الأخبار
الرئيسية / سياسة / الحكومة ضائعة بين”مسودتين”.. والسفراء يحذّرون.. وباريس: آخر الاوراق!

الحكومة ضائعة بين”مسودتين”.. والسفراء يحذّرون.. وباريس: آخر الاوراق!

مجلة وفاء wafaamagazine

هل صارت ولادة الحكومة وشيكة؟ سؤال تصدّر المشهد الداخلي امس، لكن من الصعب تحديد الإجابة الدقيقة عليه، في ظلّ الجوّ الملبّد الذي يحكم طبخة التأليف منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة في 22 تشرين الاول الماضي، والتي تداخلت فيها المطالب بالشروط وبالمزاجية وبالكيديّات، وبكلّ أسباب وعوامل التعطيل والنفور السياسي الشخصي.

عملياً، دخل تأليف الحكومة فترة جديدة من الانتظار، غير محدّدة بسقف زمني، ومرهونة بانتهاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف من دراسة «مسودّتين» لهذه الحكومة تبادلاها في لقائهما في القصر الجمهوري امس.

تساؤلات ما انتهى اليه الرئيسان عون والحريري، يكشف من جهة انّ المسعى الفرنسي الذي حضر بفعالية وزخم خلال الساعات الاخيرة لم يحقق الغاية المرجوة منه، وهذا يفتح على تساؤلات، اولاً، حول الجهة التي تصرّ على احباط الجهود الفرنسية، وثانياً، حول ما اوجب عدم تحديد موعد اللقاء المقبل. وثالثاً، عمّا اذا كانت الايجابيات التي اشار اليها الحريري جديّة، ورابعاً، حول ما اذا كانت مسودة الحريري وطرح عون عامل تسهيل للتأليف او عامل تعطيل اضافي له، وخامساً حول ما اذا كان الرئيسان عون والحريري قد قرّر كل منهما رفع المسؤولية عنه، وإلقاء الكرة الحكومية بيد الآخر، عبر تبادل طرحين ربما يكونان متقاطعين او متناقضين، ليقرّر كل منهما ما يراه في الطرح المعروض عليه، وبالتالي يتحمّل مسؤوليّة قراره؟

ماذا جرى في اللقاء؟

الى ذلك، عرضت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، خلاصة موجزة عن اللقاء، وفيها انّ الحريري قدّم لرئيس الجمهورية مسودة من 18 وزيراً يمكن اعتبارها خلافية، حيث يدرج فيها اسماء وزراء سمّاهم بنفسه، من دون ان يراعي ما يطالب به رئيس الجمهورية، الذي يصرّ على تسمية الوزراء المسيحيين، مع انّ الاسماء المسيحية المقترحة من قِبل الحريري لا تشكّل استفزازاً لعون.

وتلفت المصادر، الى أنّ رئيس الجمهوريّة كان قد وضع في حسبانه الطرح الذي سيقدّمه الحريري، فحضّر مسبقاً طرحاً مقابلاً من موقعه كشريك في تأليف الحكومة، وانّه هو صاحب الحق في تسمية الوزراء المسيحيين تحديداً، واللافت فيه، طرح عون هو الاصرار على ان يحصل على 7 وزراء ( الثلث المعطل). وخلال النقاش اكّد عون ان لا مانع لرفع عدد وزراء الحكومة من 18 الى 20 وزيراً.

وبناءً على ما جرى في اللقاء، قالت المصادر لـ«الجمهورية»: اللقاء من حيث الشكل جيد، لكن في جوهره اكّد انّه لم تعالج الأمور العالقة، ولا يزال الامر في اطار الكلام الاعلامي المعسول، وفي الحقيقة لم تُعالج الامور كما يجب ان تُعالج، والعقدة ما زالت على حالها. وكل ما يُقال خلاف ذلك ليس واقعياً، لأنّ الحريري لم يتفق بعد مع رئيس الجمهورية على الاسماء، اذ انّ الحريري مصرّ على تسمية الوزراء المسيحيين، وهنا نقطة الخلاف الجوهرية، تُّضاف اليها عقدة الثلث المعطل الذي يطالب به عون وفريقه.

