الثلاثاء 10 أيلول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
دشّن «حزب الله» مرحلة جديدة من الصراع مع اسرائيل بإسقاطه امس طائرة مسيّرة في خراج بلدة الرامية الحدودية، رداً على الاعتداء الاسرائيلي الذي استهدف أخيراً الضاحية الجنوبية بطائرتين مسيّرتين أخفقتا في تحقيق اهدافهما بعد سقوطهما.
تكتسب عملية اسقاط الطائرة الاسرائيلية اهمية خاصة واستثنائية، سواء في نوعيتها او دلالاتها، وهي تنطوي وفق العارفين بكواليسها على رسالة واضحة الى تل ابيب، بأنّ زمن استباحة الاجواء اللبنانية من دون توقّع اي ردّ فعل قد انتهى، انما مع احتفاظ الحزب بحقه في اختيار التوقيت المناسب للرد تبعاً لحساباته وتقديراته.
وليس خافياً، على ما يؤكّد القريبون من الحزب، أنّ الاجواء اللبنانية كانت طيلة العقود السابقة مسرحاً لعبث الطائرات الاسرائيلية، المسيّرة منها والحربية، «بل انّ الطيارين الاسرائيليين كانوا واثقين في تفوّقهم الى درجة انّهم كانوا يعتبرون انّ التحليق في سماء لبنان هو نوع من «النزهة»، وبعضهم كان يُرسل الى هذا المجال الجوي السائب للتدريب».
ويلفت هؤلاء، الى انّه مع لجوء تل ابيب الى تعزيز دور الطائرات المسيّرة في العمليات العدائية، «صار لبنان مكشوفاً ومشرّعاً بالكامل امام الوظائف المناطة بتلك الطائرات من تجسس وتنصت وتصوير وتفجير، بحيث اتسع حجم الخطر الاسرائيلي على الداخل الذي يشكّل «حزب الله» وبيئته جزءاً منه، وهذا ما اتضح من تمدّد المسيّرات فوق الجغرافيا اللبنانية، وصولاً الى اختراق امن الضاحية والتحليق بين ابنيتها في اطار «التلصص» على اهداف للحزب ومحاولة توجيه ضربة له في عمقه الحيوي، الامر الذي اعتبره امينه العام السيد حسن نصرالله تجاوزاً للخط الاحمر وقواعد الاشتباك، لا يمكن التغاضي عنه».
وإذا كان الحزب قد تمكّن من وضع يده على الطائرة التي اسقطها في بلدة رامية التي تقع على الحدود، فانّ معلومات غير محسومة توافرت لدى مصادر أمنية تفيد انّه ربما تكون هناك طائرة أخرى قد أصيبت، لا واحدة، لكن جرى التكتم عليها باعتبارها سقطت داخل الاراضي المحتلة.
والدلالة الاهم لاسقاط المسيّرة الاسرائيلية، بالنسبة الى الاوساط المحيطة بـ«حزب الله»، هو انه تمكّن للمرة الاولى من فرض قواعد اشتباك في الجو، بعدما كان نطاقها محصوراً في البر طيلة العقود السابقة من المواجهة مع اسرائيل. وما يقوّي موقف الحزب، وفق الاوساط، «انّ الطائرة المعادية كانت تسرح وتمرح فوق القرى الجنوبية، وانه اسقطها بعد تجاوزها الحدود، ما يمنح ردّه المشروعية من جهة، ويؤسس لمعادلة جديدة في الجو، من جهة أخرى».
ويؤكّد المطلعون على استراتيجية الحزب الجوية، انّ اسقاط الطائرة المسيّرة هو جزء من الردّ وليس كله، لافتين الى أنّ الحزب في صدد تنفيذ عمليات متدرجة وفي اوقات متفرقة ضد المسيّرات الاسرائيلية، سعياً الى تحقيق الهدف الاستراتيجي والمتمثل في منعها كلياً من التحليق في الاجواء اللبنانية، «مع معرفته بأنّه لا يمكن صنع هذا الانجاز بين ليلة وضحاها وبمجرد اسقاط طائرة واحدة، انما يتطلب الامر توجيه عدد من الصفعات الى العدو الاسرائيلي ضمن مدى زمني معيّن، حتى يقتنع بأنّ الاستمرار في اختراق السيادة اللبنانية صار مكلفاً له، إن لجهة عدد الطائرات المتهاوية وإن لجهة الهيبة المستنزفة».
وانطلاقاً من هذا المعيار، يوضح العارفون، انّه ليس حتمياً او الزامياً ان يُسقط الحزب كل طائرة مسيّرة تخترق السيادة اللبنانية، «بل هو سيختار التوقيت والهدف، بالطريقة التي تستنزف تل أبيب وتُشعرها بأنّ مسيّراتها معرّضة عند كل طلعة لاحتمال عدم عودتها الى قواعدها».
وكان لافتاً انّ البيان الصادر عن المقاومة اشار الى انّه تمّ اسقاط الطائرة بالاسلحة المناسبة، من دون ان يكشف عن طبيعة السلاح الذي جرى استخدامه، ما يعكس، تبعاً للمطلعين، «حرص «حزب الله» على عدم كشف كل اوراقه المتصلة بما يملكه من قدرات على مستوى الدفاع الجوي، إذ انه تعمّد ان يترك حيّزاً من الغموض في هذا المجال، ليزيد حيرة الكيان الاسرائيلي، وحتى لا يمنحه فرصة لمعرفة نوعية الامكانيات الموجودة في حوزته».
وبهذا المعنى، يؤكّد القريبون من الحزب، «انّ قراره بإسقاط المسيّرة الاسرائيلية خضع عند التنفيذ الى مجموعة تكتيكات، ابرزها ما يتعلق بنوعية الطائرة المستهدفة ودرجة ارتفاعها وطبيعة مهمتها ومدى اختراقها للعمق اللبناني، بحيث يكون الرد من النوع الذي لا يسمح للعدو الاسرائيلي بأن يكتشف ما لا ينبغي ان يعرفه في شأن قدرات المقاومة على صعيد الدفاع الجوي، ولاسيما أنّ هذا الشق من تسليحها تحوّل هاجساً لدى تل ابيب، التي تسعى جاهدة بوسائلها الاستخبارية الى معرفة حقيقة ما يخفيه الحزب».
يبقى انّ اسقاط المسيّرة المعادية على عتبة الانتخابات الاسرائيلية يمثل، وفق استنتاجات المحيطين بالحزب، «ضربة لبنيامين نتنياهو الذي تحرجه عمليات المقاومة في هذه اللحظة، فلا هو قادر على تحمّلها ولا هو يستطيع ايضاً الرد العنيف عليها لاعتبارات تتعلق بتوازن الردع والمعادلات الانتخابية الدقيقة».
عماد مرمل – الجمهورية