مجلة وفاء wafaamagazine
ترأس رئيس أساقفة طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران إدوار ضاهر، يعاونه المونسنيور الياس البستاني، قداس الميلاد في كاتدرائية مار جاورجيوس في الزاهرية بطرابلس، في حضور حشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى ضاهر عظة شدد فيها على “ترسيخ ثقافة المحبة والسلام والحوار ونبذ الفتنة والانانية والابتعاد عن المصالح الضيقة والخاصة لإنقاذ البلد من المحنة التي يمر بها”.
وقال: “في هذا العيد، أنطلق من حدث البشارة مع مريم. قال الملاك لمريم افرحي، ستحملين وتلدين إبنا فسميه يسوع. يبدو أنها بشارة فرح خالص، تهدف لإسعاد العذراء مريم: من من نساء ذاك الزمن لم تحلم بأن تصبح أم المسيح؟ ولكن مع الفرح ينذر هذا الكلام مريم بمحنة عظيمة. لماذا؟ لأنها كانت مخطوبة ليوسف آنذاك. وفي هذه الحالة، تنص شريعة موسى على ألا يكون هناك علاقة بينهما أو مساكنة. وبالتالي، تكون مريم قد تجاوزت الشريعة بفعل حبلها، وكانت العقوبات التي تطال النساء فظيعة: كانت تقتضي الرجم. لقد ملأت البشارة الإلهية قلب مريم بالنور والقوة. ولكنها كانت أمام خيار حاسم: أن تقول نعم لله وتخاطر بكل شيء، بما في ذلك حياتها، أو أن ترفض الدعوة وتمضي قدما في دربها الاعتيادي. ماذا فعلت؟ أجابت: فليكن لي بحسب قولك. إنها كلمة مريم الشهيرة. فهذا التعبير اللفظي يشير إلى رغبة قوية، يشير إلى إرادة بأن يتحقق أمر ما. وهذا ليس استسلاما. لا يعبر هذا القول عن قبول ضعيف وخاضع، بل يعبر عن رغبة قوية، عن رغبة وحيوية. هي عاشقة مستعدة لخدمة ربها في كل شيء وعلى الفور. كان باستطاعتها أن تطلب بعض الوقت للتفكير في الأمر، أو كان بإمكانها ربما أن تضع بعض الشروط ولكنها لم تطلب وقتا، ولم تجعل الله ينتظر، ولم تؤجل”.
وسأل: “كم من مرة نفكر الآن في أنفسنا؟ كم من مرة تملأ التأجيلات حياتنا؟، حتى حياتنا الروحية، مثلا: أعلم أن الصلاة تفيدني، لكن ليس لدي وقت اليوم. نؤجل الأمور: سأفعله غدا. إن مريم تدعونا اليوم، في عيد الميلاد، إلى أن نقول نعم: علي أن أصلي؟، علي أن أساعد الآخرين؟ نعم. وكيف أقوم بذلك؟ أتممه دون تأجيل. كل نعم تكلف، ولكنها أقل كلفة من تلك ال”نعم” الشجاعة، المملوءة استعدادا، وتلك ال “فليكن لي بحسب قولك” التي حملت لنا الخلاص. ونحن، يمكننا أن نقول، نعم؟ في هذا الوقت الصعب الذي نعانيه من الازمة السياسية والضائقة الاقتصادية والمعيشية وجائحة كورونا، فبدلا من التأفف والتذمر، لنقم بعمل مفيد وخير لنا ولمن ليس لديه إلا القليل: لنطعم الجائع، ونسقي العطشان، ونواسي الحزانى، ولنحضر هدية إضافية لشخص محتاج لا يفكر فيه أحد، ونصيحة أخرى: لكي يولد يسوع فينا، لنحضر قلبنا: لنذهب فنصلي”.
وقال: “لقد اختطفت الاستهلاكية منا عيد الميلاد. ليس هناك من استهلاكية في مذود بيت لحم، بل فيها الحقيقة، والفقر، والحب. لنحضر قلبنا كما فعلت مريم: ليكن حرا من كل شر، ومضيافا ومستعدا لاستقبال الله. فليكن لي بحسب قولك إن هذه العبارة للعذراء، هي دعوة للقيام بخطوة ملموسة نحو عيد الميلاد. لأنه إذا لم تلمس ولادة يسوع حياتنا كلها، إذا لم تلمس حياتنا فإنها تذهب سدى. لتساعدنا السيدة العذراء في أن نقولها من خلال حياتنا، كما نصنع في هذه الأيام كي نستعد جيدا لعيد الميلاد”. لبنان يمر بأصعب ظروف في تاريخه الحديث على وقع المتغيرات الاقليمية والدولية، وفي ظل التراكمات والازمات السياسية والدستورية والاقتصادية، إضافة الى التحركات الشعبية وجائحة كورونا، والمطلوب اليوم هو التفاهم والتعاضد وعدم استثناء أحد لنتمكن جميعا من الخروج من الأزمة الصعبة التي نتخبط بها. وأوجه نداء لجميع المسؤولين لكي يتعظوا من التجارب السابقة، والتعالي عن الصغائر لتسيير عجلة المؤسسات الدستورية والتطلع الى مصلحة الوطن العليا، والسعي للعمل الجماعي والابتعاد عن التفرد والعمل الفردي وإلا سيكون مصيرنا الفشل والمزيد من المشاكل الداخلية”.
أضاف: “نأمل من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالتعاون مع دولة رئيس الحكومة المكلف الشيخ سعد الدين الحريري أن يتمكنا معا من تشكيل حكومة تراعي مطالب الناس والحراك الشعبي ومواجهة التحديات على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية، والمضي بالإصلاحات الاقتصادية والبنيوية وحماية اليد العاملة اللبنانية والحد من التهريب والمنافسة غير الشرعية لكل المنتجات اللبنانية”.
وختم بالدعوة للتأمل بنص للبابا فرنسيس قال فيه: “فلتشرق شمس هذا العيد، ونور الطفل المولود في المغارة في قلوبكم جميعا ولتنزل بركاته عليكم غزيرة فياضة، له المجد والشكر والحمد على أنعامه وعطاياه الكثيرة، ونطلب منه أن ينقلنا بميلاده المجيد إلى سنة جديدة ملؤها الخير والبركة وتغير القلوب لتتفجر فيها الرحمة والمحبة ويسود عليها سلام الله. عيد ميلاد مجيد لكم جميعا. الميلاد هو أنت، الميلاد هو أنت، عندما تقرر أن تولد من جديد كل يوم، وأن تدع الله يدخل قلبك ويملأه. شجرة الميلاد هي أنت، عندما تقاوم بعزم رياح ومعاكسات الحياة. زينة الميلاد هي أنت، عندما تصبح فضائلك ألوانا تزين حياتك.الجرس الذي يقرع معلنا الميلاد هو أنت، عندما تدعو الناس للالتقاء وتحاول لم شملهم. أنت أيضا نور الميلاد، عندما يضيء حضورك طريق الآخرين، بطيبتك وصبرك وفرحك وسخائك. ملائكة الميلاد هم أيضا أنت، عندما تعلن مرنما للعالم رسالة سلام وعدل ومحبة”.
بعد القداس تقبل ضاهر وبستاني التهاني بالعيد.