وفيما اكّدت اوساط قريبة من الرئيس الحريري انّه قدّم تشكيلة يراها الانسب لهذه المرحلة، ومنسجمة بالكامل مع مقتضيات المبادرة الفرنسية، وتتضمن مجموعة من الكفاءات التي يفترض ان تحظى بتوافق الجميع حولها، خصوصا وانّ الحكومة هي من اختصاصيين لمهمّة محدّدة.

الّا انّ الاجواء في المقابل، لم تكن مريحة، حيث نقل زوار بعبدا خلاصات تفيد بعدم ارتياح لما قدّمه الحريري، «حيث أنّ ما طرحه لا يسرّع في تشكيل الحكومة بقدر ما يؤدي الى افتعال «مشكل».

وبحسب هؤلاء الزوار، فإنّ الحريري خلال لقائه الإثنين الماضي مع رئيس الجمهورية، بدا أنّه ينحى في اتجاه تشكيل الحكومة وفقاً للدستور، أي بالشراكة ‏الكاملة مع رئيس الجمهورية، الّا انّ ما جرى في لقاء الامس، قد خالف اجواء اجتماع الاثنين، لجهة الالتزام بالشراكة في التسمية مع الرئيس وبالعدالة في توزيع الحقائب، حيث أنّه سلّم رئيس الجمهورية تشكيلة وزارية من 18 اسماً موزعة فيها الحقائب على الطوائف، واللافت أنّه سمّى ‏جميع الوزراء بمن فيهم 9 وزراء مسيحيون، ‏من دون التشاور مع الرئيس، كما سمّى بالنيابة عن «حزب الله» ‏وكذلك بالنيابة عن وليد جنبلاط» .

واذ اشار الزوار الى انّ طرح الحريري يوحي بأنّ الحكومة بعيدة المنال، وعكس هؤلاء خشية من ان تكون خلف تراجع الرئيس المكلّف عمّا وعد به يوم الاثنين، إضاعة للوقت، غياب للمنهجية، ومراوغة.

كما نقل زوار بعبدا في المقابل، أنّ الرئيس عون قدّم طرحاً متكاملاً تضمّن توزيعاً عادلاً ومتوازناً للحقائب على الطوائف، وعلى قاعدة الاختصاص. وانتهى اللقاء بالاتفاق على أن يدرس كل رئيس ما تقدّم به الآخر.

روايات

وفي موازاة القاء الحريري لما سمّاها مسودّة حكوميّة كاملة بيد رئيس الجمهوريّة، وحديثه عن إيجابيّات، يفترض ان تتبلور بصورتها النهائية من الآن وحتى اللقاء المقبل بينهما، تعدّدت الروايات في المقابل، تقول احداها بأنّ رئيس الجمهورية قدّم للحريري طرحاً متكاملاً.

فيما قالت رواية اخرى، إنّ عون لم يقدّم تشكيلة حكومية، بل تركيبة من دون اسماء لحقائب وطوائف. أما الحريري فقدّم تشكيلة كاملة متكاملة فيها اسماء لكل الحقائب والطوائف، وعد عون بدراستها وإعطاء الجواب بشأنها.

وتحدثت رواية ثالثة عن انّ الحريري ترك 4 مقاعد لرئيس الجمهورية، في وقت ذكر بيان لرئاسة الجمهورية، انّ عون اتفق مع الحريري على دراسة الاقتراحات المقدّمة ومتابعة التشاور لمعالجة الفروقات بين هذه الطروحات.

