مجلة وفاء wafaamagazine
لبنان يحتاج اليوم الى إغلاق تام يرافقه توقف المسؤولين عن مزاولة حياتهم بشكل طبيعي
كتب ابراهيم الأمين في ” الأخبار “
حسناً، قررت القوى السياسية الكبرى رفع الغطاء، فقرر رئيس الحكومة الاستقالة. وكان في خلفية من رفع الغطاء أو قبِل فخاف واستقال، أن هناك قراراً كبيراً، في البلاد وخارجها، بأن زمن الحكومة الحالية انتهى، وأن حكومة جديدة ستبصر النور خلال أيام. وترافق ذلك مع بروباغندا سياسية من قبل القوى النافذة، منها أن الخلاص سيكون على يد سعد الحريري وفريق يأتي مقنّعاً بلباس الاختصاصيين. لكن العاقل كان يعرف أن كل هذا الكلام لا معنى له.
مرت أسابيع وليس هناك من مؤشر على تغيير كبير. لكن المشكلة الأساسية بقيت وتفاقمت أكثر ممّا كانت عليه. والمشكلة لم تعد حصراً في كون القائمين على السلطة غير قادرين على مواجهة انهيار شامل يصيب كل شيء في الدولة، بل في كون من هم اليوم في سدة المسؤولية عاجزون عن اتخاذ خطوات عادية وبسيطة تتعلق بحياة الناس في مواجهة الوباء الكبير وتداعياته.
ألا يوجد في هذه الحكومة من يعرف معنى كلمة إغلاق؟ ماذا يعني الإغلاق مع هذا الكم من الاستثناءات التي تجعل البلاد على طريقة صاحب الدكان الذي يتحايل على قرار منع التجول، فيترك باب محله موارباً فيسمح لمن يريد بالدخول ويقفل ساعة سماعه «زمّور» سيارة الشرطة؟
ماذا يعني أن لا يشمل الإغلاق التام مؤسسات تجارية متوسطة وكبيرة تكمن فيها مشكلة التجمع والاختلاط المؤدي الى انتشار أسرع وأكبر للوباء؟ وهل كلفة التغطية الصحية القائمة اليوم، تقل عن كلفة الخسائر الاقتصادية التي يتذرع الرافضون للإغلاق التام بها؟
ماذا يعني أن تفرض منعاً للتجوال بعد ساعات طويلة من الانتشار الواسع والتفاعل غير العادي بين الناس بحجة التجارة وتسيير الأمور اليومية؟ وهل هذا اسمه إغلاق تلجأ اليه الدول لمواجهة وباء يهدد صحة عشرات الآلاف من المواطنين، وسط مؤشرات للإصابات اليومية تنذر بارتفاع عدد المصابين بالكورونا إلى أكثر من مئة ألف في غضون ثلاثة أسابيع؟
ماذا تفعل حكومة لا تقدر على توقيع عقود لشراء اللقاحات بانتظار رأي قانوني، وهي تعرف أن الشركات المصنّعة للقاحات انتزعت موافقات استثنائية من حكومات بلادها لكونها تحتاج الى سنوات حتى تتثبت من سلامة لقاحها؟ هل حكومات العالم الكبرى متخلفة لكونها سمحت بلقاح مع تحمل المسؤولية القانونية عن مضاعفاته، بينما يظهر لبنان تحفّظاً علمياً وسط انتشار الخرافات مثل الوباء أو أكثر؟ هل يعرف المسؤولون ماذا يعني تأخر وصول اللقاحات أسبوعاً أو عشرة أيام أو أسبوعين بسبب آراء قانونية لا مكان لها اليوم؟
من يجرؤ منكم على مطالبة القوى الأمنية بكل مصائبها، بقمع المخالفات وأنتم تفتحون الأبواب أمام استثناءات تجعل البلاد مفتوحة فعلياً ومغلقة فقط في بيانات رسمية؟ وكيف يمكن المساواة بين المطالبة بفتح مؤسسة لن يؤثر توقفها عن العمل لأسابيع على دورة الحياة، بينما يطالب في الوقت نفسه بتعطيل عمل القضاء وترك الناس رهن مزاجية مخفر هنا أو عسكري هناك؟
كيف يمكن تجاوز مطالبة البلديات بتحمّل مسؤولياتها في إقفال القرى والبلدات وابتداع آليات يعمل بها في كل العالم اليوم، لتسيير أمور الناس حتى يمكن تجاوز الأزمة؟
هذه الحكومة، اليتيمة والمستقيلة، صارت مسؤولة عن كل ما يجري الآن في ما خصّ مواجهة وباء كورونا، وهي مهمة تخصّها ولا علاقة للآخرين بها، ولا يمكن لرئيسها أو الوزراء فيها إلقاء اللوم على القوى السياسية وعلى الآخرين وعلى التدخلات الخارجية. حتى القروض الدولية التي يمكن استعمالها لمواجهة كورونا يختلفون على طريقة التعامل معها…
ليس أمام هذه الحكومة إلا أن تستقيل من مهمة تصريف الأعمال، ويعلن رئيسها كما الوزراء إقفال أبواب منازلهم على أنفسهم، وإجبار القوى السياسية على إيجاد الحل السياسي السريع، أو أن تواجه الحقيقة الخاصة بمعركة الوباء، من دون الوقوف على خاطر مواطن أو سياسي أو تاجر أو حتى قانون!
لبنان يحتاج اليوم الى إغلاق تام، يرافقه تغيير حقيقي في يوميات الناس، وتوقف المسؤولين في أي موقع كانوا فيه عن مزاولة حياتهم بشكل طبيعي، وغير ذلك، يصبح الجميع شريكاً في الجريمة الكبرى التي تصيب الناس، من دون تفريق أو تمييز جندري أو طبقي أو طائفي أو مذهبي.
اعملوا، أو استقيلوا من تصريف الأعمال وارحلوا!