مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة الجمعة لهذا الأسبوع مباشرة عبر أثير “اذاعة لبنان” أسف فيها على أنه “بعد قرن كامل انكشف البلد عن استبداد ونظام طائفي وفساد سياسي مالي اقطاعي هو الأخطر على الإطلاق، والآن البلد يلفظ أنفاسه بسبب مجموعة سياسية ومالية وإقطاعية نهبت الدولة، وخربت البلد، ولا زالت على غيها في الاستبداد والتسلط والتخريب، فيما الشعب اللبناني بأسره يكابد ويعاني ويدفع الثمن، وقد يكون هو المسؤول عما وصلت إليه أمور البلاد والعباد، وذلك وفق مقولة “كما تكونون يولى عليكم”.
وقال: “إن اللبنانيين ليسوا أبرياء مما هم فيه، بل هم مشاركون في الجريمة، لأنهم لم يحسنوا الاختيار، لأنهم وكلوا من لا أمانة لهم، وهم يعرفون ذلك، اللبنانيون شركاء في هذه الجريمة الوطنية الكبرى، لأنهم سكنوا، لأنهم خضعوا، لأنهم باعوا أصواتهم بوعود فارغة وشعارات كاذبة. وها نحن ندفع الثمن، نحن نأكل العصي ومن اخترناهم يعدون، نحن نجوع ومن اخترناهم متخمون، أكلوا أخضر اللبنانيين ويابسهم، من اخترناهم، أيها الإخوة، يعرفون ما يريدون ولكن نحن الناس، نحن الشعب الذي يساق كالنعاج يعرف أيضا ماذا يريد، ولكنه للأسف يوارب ويؤخذ بالتحريض والطائفية والمذهبية، جراء هذا النظام الفاسد، الذي ولد كل هذه الأزمات، ووضع اللبنانيين أمام الحائط المسدود الذي لا أفق له ولا حلول بوجود هذه المجموعة التي لا تلتفت إلى شعبها، ولا يعنيها كل ما يجري. وما نعيشه من أزمات ونكبات ونشهده من تفلت أمني ومن تشليح وسلب على الطرقات وسطو على المحلات وحالات قتل، ينذر بكثير من الانهيارات الأمنية والمجتمعية، ويؤشر إلى كوراث قد لا نخرج منها في المديات المنظورة”.
واعتبر قبلان أن “البلد والناس والدولة في ضياع تام، وليس هناك من جواب عند أحد”، وقال: “المحللون كثر، والمنظرون أكثر، ولكن صورة لبنان الغد، لبنان الوطن والدولة والقانون والكفاءة، لبنان الدولة المدنية العادلة لا تزال غامضة ومجهولة ومحتجزة في الغرف السوداء الإقليمية والدولية، ولا يمكن تظهيرها إلا من خلال وعي اللبنانيين وإدراكهم أن عيشهم المشترك بات يستوجب جهدا استثنائيا، وخروجا فعليا من دوامة الطوائف والحصص ولعبة تأمين المصالح والوصول إلى المناصب. نحن الآن أمام نكبة فعلية بسبب حسابات إقليمية ودولية ورهانات خارجية قد تلغي لبنان، لبنان التنوع. فاللبنانيون جاعوا، اللبنانيون على أبواب السفارات، اللبنانيون فقدوا ثقتهم بكل شيء في هذا البلد، فقدوا ثقتهم بالمسؤولين، بالسلطة، بالسياسيين بالمرجعيات، فقدوا ثقتهم بالمصارف التي أذلتهم ونهبت ودائعهم، فقدوا ثقتهم بالقضاء، وبكل هذه المنظومة الحاكمة التي لم تبق شيئا يدعو إلى التفاؤل، حتى الأمل سرقوه من اللبنانيين، وأدخلوهم في المجهول. وهم على الرغم من كل المصائب والبلاءات والانهيارات المالية والنقدية والاقتصادية، لم يغيروا شيئا في أنفسهم، ولا في نهجهم ولا في فسادهم، بل هم مصرون ومصممون على دفع ما تبقى من الدولة نحو السقوط والفوضى العارمة، والدليل على ذلك هو هذه العراقيل المصطنعة بوجه تأليف الحكومة التي تصدر من هنا وهناك، وهذه الشروط المرفوضة واللامقبولة في ظل هذا الوضع المتأزم والخطير الذي يشهده البلد ويعيشه اللبنانيون”.