وتفيد رواية رابعة، بأنّ الحريري حمل معه ملفين الى اللقاء، يتضمن الأول التشكيلة الحكومية المقترحة بالحقائب والأسماء، وهي كاملة ومتكاملة من مختلف النواحي ومن 18 وزيراً موزعة ( 6 وزراء للثنائي الشيعي والمردة والقومي، 6 وزراء لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر والطاشناق، و5 وزراء الى جانب الحريري لتيار المستقبل وتيار العزم والحزب التقدمي الاشتراكي). والثاني يحتوي على السِيَر الذاتية للأسماء المقترحة، حيث قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ الاسماء وضعت بشكل علمي لإبراز حجم الكفاءة التي يتمتعون بها وللدلالة على ما توحي به من اختصاص، تُرجم من خلال عملية اسقاط الأسماء على الحقائب وخصوصاً المتخصصة منها. وبحسب المصادر المطلعة، فإنّ عون استمع باهتمام الى التوليفة التي حملها الحريري والشروحات التي قدّمها لكلّ حقيبة ولمواصفات الاسم المرافق لها، وجرى تبادل اسئلة وتوضيحات حول العديد منها، قبل أن يقدّم عون ملاحظاته على عملية توزيع الحقائب من دون الكشف عن تفاصيلها استناداً الى المعلومات التي قالت انّه وبالرغم من رغبة الحريري بإعادة النظر بتوزيعة الحقائب على الطوائف فإنّه لم يقترح سوى استعادة الداخلية الى حصته مقابل اعادة الطاقة الى حصة رئيس الجمهورية، علماً انّه وفي الحالتين فإنّ وزير الطاقة هو جو الصدّي، اياً كانت الجهة التي تحظى بها. وتردّد على هامش النقاش انّ التشكيلة الجديدة للحريري تمنح الخارجية للدروز، لتُضاف الى حقيبة اخرى توضعان في عهدة وزير واحد.

وبحسب هذه الرواية، فإنّ الرئيس عون قدّم تصوره لتوزيع الحقائب على الطوائف. وبدا انّ هناك فوارق تحول دون التفاهم سريعاً على تشكيل الحكومة. وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ «الجمهورية»، انّ نهاية اللقاء لم تكن مريحة كما في بدايته عندما رحّب رئيس الجمهورية بالحريري ومشيداً بالتزامه بالموعد المتفق عليه. لكنهما وبالرغم من الفوارق التي أُعطيت مهلة 48 ساعة للبت بها، اكّدا معاً انّه من الضروري التوصل الى التشكيلة العتيدة في اقرب وقت ممكن، وان امكن انجازها قبل زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 21 الجاري فإنّها ستفتح الباب واسعاً امام الدعم الخارجي الذي وعدت به فرنسا ومن خلفها الاتحاد الأوروبي الذي ينتظر هذه الخطوة، ليطلقا معاً البرامج المقررة، من اجل الاسراع بالإقلاع بالمراحل المقررة لهذه الغاية سعياً الى الخروج من مسلسل المآزق.

لا شيء محسوماً

وعلى ما يقول مواكبون لمسار التأليف، فإنّ ما انتهى اليه لقاء الأمس بين عون والحريري لا يعني أنّ ملف التأليف قد حسم وانتهى، وعدم تحديد موعد للقاء جديد مؤشّر سلبي، كما انّ الاعلان عن انّ رئيس الجمهورية سيدرس تشكيلة الحريري، يؤشّر بدوره الى وجود تحفّظات لديه. وعليه، لا بد من الانتظار حتى تنقشع الرؤية.

وتبعاً لذلك، يقول مواكبو مسار التأليف انّ هذا الملف ما زال متأرجحاً بين الايجابية والسلبية، فلكلّ لحظة فيه ملائكتها التي تصعد بملف التأليف الى مدار الإيجابية، أو شياطينها التي تعود وتهبط به نحو السلبيّة، وما بين الملائكة والشياطين يصبح تعيين موعد لولادة الحكومة مجازفة في غير مكانها، وتوقعاً فارغاً بلا أيّ معنى. وتبعاً لذلك فإنّ الإجابة الدقيقة عن هذا السؤال تتوفّر فقط في حالة وحيدة؛ أي عندما تصدر مراسيم تشكيل هذه الحكومة. وهو أمر لا يمكن الجزم فيه حتى الآن.

