الرئيسية / سياسة / استهداف «القرض الحسن»: عدوان جديد على بيئة المقاو-مة

استهداف «القرض الحسن»: عدوان جديد على بيئة المقاو-مة

مجلة وفاء wafaamagazine

الكفّة راجحة إلى عدم إمكانيّة الفصل بين ما حصل والعقوبات الأميركية

ميسم رزق

منذ فترة طويلة، صارت مؤسّسة جمعية القرض الحسن في مهداف بعض الداخل والخارج. مِن الولايات المتحدة الأميركية إلى الإعلام الخليجي إلى سياسيين لبنانيين، لا تتوقف محاولات ضرب واستهداف المؤسسة فعلاً وقولاً، من ضمن مسار عملية استهداف المقاومة والمؤسسات التابعة لها أو القريبة منها. آخرها هجوم سيبراني ضخم على بيانات المؤسسةكان سلاح الجو الإسرائيلي فوق الضاحية الجنوبية لبيروت عام 2006 يُنفّذ عملية تدمير ممنهجة، هي في جزءٍ منها انتقام مِن بيئة المقاومة.

حينذاك، نالت فروع جمعية مؤسّسة القرض الحسن نصيبها من «الغلّ» الإسرائيلي، فأُطيح بعض مبانيها أرضاً على غرار مئات الأبنية الأخرى. مع ذلك، لم يضِع حقّ أي من زبائنها والمساهمين فيها. بقيت الودائع من المساهمات والذهب المرهون مؤمنة بالكامل. كانت تلك التجربة الردّ على أول تحدٍّ جدّي واجهته المؤسسة. ثم تصدّت «الجمعية» لمحاولة جديدة من الاستهداف، عبر وضعها على لائحة العقوبات الأميركية، إلى أن تكشّفت خلال الأزمة المالية ــــ الاقتصادية التي اشتدّت منذ نهاية عام 2019، حقيقة أن المؤسسة لم تتأثر. بل على العكس، رغم كل الهجمات عليها، لم تُجمّد أي حساب من حسابات المودعين لديها، ولم تعمد الى تحديد أي سقوف مالية. الذين يتعاملون مع هذه المؤسسة يؤكدون أن عمليات الصرف والإيداع استمرت بحرية تامّة، في وقت قامت فيه البنوك اللبنانية بحجز أموال المودعين وتحديد سقوف للسحوبات بمبالغ محددة، وإذلال المواطنين على أبوابها. وصحيح أن المؤسسة لا تندرِج ضمن سوق الصيرفة، لكنها في إطار تقديم التسهيلات للمساهمين فيها استحدثت خدمة الصراف الآلي «ATM» في بعض فروعها، ما أصاب البعض بـ«الجنون».

ولأن للحرب وجوهاً كثيرة، ومنها الوجه الإلكتروني، تعرّضت «الجمعية» قبل يومين لهجوم سيبراني ضخم جدّاً، زعم منفّذوه أنه مكّنهم من رفع السرية المالية عن آلاف المتعاملين معها، قبل نشر فيديو لمجموعة تُطلِق على نفسها اسم «سبايدرز» تدّعي خرق أنظمة «القرض الحسن».

كشفت المجموعة عمّا تزعم أنه شبكة واسعة من الأسماء والأرقام والموازنات لأعداد المساهمين والزبائن، وتحديداً من عامي 2019 و2020، ناصحة المودعين والمقترضين بـ«وقف التعامل مع الجمعية كي لا يكون مصيرهم كمصير المودعين في المصارف».

وقد وعدت المجموعة بنشر معلومات إضافية في الفترة المقبلة عن الجمعية وغيرها من المؤسسات التابعة لحزب الله. فيما وصلت آلاف الرسائل الهاتفية و«الإيمايلات» تتضمن «لينك» لصفحة الجمعية، نشرت فيها معلومات و«تهديدات» أشارت الى ارتباط حوالى 300 ألف زبون بعلاقة مالية ــــ تجارية مع جمعية القرض الحسن، ما يقارب 200 ألف منهم مقترضون في مقابل نحو 100 ألف مودع.

وبسبب القرصنة والحصول على المعلومات، كما ورد على الصفحة «لم تعُد الجمعية سرية ولا يمكن استخدامها ملجأً ماليّاً سرياً يمكن من خلاله إخفاء الأموال عن البيئة والسلطات اللبنانية، بما فيها البنوك والسلطات الضريبية والجهات القانونية في البلاد. وبعملية نشر هذه التفاصيل، تكون المخالفات بأشكالها وألوانها التي ارتكبها المودعون تحت جناح السرية التي تمنحها الجمعية لزبائنها، قد أصبحت مكشوفة للسلطات اللبنانية والدولية. وإذا كانت أسماؤكم أو تفاصيلكم مندرجة في القوائم المسرّبة فيجب أن تعلموا أن من المتوقع أن تكونوا موضع تحقيق السلطات في لبنان أو في دول أخرى، بل قد تخضعون وفقاً لوظيفتكم لفحص جهات في وزارتَي المالية والتجارة الأميركية بسبب تعاملكم مع جمعية وضعت على لائحة الإرهاب منذ عام 2007».