وتابع: “ما يعني أن هناك جريمة موصوفة ترتكب بحق لبنان واللبنانيين من قبل من يفترض فيهم أن يكونوا حلقة وصل وتواصل بين جميع الأفرقاء، ومن أوائل المسهلين في عملية تشكيل حكومة باتت من أوجب الواجبات الوطنية والأخلاقية. وللأسف الشديد، لقد أصبحنا أمام واقع صح القول فيه “المسؤول يبحث عن حصته، والمواطن محروم من لقمته.
بكل هذه الأوضاع المأسوية التي نعيشها من حصار وعقوبات وضغوطات أمريكية وصهيونية، فيما شقيقنا الخليجي لا يزال يرى لبنان بعين واشنطن، وواشنطن ترى لبنان بعين تل أبيب، فيما بعض من في الداخل اللبناني لا يرى لبنان إلا كازينو ولعبة وكالات وأسواق محتكرة وودائع منهوبة وصفقات ومافيات اقتصادية ومالية وسياسية، وهذا أمر كارثي لا يجوز أن نسلم به، بل يجب علينا أن ننتفض عليه بكل إمكانياتنا، وأن نواجهه بمحاربة الفساد وبحركة إصلاحية تبدأ بنسف الصيغة الطائفية، بحكومة وطنية وإنقاذية بامتياز، تستطيع أن تخرجنا من سياسة المزرعة إلى سياسة وطن له حضوره ودوره الرسالي والإنساني في العالم. ولهذا نرفض محاولة تطويب الحكومة لهذا أو لذاك، ونؤكد على حكومة وطن لا حكومة حصص، حكومة تنقذ البلد لا حكومة استتباع أو إخضاع. وكل من يراهن على تفجير البلد والوصول به إلى حرب أهلية لحسابات التقسيم أو الفدرالية سيتفاجأ بحساباته الخاطئة، لأننا لن نقبل إلا بالثوابت الوطنية”.
أما عن المصالحة الخليجية الخليجية، فقال: “كنا نتمنى أن تخرج هذه المصالحة ببيان عداوة لإسرائيل، وأن تستسلم لحقيقة أن المنطقة لأهل المنطقة، وليس لواشنطن وتل أبيب، وأن تسارع بالتالي ليس إلى المصالحة مع الجمهورية الإسلامية فحسب بل إلى إعلان شراكة فعلية تحفظ المنطقة وتستعيد حقوقها المسلوبة، وتحميها من الأطماع الأمريكية والصهيونية”.
وتناول المفتي قبلان مخاطر “الجائحة الفتاكة”، وتوجه الى اللبنانيين قائلا: “احترزوا من هذا العدو الخفي، والتزموا بالتعليمات الطبية والتوجيهات الصحية. لا تستهتروا ولا تستخفوا، فالمسؤولية مسؤوليتكم قبل أي مسؤولية أخرى، والواجب الديني والأخلاقي والإنساني يفرض عليكم ألا تفرطوا وألا تكونوا مصدر أذية لأنفسكم وللآخرين”.
وختم: “مع نهاية حقبة ترامب غير المأسوف عليها، يفترض باللبنانيين أن يقرأوا جيدا خريطة مصالح بلدهم، ومهما حصل لن نتنازل عن كون لبنان هو بلد عيش مشترك وكرامة وطنية ومقاومة ظالمين ومحتلين، وسندافع عن خيارنا بكل ما نستطيع، وما لم تستطعه تل أبيب في الحرب لن تناله بالحصار ولا بالخنق المالي والاقتصادي… لبنان كان مجرد مزرعة مستباحة لدبابات تل أبيب فلم يستعد سيادته إلا المقاومة”.