لقاء الرئيسين

وكان اللقاء المنتظر بين الرئيسين عون والحريري قد عقد أمس، حيث وصل الرئيس المكلّف الى القصر الجمهوري في الرابعة والنصف بعد الظهر، مُحضراً معه مغلّفين. واستمر اللقاء بينهما لنحو ساعة، قال الحريري على أثره: لقد قدمت الى رئيس الجمهورية تشكيلة حكومية كاملة من 18 وزيراً من أصحاب الإختصاص، ووعدني الرئيس عون بأنّه سيدرس التشكيلة، وسنلتقي، والجو إن شاء الله إيجابي». أضاف: «الأمل كبير بتشكيل الحكومة لإعادة إعمار بيروت، والثقة للبنانيين عبر تحقيق الاصلاحات، والاجواء إيجابية».

مسودتان

وفيما لفتت تغريدة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط التي كتب فيها: «ننتظر الدخان الابيض»، ثم عاد وسحبها بعد فترة وجيزة، كشفت مصادر مطلعة على اللقاء أنّ الرئيس المكلف سلٌم رئيس الجمهورية لائحة من 18 وزيراً مع حقائبهم، وأطلعه على السِيَر الذاتية لبعض المرشحين. فيما سلّم عون الحريري طرحاً متكاملاً في ما يتعلق بالحكومة. وحصل تبادل لوجهات النظر بينهما حول الطرحين. وأشارت المصادر الى انّ الرئيسين استعرضا بعض الاسماء، على أن يستكمل التشاور بينهما في وقت قريب. وخلصت الى القول إنّ أجواء اللقاء كانت ايجابية، وهي تعكس الرغبة من الرئيسين بالتعاون والاسراع في تشكيل الحكومة.

ما قبل اللقاء

وكانت الساعات السابقة للقاء بين الرئيسين قد أشاعَت، من خلال الحراك المكثف الذي شهدته، مناخاً أوحى وكأنّ الحكومة دخلت مرحلة المخاض النهائي، وأنّ ولادتها ستسبق نهاية الاسبوع الجاري.

وما عَزّز هذا المناخ، هو الحضور الفرنسي المباشر الذي قاد هذا الحراك، وعَكسَ، من خلال زخم الاتصالات التي شملت مختلف المستويات المعنية بتشكيل الحكومة، أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قد ضاق ذرعاً بـ«المؤلّفين» ومماطلاتهم، وكلّف مستشاره باتريك دوريل جَلبهم الى بيت طاعة المبادرة الفرنسية ليوقفوا هذا المنحى التعطيلي الذي ينتهجونه، وليتفاهموا، ولو بالإكراه، على حكومة تترجم متطلبات المبادرة وبرنامجها الإنقاذي.

وعلى ما تؤكد مصادر سياسية مطلعة على الاتصالات الفرنسية لـ«الجمهورية»، فإنّ قوة الدفع الفرنسية الجديدة للملف الحكومي، وإن كان ظاهرها محاولة كسر حلقة التعقيدات المانعة لولادة الحكومة، والوصول الى تحقيق انفراج في مسار تأليفها، يترجم في لقاء الرئيسين عون والحريري، الّا أنّها في الوقت نفسه، بقدر ما جاءت لتفضَح عَجز الطاقم المعني بالتأليف عن إتمام هذا الاستحقاق بما يتطلبه من توافق وتفاهم، انطَوَت على إدانة فرنسية متجدّدة لإساءة اللبنانيين للمبادرة الفرنسية وتعطيلهم المتعمّد لمفاعيلها وبرنامجها الانقاذي، وتجاوزهم لكلّ النصائح والتحذيرات المتتالية من المجتمع الدولي، وكذلك النداءات التي أطلقها الرئيس ماكرون، وآخرها في رسالته الى رئيس الجمهورية».

