الرئيسية / منوعات / الخفاش “ماكينة” الفيروسات..لماذا؟

الخفاش “ماكينة” الفيروسات..لماذا؟

مجلة وفاء wafaamagazine

على مدار عقود طويلة، ارتبطت الخفافيش بانتشار كثير من الفيروسات القاتلة وأحدثها فيروس كورونا وفيروس «نيباه»، الذي حذّرت بعض المنظمات الطبية العالمية من إمكانية انتشاره خلال الفترة المقبلة رغم ظهوره قبل أكثر من 20 عاماً. ودفع ذلك كثيرين للتساؤل بشأن السر الكامِن وراء اشتراك حيوان الخفاش في انتشار الفيروسات القاتلة؟

لا بد من السؤال أولاً، هل هناك اختلاف في هذا الحيوان عن غيره من الكائنات الأخرى، ما يجعله وعاء للفيروسات وناقلاً لها؟

يفسر الباحثون والمتخصصون في الفيروسات وأمراض الحيوانات واللقاحات، تَردد اسم الخفاش في انتشار أي فيروس باعتباره ناقلاً أو مسبباً له، بالتأكيد على أن السر وراء ذلك هو الجهاز المناعي للخفاش والذي يختلف عن جميع الكائنات الأخرى ويجعله مستقبلاً لجميع الفيروسات وناقلاً لها، موضحين أن هناك مئات الأنواع من هذا الحيوان الطائر، لكلّ منها دوره في نقل فيروس معين

خفافيش الفاكهة الأكثر خطراً

باحث الفيروسات في جامعة لانكستر في إنكلترا، محمد رحيم، يؤكد أن الخفافيش تحتضن أكثر من 25 فيروساً، على رأسها عائلات كورونا ثم السعار ثم النيباه، وهي أعلى 3 فيروسات تستطيع الخفافيش نقلها بشكل واسع وسريع جدا. وأوضح أن هناك أكثر من نوع للخفافيش، منها خفافيش الفاكهة التي تنقل فيروس نيباه، والتي تختلف عن خفافيش عائلة فيروس كورونا، وتختلف أيضا عن الخفافيش الناقلة لفيروس السعار، وذلك لوجود سلالات مختلفة منها.

وأشار رحيم في حديثه إلى أن السبب وراء نقلها للفيروس أنها تفتقد العديد من الجينات المناعية التي تستطيع التعرّف الى الفيروسات، والتي تتواجد في معظم المخلوقات، مضيفا أنّ أي فيروس يستطيع الدخول والتكاثر بشكل واسع داخل الخفافيش. وأوضح أن جميع الفيروسات لا تتكاثر داخل الخفافيش من أول مرة، لكنها تستغرق وقتا للتأقلم والتكاثر داخل خلاياه، ومن ثم نقل العدوى للإنسان بصورة مباشرة أو من خلال عائل وسيط.

ولفت إلى أن مشكلة خفافيش الفاكهة تكمن في أنها تنقل الفيروسات بصورة مباشرة للإنسان لوجود احتكاك مباشر معه، وهو ما يجعل خطورتها ونسبة الوفيات التي تسببها أعلى عن غيرها. وهو ما أكده أيضا محمد عادل، باحث فيروسات في مركز بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية المصري. وأوضح أن الخفاش لديه استجابة مناعية شديدة للفيروسات، تؤدي إلى تكاثرها بشكل أسرع، ولذلك عندما تنتقل إلى الثدييات ذات الأجهزة المناعية المتوسطة، مثل البشر، فإنها تسبب مشاكل قاتلة.

وكشف عادل في حديثه عن أن السر وراء ذلك هو الجهاز المناعي للخفاش الذي لا يقاوم الفيروس لما لديه من استجابة مناعية أعلى توفّر خلايا محمية من العدوى فلا تظهر عليه أعراض الإصابة، باعتباره من أكثر الثدييات التي تفرز مادة الإنترفيرون التي تنشط وتستعدي خلايا مواجهة العدوى.

وأكد أن الخفاش هو مركز تدريب للفيروس، ويؤهله ويطوره وتخرج منه فيروسات جديدة. وذكر أن ذلك بسبب أن الخفاش لا يهاجم الفيروس ويتركه داخل الجسم، ما يحوّله إلى وعاء لعدد مهول من الفيروسات، موضحاً أن جسم الخفاش هو وعاء حاضن لعدد مهول من الفيروسات وليس فقط وعاء لبقاء الفيروسات وتكاثرها.

وبالمقارنة مع الحيوانات الأرضية، فإنّ العمر الافتراضي للخفافيش طويل، وتعيش بأشكال مزدحمة فى ملايين الكهوف، ما يعني أنها ربما تتلامس مع مزيد من الفيروسات، وتنتقل بسهولة بينها، بالإضافة إلى أنها تعيش في جميع القارات، باستثناء القارة القطبية الجنوبية.

مصدر الشر البيولوجي

وفي السياق ذاته، وصف علاء الخولي الباحث المصري في الهندسة الوراثية للفيروسات بمركز البحوث الزراعية، الخفاش بأنه مصدر الشر البيولوجي لنقله عددا من الفيروسات المميتة للإنسان في عدة دول.

وأشار في حديثه إلى أن فيروس كورونا «سارس»، المسبب للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة الذي ظهر في 2003 بعد أول إصابة للإنسان في هونغ كونغ بالصين كان مصدره الخفافيش، وانتقل للإنسان بواسطة السيفيت أو النمس الصيني، وكذلك فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط «ميرس»، الذي اكتُشف للمرة الأولى في المملكة العربية السعودية عام 2012، ورُجّح أن مصدره الخفافيش وانتقل للإنسان عن طريق الإبل.

وبحسب دراسة لجامعة كاليفورنيا، نشرت في دورية «إي لايف»، فإنّ الخفاش لديه استجابة مناعية شديدة للفيروسات، تؤدي إلى تكاثرها بشكل أسرع، ولذلك عندما تنتقل إلى الثدييات ذات الأجهزة المناعية المتوسطة، مثل البشر، فإنها تسبب مشاكل قاتلة.

جهاز مناعي فريد

وذكر يحيي مدبولي، باحث الفيروسات المصري، أن الجهاز المناعي للخفافيش فريد من نوعه، لأنه يسمح للفيروسات بالتكاثر فيه بقدر ضعيف من المقاومة وبدون ظهور أعراض، وهذا ما يحول جسم الخفاش إلى «ماكينة» تدخل فيها العديد من الفيروسات وتتكاثر. وأوضح في حديثه أنّ جهازه المناعي يتفرّد بسبب كونه حيوان من الثديّات ويطير في الوقت نفسه، لافتا إلى أن تكاثر الفيروسات بدون مقاومة داخل الخفاش يسمح لها بالتحور والتغير.

بدوره، قال أمجد الخولي، استشاري الأوبئة في منظمة الصحة العالمية، إنه تم إجراء الكثير من الدراسات في محاولة لمعرفة الأسباب التي تجعل الخفاش أحد المصادر الرئيسة للفيروسات المستجدة التى تصيب الإنسان. وأوضح أن معظم هذه الدراسات خلصت إلى أن الخفاش هو من أكثر الحيوانات البرية التي يمكن أن تنقل الفيروسات للإنسان.

عن Z.T