مجلة وفاء wafaamagazine
لا يخفى أن الأزمة المالية التي تعيشها أندية كرة القدم من جرّاء تفشي وباء «كورونا» وقتله الدورة التجارية للعبة، ستترك آثارها السلبية فيها لسنواتٍ طويلة، ما يستوجب حلولاً تلتقي مع الواقع المفروض، ومنها فتح المجال أمام المزيد من الرعاية على القمصان، ولو أنها قد تصبح على صورة سيارات الفورمولا 1 المليئة بالإعلانات
لم ترحم جائحة «كورونا» أندية كرة القدم حول العالم، لا لأنها عطّلت بطولاتها أولاً، ولا لأنها أصابت لاعبيها وكوادرها ثانياً، ولا لأنها أبعدت جمهوراً ثالثاً، بل لأنها أصابت هذه الأندية في الصميم من خلال تقليصها لأرباحها المالية وتعطيلها لمشاريعها التسويقية ولأعمالها التجارية، ما أثقل كاهلها مالياً وقلّص من حجم إنفاقها وعطّل خططها التطويرية للمستقبل.
أما الأمر الواضح والأكيد، فإن أندية كرة القدم في أوروبا تحديداً، والتي سبق أن أطلقت جرس الإنذار واتخذت إجراءات عدة كتقليص حجم رواتب لاعبيها، ستلجأ في وقتٍ قريب إلى البحث عن آفاقٍ جديدة، بغية رفع مستوى أرباحها من جديد ودعم خزينتها المالية بمبالغ تساعدها في الحفاظ على مستواها الفني وعلى بقائها.
لذا فإن آليات مختلفة ستفرض هويةً مختلفةً لها. ومن الآليات التي قد تكون ناجحة واحدة مقتبسة من رياضة أخرى ناجحة بامتياز على هذا الصعيد، وهي ترتبط تحديداً باستغلال قميص اللاعبين لجذب رعاة أكثر، وبالتالي الحصول على مبالغ أكثر، وهي آلية نجحت في سباقات الفورمولا 1 على وجه التحديد عندما تحوّلت السيارات إلى مساحة إعلانية مختلفة الأشكال، فحصدت الفرق أرباحاً كبيرة من جراء هذا الأمر.
وبالتأكيد يمكن لفرق كرة القدم النسج على المنوال عينه، ولو أنه بالنسبة إلى بعضها يُعتبر القميص مقدّساً، فرفضت فرق مثل برشلونة الإسباني لسنوات طويلة وضع أي إعلان على قمصانها، حتى وجدت نفسها في الأعوام القريبة الماضية مضطرةً إلى تغيير هذا النمط، فقبلت عقود الرعاية التي درّت عليها الملايين ورفعت من قيمتها على مختلف المستويات.
القمصان لوحات إعلانية
عادةً تزيّن فرق كرة القدم قمصانها براعٍ أساسي يتوسّطها من الأمام، بينما قد تتعاقد مع رعاةٍ ثانويين يجدون أسماءهم على الأكمام لكن بحجمٍ صغير، أو في الخلف، وهي الفكرة غير الشعبية بالنسبة إلى الأندية التي تفضّل وضع أسماء لاعبيها فقط لا غير في هذه المساحة.
لكن في ظل الوضع المالي الصعب التي تعيشه الأندية، لا بدّ من الذهاب إلى التفكير في كيفية استغلال القميص وحتى السراويل، على غرار ما فعلت فرق عديدة في النمسا سابقاً على سبيل المثال لا الحصر، حتى بدا اللاعبون كأنهم لوحات إعلانية متنقلة. خطوةٌ أفرزت الكثير من المال وأنعشت «البوندسليغا» النمسوية التي لا يمكنها أصلاً أن تجذب رعاة بحجم ما تجذبه فرق البطولات الكبرى، ما يعني أن هذه الأخيرة يمكنها جني الملايين في حال ذهبت إلى توجّهٍ جديد ومدروس.
والأكيد أن الأمر لا يرتبط بالفرق الكبرى أكثر من الصغرى، بل إن هذه الفرق بالتحديد هي ما تحتاج إلى خطةٍ من هذا النوع، إذ إن نادياً مثل ريال مدريد الإسباني لن يستصعب إيجاد التمويل، إضافةً إلى حظوظه العالية غالباً في حصد الألقاب التي تمنحه أرباحاً مالية كبيرة، لكنّ فريقاً مثل غرناطة يحتاج إلى خطة «ب» في سعيه لجذب الأموال وخلق الاستقرار المالي لكي يتجنّب الأسوأ لاحقاً.