وبحسب المصادر، فإنّ باريس، بتَدخّلها المتجدّد، «قرّرت هذه المرة أن تلحق بـ»المعطّلين» الى باب الدار، بعدما فقدت الثقة بصدقيّتهم ووعودهم التي قطعوها لجهة التزامهم بالمبادرة. وبَدت، من خلال حضورها عبر باتريك دوريل واتصالاته المكثفة ما بين بعبدا وبيت الوسط، ومستويات سياسية أخرى، وكانّها ترمي الورقة الاخيرة على طاولة هؤلاء المعطّلين، وخلاصة مضمونها: «إمّا تأليف الحكومة، أو إفعلوا بأنفسكم ما تشاؤون، ولا تعودوا إلينا عندما تسقطون نهائياً».

وكشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» أنّ ما بات محسوماً حتى الآن هو حجم الحكومة الذي جرى التوافق النهائي على تثبيته «حكومة الـ18»، وكذلك الأمر بالنسبة الى توزيع الوازارات على الطوائف، وتبقى معضلة الأسماء المسيحية، وأحجام القوى السياسية ومطالبة رئيس الجمهوريّة وفريقه السياسي بالحصة المسيحية الأكبر في الحكومة التي تشكل «الثلث المعطّل»، وهو ما يرفضه الحريري، الذي تؤكد أوساط قريبة منه انّ الحد الاقصى الذي يمكن أن يقبل به هو 5 وزراء للرئيس وفريقه. فيما قالت مصادر قريبة من القصر الجمهوري لـ»الجمهورية» انّ الحريري في لقاء الاثنين الماضي مع رئيس الجمهورية، أبدى استعداداً للقبول بـ6 وزراء للرئيس عون وفريقه.

وبحسب المعلومات، فإنّ مهمة دوريل تمحورت حول هذا الجانب، طارحاً ما يشبه الحل الوسط حول عقدة «مَن يسمّي الوزراء؟»، تفيد بشراكة فرنسا في التسمية على النحو الذي يُرضي الطرفين. أمّا بالنسبة الى وزارة الطاقة، فبَدا انّ الجانب الفرنسي لا يحبّذ الربط بينها وبين اي وزارة اخرى أسندت الى أطراف اخرى

(في اشارة الى ما يعتبره «التيار الوطني» تمييزَ الشيعة عن سائر المكونات ومَنحهم وزارة المالية، في وقت تُسحَب وزارة الطاقة من يده).

وتشير المعلومات الى انّ المسعى الفرنسي المتجدد عَكسَ أنّ وزارة الطاقة هي في رأس أولويات باريس، على أن تتولاها شخصية موثوقة من جانبها. وفيما تردّدت معلومات عن انّ اسم جو صدي، المُقترَح فرنسيّاً لتوَلّي هذه الوزارة، قد تم إسقاطه نظراً لاعتراض «التيار الوطني الحر» عليه، الّا انّ مصادر مواكبة لحركة الاتصالات اكدت لـ»الجمهورية» انّ اسم صدي يسقط في حال تم العثور على بديل له يشكّل نقطة تقاطع بين باريس والتيار، ولكن حتى الآن لم يتم العثور على هذه الشخصية».

وتضيف المعلومات انّ المسعى الفرنسي لم يعكس تَحبيذاً لحصول أي طرف على الثلث المعطّل في الحكومة، بل انّ ما يؤكد عليه هو تجاوز هذه المسألة باعتبار انّ الحكومة الجاري تشكيلها هي حكومة اختصاصيّين لا سياسيّين لمهمة محددة. واللافت للانتباه في المسعى الفرنسي، انه خالفَ كلّ ما تَردد عن «فيتوات» موضوعة على بعض الاطراف ومنع مشاركتهم في الحكومة («حزب الله» تحديداً)، إذ انّ هذا المسعى عكسَ انّ الهدف الفرنسي هو التسريع في تشكيل حكومة اختصاصيين لا سياسيين، توافق عليها القوى السياسيّة جميعها. وقالت مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي لـ»الجمهورية»: لا وجود لأيّ عامل خارجي معطّل لتأليف الحكومة في لبنان، وانّ التسريع الفرنسي في تشكيل حكومة يَستبطِن إشارة واضحة الى انّ هذه الحكومة تُشَكّل على أساس المبادرة الفرنسية التي ما زالت تحظى بالدعم الكامل لها من المجتمع الدولي، وتحديداً من الجانب الاميركي.

