الرئيسية / سياسة / عقدة الناقورة تفتح أبواب المغامرات

عقدة الناقورة تفتح أبواب المغامرات

مجلة وفاء wafaamagazine

مذهل هذا السبات العميق الذي يسيطر على الوضع اللبناني. والمذهل أكثر هو أن أحداً لا يقدّم تبريراً له: أين العقدة في ملف الحكومة؟ لماذا «غائبون عن الوعي» اقتصادياً ومالياً ونقدياً؟ وفي اختصار، لماذا يتفرَّج الجميع على «جهنم»، فيما هناك الكثير من تدابير «الحدّ الأدنى» يمكن اتخاذها؟

كتب جورج شاهين في الجمهورية

في رأي ديبلوماسي خبير، كل اللاعبين في الداخل يدركون أنّ البلد سائر إلى خياراتٍ سيتمّ اعتمادها عندما تنضج الظروف، وهي ستحدّد مصيره. وتالياً، أنّ مستقبل المواجهة الداخلية ستحدّدها نتائج النزاع الدائر بين المَحاور الإقليمية والدولية.

اللاعبون في الداخل إما أنّهم يلتزمون «كلمة سرّ» من الخارج، هدفها تكريس الاهتراء اللبناني، وإما أنّهم لا يجرؤون على المبادرة خوفاً من ارتكاب زلّات قَدَم يدفعون ثمنها غالياً.

والأكثر إثارة هو ملف تأليف الحكومة. فالتعثر الحاصل لا علاقة له بالخلافات حول الحصص والحقائب، والقوى الممسكة بالقرار قادرة في أي لحظة على ابتكار التسوية وفرضها على الجميع، كما تفعل غالباً. لكن القرار «العميق» هو: «فلتبقَ الحلول في لبنان عالقة حتى إشعار آخر».

أما في الخارج، فواضح أنّ ثلاثة لاعبين أساسيين يمتلكون القدرة حالياً على إحداث تغييرات في المعادلة اللبنانية: الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران. ويستطيع أي منها أن يخلط الأوراق في الداخل اللبناني.

ويراهن كثيرون على أنّ المفاوضات الموعودة بين واشنطن وطهران، مع وصول الرئيس جو بايدن، ستكون عاملاً أساسياً في رسم المسار في لبنان. لكن أحداً لا يستطيع تقدير متى تنطلق هذه المفاوضات، وكم تستغرق من الوقت، وهل تصل إلى نتائج، وكيف ستتمّ ترجمتها في لبنان؟

ولكن، في الموازاة، إسرائيل عامل أساسي. فالولايات المتحدة تتعاطى مع إيران ودورها في شرق المتوسط، انطلاقاً من متطلبات الأمن الإسرائيلي. وعندما يفاوض الأميركيون طهران على صواريخها وقدراتها العسكرية في لبنان، فإنّهم يفعلون ذلك نيابةً عن إسرائيل في الدرجة الأولى.

ولكن، وفي شكل مباشر، يضطلع الإسرائيليون بأدوار بالغة الخطورة داخل الساحة اللبنانية، سواء أمنياً، بزعزعة الاستقرار والضربات التي يسدّدونها أحياناً في لبنان، أو الحروب أو الاجتياحات، أو اقتصادياً بالسطو على الموارد في البرّ والبحر، أو بالضغط على لبنان في المفاوضات كما يحدث اليوم في الناقورة.

ويعتقد خبراء في شؤون الشرق الأوسط، أنّ لبنان سيشهد المزيد من الجمود والاهتراء السياسي والاقتصادي والمالي حتى تُحسم المعارك بين الأطراف الثلاثة (الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران). وقد تكون مصلحة أحد الأطراف أو أكثر، أن يبلغ لبنان حدود الاهتراء الكامل ليسهل إسقاط الحلول عليه.

