه ينتظرون وبفارغ الصبر تأليف حكومة قادرة على إنقاذ هذا البلد وإخراجه من حال التردي والانهيار الذي جعلته من البلاد التي تصنف عالميا بأنها من البلاد الأكثر فقرا، فيما لا تزال القوى السياسية المعنية بتأليف الحكومة تتعامل مع هذا الاستحقاق وكأن البلد بألف خير والناس يستطيعون الانتظار طويلا، ليبقى هذا التأليف رهينة تجاذبات هذه القوى والشروط والشروط المضادة، وبانتظار تغيرات قد تحدث في الخارج تعزز موقع هذا الفريق أو ذاك. ونحن في ذلك لا نهون من ضغوط الخارج على صعيد التأليف والذي بات الحديث عنه في العلن. ولكننا دائما نؤكد أن اللبنانيين قادرون على تجاوز هذه الضغوط بوحدتهم، وندعو القوى السياسية أن لا تستكين لهذه الضغوط وأن يكون هاجسها الدائم مصلحة البلد وأن تقدم التضحيات لأجله”.
وتابع: “في هذا الوقت، تعود إلى الواجهة مسألة التدقيق الجنائي بعد انسحاب الشركة المكلفة بهذا التدقيق وبعد الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي للقيام بدوره على هذا الصعيد. ونحن في هذا المجال، ندعو النواب والكتل النيابية للارتفاع إلى مستوى مسؤوليتهم النيابية تجاه من أودعوهم مواقعهم والقيام بالدور المطلوب منهم، لدفع عملية التدقيق هذه وإزالة كل العقبات التي اعترضته وقد تعترضه، وعدم تكبيله بشروط تجعله غير قادر على تحقيق الهدف المنشود منه في معرفة أين ذهبت أموال المودعين، وكشف مكامن الفساد والمفسدين فيها المنتشرين في مرافق ومؤسسات الدولة”.
ورأى ان “المجلس النيابي يقف اليوم أمام الامتحان، وعليه أن يثبت أنه أمين على ما اؤتمن عليه ولا يضيع التدقيق، في دهاليز المناكفات والصراعات والمصالح الخاصة، والذي يمكن من خلاله استعادة الثقة به وثقة العالم، بأن هذا البلد قد بدأ فعلا المواجهة مع الفساد والمفسدين”.
وقال: “نبقى على صعيد قانون الانتخاب المطروح، فإننا نرى أهمية العمل على استصدار قانون انتخابي عصري يؤمن التمثيل الصحيح للبنانيين، ويعالج الثغرات التي ظهرت في القانون الانتخابي الذي أجريت على أساسه الانتخابات الماضية والتي أشار إليه الجميع. لكننا نبقى نؤكد على ضرورة أن لا يكون هذا الطرح سببا في انقسام اللبنانيين وإثارة هواجسهم الطائفية والمذهبية، وخلق مناخات توتر جديدة في هذا البلد، في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى الوحدة لمواجهة التحديات التي تعترضهم”.
وتابع: “على صعيد فاجعة المرفأ، لا يزال اللبنانيون ولا سيما أهالي الضحايا ينتظرون جلاء التحقيق عن هذا الأمر، حيث لم يتبين من هم المسؤولون الحقيقيون عما حصل لهذا المرفق الحيوي ولكل الضحايا والجرحى. وهنا نأمل من القضاء أن يقوم بالدور المطلوب منه، فلا يتهرب من المسؤولية لا هو ولا مجلس النواب، بحيث يشمل التحقيق كل من تعاقبوا على من تحملوا المسؤولية مهما علت مواقعهم، ولا بد من إزالة أي عقبات تعترض هذا التحقيق، لتظهر العدالة التي ينتظرها اللبنانيون ولا سيما أهل الضحايا حتى لا تتكرر المأساة”.
وتوقف عند “قضية إنسانية، تتعلق بالاكتظاظ الموجود في السجون والذي لا بد للدولة أن تقوم بدورها في تأمين كل السبل التي تضمن لهؤلاء المساجين حقوقهم وللقضاء أن يسرع في استصدار الأحكام التي تضمن التخفيف منه. ويبقى الأساس هو العمل الدؤوب من أجل إزالة الأسباب التي تؤدي للوصول السجن”.
وختم: “أخيرا إننا أمام هذا السقوط العربي المستمر في مستنقع التطبيع مع العدو، نستغرب هذه الهرولة نحو عدو لا يزال يحتل أرضا عربية وإسلامية ويشرد أهلها ولا يريد عودتهم، وهو لم يبد أي استعداد للتخلي عن مشروعه الاستيطاني التهويدي. إننا نرى في ما يجري إساءة للقيم الدينية والإنسانية والقومية، التي لا يمكن أن تقبل بظلم شعب والإساءة إلى المقدسات. ونحن في الوقت نفسه على ثقة أن الشعوب العربية والإسلامية وكل أحرار العالم، ستبقى إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه كاملة، ولن تسمح بتمرير هذه الحلقة الجديدة من حلقات التحرر من القضية الفلسطينية ومحاولة تصفيتها”.