حركة موازية

الى ذلك، تزامَن المسعى الفرنسي مع حركة ديبلوماسية أوروبية لافتة للانتباه، تحرّكت تحت عنوان التعجيل بالحكومة. وعلمت «الجمهورية» انّ الايام القليلة الماضية شهدت لقاءات متتالية بين عدد من السفراء الاوروبيين، ومن بينهم السفيران البريطاني والالماني، مع عدد من السياسيين والنواب، وجاءت خلاصة كلام السفراء كما يلي:

– أولاً، اننا نستغرب المماطلة التي نلاحظها في ملف تشكيل الحكومة. فالعالم كله لا يستطيع ان يبرّر لكم في لبنان ما تفعلونه ببلدكم، ولسنا نصدّق تجاهلهم لكل الجهود الدولية الرامية الى مساعدة لبنان. إنّ المجتمع الدولي غاضِب ومستاء لأنكم تأخذون بلدكم الى الانهيار.

– ثانياً، يجب ان تعلموا انّ وضع لبنان بات ميؤوساً منه اقتصادياً ومالياً، إذ اصبح في قلب الكارثة التي لطالما حذّرنا منها، ومع ذلك نراكم تتجاهلون وتمتنعون عن إجراء الاصلاحات التي هي السبيل الوحيد لإنقاذه.

– ثالثاً، أنتم مسؤولون عمّا سيصيب بلدكم، هل تدركون الى اين انتم ذاهبون، وهل تعلمون ماذا ينتظركم؟ هذا البلد الذي كان غنياً في كل شيء، أصبح فقيراً. هل تدركون معنى ذلك؟ لقد اصبحتم فقراء، ونحن على بَيّنة كاملة من وضعكم المالي، ولن نستغرب اذا وصلتم الى لحظة ينضب فيها احتياطكم نهائياً، فيما أنتم لم تبادروا حتى الآن الى وَضع خطط لاحتواء الموقف، والمجتمع الدولي حَدّد لكم المَسار، ولا نعرف لماذا تصرّون على تجنّبه وعدم سلوكه؟!

– رابعاً، إننا حزينون على لبنان، ومتعاطفون مع شعبه الذي يعاني، ونطالبكم مجدداً بأن تستجيبوا لمتطلّباته. ألا تخشون ان يشتعل غضبه في وجهكم وبشكل عنيف هذه المرة؟ نقول ذلك، لأنكم تتجاهلون شعبكم وبلدكم، في الوقت الذي وصل فيه الى الحد الاخطر. المجتمع الدولي يحب لبنان ومتعاطف معه، ونحن حزينون عليه وخائفون ايضاً فعمره الاقتصادي والمالي لم يعد يُقاس بالاسابيع والأشهر، بل صار يُقاس بالأيام».

– خامساً، إنّ حاجتكم للسيولة المالية باتت اكثر من مُلحّة، ونخشى عليكم ان تصلوا الى وضع لن يعود في مقدوركم حتى استيراد الاساسيات من خارج لبنان. وباعترافكم، ونحن نعلم، انّ مواردكم جَفّت وصارت معدومة، وضاعت. والعالم كله يعرف بالفساد الذي لم تبادروا الى اجتثاثه حتى اليوم، بإجراءات الاصلاحات الهيكلية الشاملة، التي اكد لكم المجتمع الدولي انّ اجراءها سيفتح الباب لوصول المساعدات الى لبنان.

ومن هنا التعجيل بالحكومة أمر حتمي ولا بد منه، فأنتم في أمسّ الحاجة الى عقد اتفاق سريع مع صندوق النقد الدولي، فالصندوق يربط هذا الاتفاق بإجراء إصلاحات، تقوم بها حكومة موثوقة تؤكد في مفاوضاتها مع صندوق النقد انها ستكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها وبمتطلبات الصندوق، فإذا استمررتم على هذا المنحى فلن تحصلوا على شيء.

عقوبات!