وفي تقدير هؤلاء، أنّ إسرائيل تترصّد انطلاق المفاوضات بين الإدارة الأميركية الجديدة وطهران، وهي تعرف جيداً أنّ بايدن يمتلك تجربة واسعة في الشرق الأوسط، من موقع نائب الرئيس في عهد باراك أوباما، وهو سيلتزم تماماً مصالح إسرائيل الأمنية والسياسية والاقتصادية في أي اتفاق مع طهران.

وتالياً، تنتظر إسرائيل أنّ تتمّ مراعاة هذه المصالح في أي حلّ يجري اعتماده في لبنان، خصوصاً لجهة إبعاد الترسانة الإيرانية عن حدودها، وعن مرافقها الحيوية، ومنها مخزونات الغاز والنفط قبالة المتوسط، وتحديداً تلك التي أعلن لبنان أنّها جزء من ثروته المنهوبة.

فمفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل متوقفة منذ تشرين الثاني الفائت، بسبب تقديم لبنان خريطة تُوسِّع المنطقة البحرية التي يطالب بها إلى ما يزيد عن 1400 كيلومتر مربع فوق مساحة 865 كيلومتراً كانت محور تجاذب لسنوات. وكان متوقعاً أن يوقف الإسرائيليون مفاوضاتهم في وجه المطالب اللبنانية «الطموحة»، ويتضامن معهم الأميركيون.

لكن تجميد مفاوضات الناقورة ليس سوى تأجيل لانفجار المشكلة. وأياً يكن الحل الذي سيتمّ رسمه للبنان لاحقاً، فسيكون مطلوباً إن تُستأنف هذه المفاوضات وتفصل بين التشابكات الواقعة بين الطرفين في البحر، لأنّ ذلك حيوي أيضاً لتسهيل خط نقل الغاز المنوي إنشاؤه بين إسرائيل وأوروبا. والفرنسيون أبرز المستفيدين منه.

يخشى المراقبون، عندما يتشبث لبنان بالحق المبرز في الخريطة الجديدة، أن يتصاعد التوتر ويتخذ طابعاً أمنياً. وستكون الأحداث دراماتيكية إذا اعتبر «حزب الله» أنّ له الحق المشروع في ضرب المنشآت الإسرائيلية في البقعة البحرية اللبنانية المحتلة، كما له الحق براً في مزارع شبعا.

في هذه الحال، سيكون الموقف الإيراني مهمّاً. وتصعيد طهران سيكون علامة على فشل المفاوضات الأميركية- الإيرانية حول الملف النووي والتسلّح والنفوذ الإقليمي. وهو سيثير المخاوف من حرب إقليمية، أو على الأقل من مواجهة على البقعة اللبنانية بين إسرائيل و»حزب الله».

هذه المواجهة، وسط هذه المعطيات، يصعب أن تنتهي من دون حسم. وعلى الأرجح، هي ستفرض تغييرات جذرية في وضعية «اليونيفيل» ومضمون القرار 1701، وستدفع بـ»الحزب» إلى الواجهة ليترجم واقعياً إمساكه بقرار الحرب والسلم. وأساساً، يميل الأميركيون إلى «إيضاح» مهمّة «اليونيفيل»: إما أن تكون محدودة الفاعلية، فيقتصر عديدها على 2000 عنصر أو 3000، وإما أن تفعّل قوتها وتوسّع نشاطها ليشمل كل المناطق التي يحتاج فيها الجيش اللبناني إلى مساعدة.

وللتذكير، رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يستعد لخوض مواجهة صعبة في الانتخابات المبكّرة المقرّرة في 23 نيسان المقبل، وهي الرابعة خلال عامين. وثمة مخاوف من أن يجد في المواجهة مع «حزب الله» ورقة رابحة.

المشكلة أنّ المواجهة العسكرية مع إسرائيل، إذا حصلت، لن تؤدي فقط إلى تعميق الانهيار اللبناني ليبلغ نهايات كارثية، بل ستنقل الملف اللبناني بالكامل إلى أيدي اللاعبين الإقليميين والدوليين، وتكرّس الوصايات. ففي العادة، مَن يوقف الحرب تُعقَد معه الصفقات ويتقاضى الأثمان.