قد يخفي «كورونا» عدداً كبيراً من الأندية مستقبلاً بسبب تأثيراته السلبية في أوضاعها المالية
ومسألة جذب رعاة جدد للقمصان لا تبدو صعبة حالياً، إذ إن غياب الجماهير عن الملاعب وبقاءهم في الحجر الإلزامي، جعلا من كرة القدم بالنسبة إليهم الوجهة الأولى لملء الفراغ الذي يعيشونه، ما يعني أن اللعبة هي أرض خصبة للإعلان الذي توقف في بعض الملاعب بسبب عجز شركات كثيرة عن دفع قيمة العقود المتفق عليها، بعد دخولها في دوامة أزمة «كورونا» التي أرخت بظلالها حتى على سوق الانتقالات، والدليل ذهاب نادٍ مثل آرسنال الإنكليزي مثلاً إلى حصر نشاطه باستعارة اللاعبين دون شرائهم، لافتقاده العملة الضرورية في «الميركاتو».
أسعار أرخص ورعاة أكثر
إذاً تبدو بعض الأندية في حالة يائسة لإيجاد مصادر تمويلية جديدة، ما قد يغيّر من صورتها مستقبلاً، وهو أمر متوقّع أصلاً، لأن فيروس «كورونا» بدّل جوانب الحياة كلها، وقد تخفي تأثيراته السلبية عدداً كبيراً من الأندية، وخصوصاً في الدرجات الدنيا.
هذه الأندية تحديداً تعتمد على دعم رعاةٍ لا يجنون الأرباح، كما تفعل الشركات العالمية الضخمة. لذا فإن الحلّ في ظل شحّ الموارد هو عرض مساحةٍ على القمصان بسعرٍ أرخص من المعتاد، وبالتالي جذب رعاة أكثر، تماماً كما فعلت فرق الفورمولا 1 التي تأخذ مبلغاً أقل عند وضع أسماء رعاة معيّنين على ملابس السائقين، مقارنةً بما تأخذه عند وضع اسم الراعي على السيارة التي تظهر أكثر على شاشة التلفزيون خلال نقل السباقات.
صحيحٌ أنه بالكاد نرى شعار فريق الفورمولا 1 على ملابس سائقيه بسبب كثرة الإعلانات، وهو أمر قد يرفضه الكرويون، لكنه حلّ ناجع بلا شك بالنسبة إلى المترنّحين مالياً؛ فأن يَدفع لهم أحدهم الآن أفضل من أن يدفعوا الثمن لاحقاً.
هذا المشهد الذي يمكن تخيّله سيرفضه البعض طبعاً للحفاظ على هوية القميص وألوانه، لكن قد يمكن اعتباره حلاً مؤقتاً لا دائماً، أقله حتى عودة الجمهور الذي يؤمّن أكثر من نصف مدخول الأندية سنوياً، ففي نهاية المطاف الكل يعرف أن الرياضة وكرة القدم خصوصاً ذاهبة إلى أزمةٍ كبيرة في حال بقيت الجائحة لفترةٍ طويلة.
فكرةٌ قيل إن أندية إنكليزية عديدة في الدرجات الدنيا بدأت بالعمل عليها، فهي غالباً تعتمد على الرعاة المحليين من أبناء المدن الصغيرة بمعظمها، فبدأت تشعرهم بأن لديهم واجباً مناطقياً يحتّم عليهم دعمها والمساهمة في إنقاذها، وما يجذب الجدد منهم الآن هو عدم مطالبة الأندية بمبالغ ضخمة أو لا تتناسب مع الواقع العام حيث الصعوبات المالية حاضرة في كل مؤسسة تقريباً.
أما الأندية الكبيرة فيفترض عليها البدء بالتفكير أيضاً في الخطوة نفسها، إذ إن مؤشرات كثيرة تشير إلى خطورة تحيط بشركات راعية كبيرة قد تتخلّف عن الدفع أو قد تختفي عن خارطة الرعاية بسبب الآثار السلبية لـ»كورونا» على أنشطتها، ففي النهاية، وكما يقول المثل: «الكحل أحلى من العمى».
الاخبار