وفي السياق نفسه، قال احد اعضاء لجنة الصداقة البرلمانية اللبنانية مع دولة اوروبية كبرى لـ»الجمهورية»: لقد لمسنا في محادثاتنا مع بعض السفراء ما هو اكثر من استياء خارجي منّا، لقد سمعنا ما يدفعنا الى الخجل من أنسفنا. لقد كانوا لبنانيين اكثر منّا، قالوا لنا صراحة: أنتم لستم أمينين على لبنان، لا بل انتم ترتكبون جريمة بحقّه، وبعيون مفتوحة وارادة كاملة تستنزفونه وتأخذونه الى المصير الأسود. قالوا لنا: لا تستغربوا إذا وصل الأمر ببعض الدول الكبرى، وحتى الصديقة لكم، الى أن تفرض عقوبات عليكم، فما تفعلونه ببلدكم وشعبكم الذي تقودونه الى إعدام جماعي، يصنّفكم كمجرمي حرب.

زيارة ماكرون

من جهة ثانية، جرى تعديل على زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل، حيث تبلّغت الدوائر الرسمية اللبنانية انّ الزيارة باتت محصورة بيومين بَدل 3 ايام.

ووفق التعديل، فإنّ الرئيس ماكرون يصل الى بيروت بعد ظهر 21 الجاري، وينتقل من مطار بيروت الدولي الى مقر قيادة القوات الدولية في الناقورة، حيث من المقرر أن يمضي ليلته الى جانب قائد القوة الفرنسية العاملة في إطارها وضباطها وأفرادها، على ان يعود في اليوم الثاني الى قصر بعبدا، ومنه الى مطار بيروت الدولي.

وحول إمكان عقد لقاء مع القيادات اللبنانية التي التقاها في 2 أيلول الماضي، استبعدت مصادر مواكبة للزيارة مثل هذا اللقاء، مبرّرة عدم الحاجة إليه على قاعدة «انّ جميع من التقاهم لم يلتزموا بما تعهدوا به فلماذا تكرار التجربة مرة ثانية؟!».

الطريق الى الخراب

نجحت المنظومة السياسية في وضع الناس في موقف صعب ومعقّد. ويبدو المشهد اليوم سوريالياً، حيث يقف الفقراء في مواجهة المودعين. والمفارقة أنّ كل الخيارات المطروحة في ملف رفع الدعم أو ترشيده تنطوي على نكبة سيدفع ثمنها الناس. وتنطوي الافكار المطروحة على الحقائق التالية:

– أولاً، ترشيد الدعم من خلال تقليص لائحة السلع المدعومة، أو خفض نسبة الدعم. وهذا يعني استمرار النزف من الودائع، لكن بفارِق انّ حجم الانفاق سيكون أقل من الوضع الحالي. وهذا يعني شراء القليل من الوقت قبل الوصول الى الفاجعة.

– ثانياً، اصدار بطاقات تمويلية مقابل رفع الدعم بالكامل. لكنّ هذا المشروع يواجه مشكلتين: الاولى تتعلق بتحديد لوائح من سيستفيد من الدعم المالي المباشر، والثانية تكمن في تحديد هوية المموّل، هل سيكون مصرف لبنان أي استخدام ودائع الناس؟ ام خزينة الدولة، أي طباعة المزيد من العملة بما يعني انهياراً اضافياً في سعر صرف الليرة، وتعميم الفقر؟

– ثالثا، استخدام الاحتياطي من الذهب لمواصلة الانفاق في غياب خطة للانقاذ.

كل هذه الخيارات تبدو مُدمّرة. والمفارقة أنّ العمال بدأوا التحَرّك ضد رفع الدعم من خلال تنفيذ إضراب يوم الاربعاء المقبل. هذا التحرّك يؤكد انّ الفقير بات اليوم في مواجهة المودِع، لأنّ الدولة عاجزة عن تحمّل مسؤوليتها وتشكيل حكومة تمهّد الطريق لبدء الانقاذ. وكل المعالجات المطروحة من خارج هذا السياق هي مجرد خطوات في الهواء، لن توصِل في النتيجة سوى الى الخراب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الجمهورية