مجلة وفاء wafaamagazine
عادت الحكومة اللبنانية الى بيت الطاعة الجزائري تحت طائلة التهديد بالعتمة الشاملة، وها هي اليوم تتمنى على شركة «سوناطراك» الاستمرار في مدّها بالنفط، رغم الدعاوى القضائية عليها بتهمة الغشّ والاحتيال. هذا الطلب لن ينفّذ مجاناً، ودونه طلبات جزائرية، أوّلها سحب الدعاوى. وسيكون على لبنان القبول مكرهاً، ولا سيما أن النفط العراقي لا يزال بعيداً، وفي ظل رفض لبنان العرض الإيراني شبه المجاني خوفاً من العقوبات الأميركية
ينتهي عقد وزارة الطاقة اللبنانية مع شركة «سوناطراك»الجزائرية اليوم. لكن رغم الدعاوى القضائية المقامة ضدها في ملف «الفيول المغشوش»، لن ينتهي العقد عملياً. فالنص يتحدّث عن كميات متفق عليها من الفيول أويل والغاز أويل (Grade A & B)، يفترض بلبنان الالتزام بها. بناءً عليه، طلبت «سوناطراك» من الوزارة شراء الكميات المتبقية عليها نتيجة تقصير لبناني في طلبها خلال السنوات الثلاث السابقة أي 2018 و2019 و2020، تحت طائلة المطالبة بتعويض، أي فرض غرامات مالية على لبنان، ستُضاف الى ما هو مستحق عليها لـ«سوناطراك»، والذي لم تسدّده بعد. حصل ذلك بعدما كانت الشركة تنوي التوقف عن استقدام الفيول لمصلحة لبنان عند انتهاء العقد. الصورة الكبيرة سيئة، ولكنها باتت قشة الخلاص بالنسبة إلى وزارة الطاقة… وإلا تحمّل وزر العتمة الشاملة. فالاتفاق الذي كان يعوّل عليه مع الدولة العراقية، يبدو أنه لا يزال بعيداً. المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ومصادر عراقية يؤكدان أن «الأمور ماشية». ويلفت إبراهيم إلى أن وزير الطاقة ريمون غجر أبلغه بعقد اجتماعات بين مسؤولين عراقيين ولبنانيين لمتابعة التفاصيل التقنية.
في المقابل، تشير مصادر وزارة الطاقة إلى أن الإيجابية التي أُشيعت في الفترة السابقة عن وصول النفط العراقي قريباً بعد تكريره في بغداد، لا تعكس الحقيقة كاملة. ثمة مشكلة في تكرير النفط الأسود لتغطية حاجات محطات توليد الطاقة الكهربائية في لبنان العاملة على الفيول أويل، ولا صحة لعرض العراق تكريره ضمن أراضيه، فيما سقطت مقترحات التكرير في مصر وسوريا، كما لم يقبل العراقيون طلب حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب الدفع بالليرة اللبنانية أو الحسم من قيمة الفاتورة النهائية التي أصرّ الطرف الثاني على دفعها بالدولار وفقاً لسوق الشراء العالمي. كذلك تؤكد مصادر في وزارة الطاقة أن «دفع ثمن النفط العراقي سيكون مباشرة وليس بعد عام، لأن بغداد نفسها واقعة في أزمة شحّ الدولار، ولا يمكنها انتظار سنة لتلقّي الدفعات مقابل النفط الخام».
لكن العائق الرئيسي ليس هنا، ويبقى في مشكلة التكرير. لذلك انطلق البحث عن شركة ما تتكفل بالقيام بهذه المهمة. وخلافاً لما تمّ ترويجه، لم تتقدم أي شركة عراقية أو غيرها بعرض لتكرير النفط قبيل وصوله الى لبنان، بعد انسداد الأفق المصري بسبب اشتراط مصر اقتطاع جزء من الشحنة لصالحها، والأفق السوري بسبب تعطل أنبوب كركوك – بانياس وعدم ضمان نقل الفيول أويل عبر البرّ. بقي الطرح الرئيسي هو «إيصال الكمية الموّفرة عراقياً الى إيران لاستبدالها بالنفط المطابق لمعامل إنتاج الكهرباء اللبنانية أو حتى التكفلّ بتكريرها». وهو ما يفترض أن يقود الى مشكلة أخرى، تتمثل في استقدام نفط إيراني، وما يرافقه من عقوبات إضافية على لبنان وحصار اقتصادي أشدّ وطأة. فعند طرح حزب الله على رئيس الحكومة حسان دياب لعرض إيراني مباشر بتوفير النفط بالنوعية والكمية المطلوبتين لقاء الدفع بالليرة اللبنانية، ما يعتبر عرضاً مثالياً غير قابل للرفض، خصوصاً في ظرف اقتصادي مماثل، رفض دياب العرض بحجة عدم قدرته على تحمّل خيار «التوجه شرقاً»؛ اذ سيكون بنفسه عرضة للعقوبات، فيما سيرزح البلد «تحت وطأة أزمة إضافية محورها أميركا والغرب، تضاف الى أزمة حكومته والانهيار المالي والاجتماعي». في موازاة دياب، رفض آل البساتنة وشركة ZR energy لريمون وتيدي رحمة أن تتولى شركتاهما نقل النفط من العراق الى إيران ثم إعادته، خوفاً من العقوبات الأميركية أيضاً.
طلب عون من المدّعي العام التمييزي تأجيل بتّ الدعاوى الى حين الانتهاء من المفاوضات مع الجزائر
يأتي ما سبق ليتطابق مع كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في حزيران الماضي عن الردّ على الحرب بالدولار والعقوبات والابتزاز الأميركي للأعداء والأصدقاء بالدعوة الى التوجه نحو الشرق والتعاون مع دول أبدت استعدادها لدرء خطر الجوع عن لبنان، ليشير خلال حديثه الى قناة الميادين، الإثنين الماضي، إلى أن لدى «الدولة اللبنانية خيارات عديدة، لكن المشكلة هنا. فهناك قلق شديد من الذهاب الى خيار اقتصادي ينقذ لبنان. وعند طرح التوجه شرقاً، برزت حالة قلق وخوف». ففي الميزان اللبناني، المفاضلة بين العتمة الشاملة والتعاون مع إيران، تميل الكفة الى خيار العتمة والفقر والجوع على الاستعانة بدول معادية للولايات المتحدة، حتى لو تقدّمت هذه الدول بعروض مجانية لمساعدة لبنان لمواجهة الانهيار والحصار المفروض من أميركا. وبالتالي، عادت الحكومة اللبنانية الى مفاوضة «سوناطراك»، والتمنّي عليها عدم إيقاف العقد والاستمرار في مدّ لبنان بالنفط، بعد أن جرى اتهام الشركة نفسها بالغشّ والاحتيال. في هذا الإطار، حصلت مبادرة المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم باتجاه الجزائر لضمان استمرار الشركة في مدّ لبنان بالفيول، الى حين إعداد مناقصة جديدة. وقد اشترطت الحكومة الجزائرية وقف ملاحقة «سوناطراك» قضائياً، ودفع المستحقات اللبنانية المتأخرة. وكخطوة أولية، على ما تقول المعلومات، طلب رئيس الجمهورية ميشال عون من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات تأجيل بتّ الدعاوى الى حين الانتهاء من المفاوضات مع الجزائر.
الاخبار