مجلة وفاء wafaamagazine
كتب حسين عز الدين
الجغرافيا هي الاساس في العلم السياسي فإن تعبير الجيو سياسية او الجيو بو ليتيك. صار متداولا في وسائل الاعلام لا بل انقلب مصطلحا وموضة تعبيرية منذ اخذ العلم يبدو اكثر تعقيدا مما كانت تذهب اليه التنظيرات الاجمالية ــ شرق. وغرب ــ شمال وجنوب. ـ مركز واطراف. واخذت فئة من النخب تدرك ايلاء المجال في مختلف اشكاله مزيدا من الاهتمام لدى النظر في علاقات القوى وتعقيدات المشاكل والاحداث الساخنة.
إن التحليلات الجيوسياسية التي تاخذ على نفسها بيان التعقيد الذي يحكم العلاقات بين النصاب السياسي والهيئات الجغرافية ليست اكثر يمينية مما هي يسارية او اكثر امبريالية مما هي تحررية.
كل ما في الامر ان هذه التحليلات معدة لخدمة اولئك الذين يعتمدونها وهي بالطبع عرضة للدحض والسجال.
فبمقدار ما إن هذا التحليل او ذاك يؤيد وجهة نظر او اخرى او يحتج لمصالح هذه المجموعة او ذاك الشعب فهو يضع نفسه تحت حد الاخذ والرد من طريق منطق آخر لا يقل عنه جيوسياسية.
إن زعماء الشعوب والامم الذين كافحوا وما يزالون
يكافحون من اجل الاستقلال او التحرر يعتمدون ايضا الجيوسياسة لكن الحجج التي يسوقون ليست هي نفسها التي تلجأ اليها القوى المضادة.
وخلافا لما يتردد غالبا فإن مذاهب التفكير الجيوسياسية لا تطبق على المستوى الكوني فحسب بل قد تتخذ اطار الدولة الواحدة موضوعا لها ايضا بما في ذلك الدول المتماسكة ثقافيا.
فان التحليل الجيوسياسي لا يهدف الى الاضاءة على النزاعات العنيفة فقط بل يلقي اضاءات جديدة على المشاكل الجهوية وجغرافيا التيارات السياسية في اطار وحدات اقليمية صغيرة نسبيا .
لقد بدت الجغرافيا وكأنها تشكك في نفسها عندما كانت العلوم الاجتماعية الاخرى تستأثر بالصدارة في الخمسينات والستينات حيث كانت العلوم الاقتصادية في الطليعة وكان الذين يعرفون قوانينها يتباهون بقدرتهم على تجنب انحرافات الماضي.
وكان الرهان بالنسبة اليهم على حقبة نمو مستمر وجاءت الصدمات النفطية التي لم يتوقعها اي خبير والازمة الخفية التي تتآكل الغرب منذ ذلك الوقت لتكشف هشاشة مثل هذه الادعاءات.
والحق أن الزمن الذي شهد علماء الاجتماع يفسرون السلوكيات المختلفة بالسعي الى الجاه والثروة والسلطة او النماذج التي يفرضها على الشعوب موقعهم الاجتماعي ويتابعهم علماء السياسة فيستخرجون من هذه الشواهد تأويلات لنتائج الانتخابات التي تنضوي في اطر التحليل الطبقي والحق ان هذا الزمن الذي ينتسب الى ماض ليس بالبعيد حاليا على الاطلاق.
لقد كانت الماركسية آنذاك موضع احترام شديد لدى الكثيرين من المثقفين وعموم الطامحين في القوى العاملة وكان العالم قاسيا والبؤس عميقا في الكثير من الاوساط والاضطهاد الذي تعاني منه فئات واسعة من العالم حقيقيا.
فكان مبعث اطمئنان الى من يمتلك المرء نمطا من التحليل يدعي الاحاطة بكل الامور ويفسر المظالم بمفردات من قبيل الرأسماليين ــ البروليتاريين ــ والمدن والار ياف ــ والمراكز ــ والاطراف ــ وكانت الماركسية القاسم المشترك بين جميع الناس الا انها لم تفلح في حل العقدة الاجتماعية المتركزة على الجفرافيا السياسية .
ولكن كيف الاستمرار في تعليق مثل هذه الآمال على ثورة قادمة عندما تثبت بلدان الادعاء الاشتراكي واقعيتها وهي عاجزة عن الوفاء بوعودها. ومن هنا ينطلق تفسير انهيار الشيوعية وصعود القوميات الثقافية وبروز سلوكيات في المجتمعات الغربية والشرقية دافهعا المشاغل الثقافية والتفتح الذاتي اكثر من الموقع في التسلسل الاجتماعي .
في الختام لعل احد اهم اسباب ازمة اليوم اننا لم ناخذ في الاعتبار الدوافع الانسانية والتعقيد الشديد الذي يلف الاوضاع التي تتغير من نقطة الى اخرى وتجعل العبث اختزال المحيط بتلاوينه اللا متناهية والمجتمعات بانبساطها في المجال الجغرافي.