وبينما قلّلت الجمعية من مخاطر العملية التي نفّذتها «جهات معادية»، وفق ما قالته في بيان لها، وأكدت العمل على حماية الحسابات، علمت «الأخبار» من مصادر مطلعة أن «التحقيق لا يزال جارياً، فيما لم تُعرف بعد الجهة التي تقِف وراء الهجوم». وفيما يُحاط مسار التحقيق بتكتّم شديد، قالت المصادر «إن الجهات المعنية تدرس احتمالين: إما أن الهجوم نفذته جهات استخبارية خارجية، وإما أن يكون لموظفين سابقين بالجمعية يد بالعملية بالتعاون مع قراصنة محليّين».

وحتى عصر يوم أمس، كان الهجوم على نظام المؤسسة لا يزال مستمراً، ما حال دون تحديد حجم الخرق والمعلومات التي أصبحت في حوزة المهاجمين. ويجري الحديث عن أن الجمعية ليست وحدها من تعرضت لهجمات ومحاولات قرصنة، بل هناك عدّة مؤسسات تدور في فلك حزب الله، ما يرجّح فرضية أن يكون الهجوم منسقاً من جهات استخبارية خارجية. ولفتت المصادر إلى أن «البيانات التي نُشرت ليست صحيحة بالكامل، فهناك أسماء وأرقام مغلوطة»، مشيرة إلى أن «الهجمة ضخمة ومبرمجة وقد بدأت منذ يوم السبت الماضي».

أما في الإطار السياسي، فإن الهجمة التي تعرّضت لها «مؤسسة جمعية القرض الحسن» جاءت مدجّجة بالرسائل، التي دهمت المقاومة وجمهورها في لبنان. في الاحتمالات، الكفة راجحة إلى عدم إمكانية الفصل بين ما حصل والعقاب الأميركي الذي طال سابقاً مصرف «جمّال ترست بنك»، بتهمة توفير خدمات مالية ومصرفية لمؤسسات تابعة لحزب الله. وقد بات واضحاً أن عصا العقوبات الأميركية تتوسّع، بوجود إرادة للتمدّد إلى المؤسسات المحسوبة على المقاومة بأي وسيلة لضربها، ما يرفع ــــ من وجهة نظر الإدارة الأميركية ــــ منسوب تضييق الخناق على حزب الله وبيئته، من ضمن مسار المواجهة المكشوفة.

الكفّة راجحة إلى عدم إمكانيّة الفصل بين ما حصل والعقوبات الأميركية

الهجمة على الجمعية لها تفسير واحد، حتى الآن: بسبب عدم إمكانية هزيمة المقاومة عسكرياً، نتيجة تعاظُم قدراتها، تتوالى العقوبات والحملات على حزب الله وكل المؤسسات التابعة له أو التي تدور في فلكه، في توقيت مالي ــــ اقتصادي بالغ الخطورة، يتطلّب جهداً من قبله للتقليل من تداعيات الانهيار على بيئته. ضمن هذا الإطار، يأتي استهداف الجمعية، وهو في الواقع استهداف للمستفيدين من خدمات الجمعية، سواء المودعين (المشتركين) أو المقترضين.

ولا نقاش في أن هذه الهجمة، سواء كانت هجمة استخبارية أميركية أو إسرائيلية، أو مجرّد عمل فردي داخلي ــــ وهو احتمال قائم لدى المحققين ــــ قد أصابت المؤسسة بضرر، لأن الاستهداف يخدم أعداء المقاومة، كونه عدواناً جديداً على بيئتها، ويتطلّب إعادة النظر في أمن مثل هذه المعلومات، علماً بأن الجمعية سبق أن اتخذت إجراءات لفصل شبكاتها عن شبكة الإنترنت. وإلى حين انكشاف الصورة كاملة، يُمكن التأكيد أن مؤسّسة القرض الحسن، منذ مدة، وتحديداً منذ بدء أزمة المصارف، صارت تحت المجهر أكثر فأكثر في الداخل والخارج

البيانات التي نُشرت ليست صحيحة بالكامل، فهناك أسماء وأرقام مغلوطة

من الولايات المتحدة الأميركية إلى رئيس الحزب الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، الذي صرّح مطلع الشهر الحالي لـ«سكاي نيوز» بأن «المنتصر الأكبر والعامل الأقوى هو حزب الله، فهو ينتظر ويقوم بالوقت ذاته بترتيباته على الأرض، حيث أصبح لمؤسسة القرض الحسن التابعة للحزب ATM تعطي المشتركين فيها مبلغ 5000 دولار مقابل رهن الذهب في الوقت الذي يعاني فيه المواطن اللبناني مع المصارف وأمواله المحجوزة، لذلك فإن حزب الله بمأمن ومرتاح، ونحن في المأزق» (مقرّبون من جنبلاط يؤكدون أن كلامه موجّه إلى الأميركيين والدول الخليجية، للتحذير من مغبة ترك لبنان ينهار).

يضاف إلى ما تقدم، هجوم إعلامي مدفوع الثمن، أميركياً، على الجمعية وعملها. ففي مقابل فشل المصارف اللبنانية، كانت المؤسسة في صدد توسيع دورها وحجم عملها بالمرحلة المقبلة، إذ جرى الحديث عن إمكان تقديمها قروضاً تجارية وزراعية وصناعية وسكنية، ما يعني مساهمتها في التخفيف من آثار الانهيار. ومن هنا، يصبح مفهوماً أكثر سبب الهجوم عليها، لمعاقبة جمهور المقاومة.

الأخبار