مجلة وفاء wafaamagazine
في موازاة المحاولات الفرنسية لفتح نوافذ في الجدار الحكومي المقفل توصل الى تشكيل حكومة المبادرة الفرنسية، يبدو أنّ ثمة إرادة داخلية لتفشيل هذا المسعى وسدّ كل مسارب الفرج، وإبقاء البلد في قبضة التعطيل، مع ما يترتب على ذلك من تفاقم خطير للأزمات التي تضرب كل مفاصله.
في هذه الأجواء، تمنّى البابا فرنسيس «أن يشهد لبنان التزامًا سياسيًا وطنيًا ودوليًا، يساهم في تعزيز الاستقرار، في بلد يواجه خطر فقدان هويته الوطنية والإنغماس داخل التجاذبات والتوترات الإقليمية».
وبحسب ما نقل موقع «فاتيكان نيوز»، فإنّ البابا شدّد في كلمة له أمام السلك الديبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي على «ضرورة أن تحافظ بلاد الأرز على هويتها الفريدة، من أجل ضمان شرق أوسط تعدّدي متسامح ومتنوع، يقدّم فيه الحضور المسيحي إسهامه ولا يقتصر على كونه أقلية وحسب».
وأكّد البابا فرنسيس، «أنّ إضعاف المكوّن المسيحي في لبنان يهدّد بالقضاء على التوازن الداخلي»، لافتاً أيضاً إلى أهمية معالجة المشاكل المرتبطة بحضور النازحين السوريين والفلسطينيين، كما حذّر من مغبة انهيار البلاد اقتصادياً. ودعا الزعماء السياسيين والدينيين إلى «وضع مصالحهم الخاصة جانباً والالتزام في تحقيق العدالة وتطبيق الإصلاحات، والعمل بطريقة شفافة وتحمّل نتائج أفعالهم».
توترات مفتعلة
وإذا كان الفرنسيون قد اخذوا على عاتقهم محاولة افادة لبنان من الفرصة الإنقاذية التي أتاحوها للبنانيين عبر المبادرة الفرنسية، واعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بأنّ فرنسا ستبقى الى جانب لبنان ولن تتخلّى عن شعبه، فإنّهم يُقابَلون من الداخل اللبناني بما قد يقطع عليهم حماستهم في التصدّي للملف اللبناني، عبر افتعال توترات سياسية في كل الاتجاهات، وقطع ما تبقّى من شعرات واصلة في العلاقات المهتزّة اصلاً، بين القوى السياسية، وهو الامر الذي يجعل من امكانية توفير مساحات مشتركة حول الملف الحكومي، تُبنى عليها حكومة توافقية ولمهمة إنقاذية، ضرباً من المستحيل.
المشهد الداخلي، وبما يعتريه من توترات، يشي بأنّ تأليف الحكومة خارج سياق الاولويات لدى بعض المعنيين بهذا الملف. ولعلّ ما يخشى منه المواكبون لهذا الملف وتعقيداته، وما استجد، ويستجد حوله من تسخين يبدو متعمّداً، لكل الجبهات السياسية، وإخضاعها للغة السجال العنيف وصبّ الزيت على نار الخلافات القائمة على كل العناوين والتفاصيل وكذلك المعايير، ان تصطدم المساعي الفرنسية بفشل جديد، يعيد الامور في البلد الى ما دون نقطة الصفر التي يقف عليها حالياً، ما ينذر بسيناريوهات كارثية لن يملك احد القدرة على احتواء تداعياتها.
فرز سياسي
وسط هذا الجو، وعلى ما تقدّر مصادر سياسية لـ»الجمهورية»، فإنّ المسعى الفرنسي مهدّد، كونه يتواكب مع واقع لبناني منقسم على ذاته، بين من يريد للمبادرة الفرنسية أن تسلك طريقها الى النفاذ، وبين من يريد أن يقطع عليها الطريق، وحتى ولو كانت قوة الدفع الفرنسية في اتجاه انجاح المبادرة أقوى هذه المرة مما كانت عليه، مع اعلانها آخر آب الماضي، فإنّ نقطة ضعفها او فضلها، تتجلّى في أنّها قد لا تجد من يتلقفها، في بلد يبدو الإنقسام فيه اقوى من كل الوساطات والمبادرات، وبات مفروزاً سياسياً بالكامل بين جبهات متصادمة، بدءاً بالصدام العميق بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، ومن خلفها الاشتباك العنيف بين «لتيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، وكذلك بالعلاقة التي صعدت الى ذروة التأزم بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ومن خلفها الاشتباك السياسي الناري بين «التيار» وحركة «أمل»، إضافة الى العلاقات الصدامية للتيار مع «القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» وتيار «المردة»، وصولاً الى العلاقة التي بدأت تشهد اهتزازاً وتفسّخاً ملحوظاً بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله».
ومن هنا، وبحسب المصادر، قد يستحيل على أي جهد او مسعى خارجي لتأليف الحكومة، أن يتمكن من عبور هذا الجو المقفل، خصوصاً أنّه ما زال آيلاً لأن يتفاقم أكثر، مع استمرار التراشق على اكثر من جبهة، وإصرار بعض الجهات الداخلية على توسيع مروحة الاشتباكات مع كل الاطراف. وهو امر يعني في هذه الحالة، أنّ تأليف الحكومة معلّق على خط التوتر العالي، ما ينذر بترحيله أشهراً إلى الامام، وهذا معناه بقاء البلد في حالة دوران في حلقة الازمات وتداعياتها الخطيرة.
الى الشارع
وتبعاً لهذا المشهد الملبّد بالغيوم السياسية الداكنة، بدأ الحديث يتصاعد في اوساط سياسية وحراكية، عن مرحلة صعبة سيُقبل عليها البلد في الآتي من الايام، والكلمة فيها ستكون للشارع، بتحركات نوعية وصادمة في وجه الطبقة الحاكمة التي تسدّ كل منافذ الحلول، وتمعن في الإصرار على نهجها الذي أضرم نار الأزمة. ولعلّ ما اشار اليه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حول هذا الموضوع، يعكس نبض الفئات الشعبية التي فاض بها، ولم تعد قادرة على السكوت على الجريمة التي يرتكبها الحكّام بحق لبنان واللبنانيين.
وكشفت مصادر حراكية لـ»الجمهورية»، عن مشاورات ولقاءات تجري على اكثر من مستوى حراكي، تبحث في التحضير لحراك نوعي في وجه الفاسدين والمرتكبين، وقالت: «هذه المرة سيكون الغضب عارماً، واللبنانيون سينزلون الى الشارع لمحاسبة حكاّم السلطة، ولن يقبلوا ان يدفعوا ثمن سياساتهم بإفلاس اللبنانيين وافقارهم وقهرهم».
قلق على لبنان
الى ذلك، «علمت الجمهورية» أنّ الملف الحكومي، ومنذ اعلان الرئيس ماكرون عزمه على التحرّك تجاه لبنان، يخضع لمشاورات ديبلوماسية عربية واوروبية انطلاقاً من دعم المبادرة الفرنسية، مع التأكيد المتجدّد على القادة اللبنانيين بتلقف الفرصة التي تتيحها هذه المرة، وخصوصاً انّها تنطلق من رغبة فرنسية شديدة لتطبيقها، وبدعم اميركي أكيد لها، وتناغم عربي جدّي هذه المرة معها.
وقالت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية»، انّ الأجواء الديبلوماسية العربية والغربية ترسم علامات غير مشجعة حيال تعاطي بعض المعنيين بملف تأليف الحكومة، مع الجهد الخارجي، وتحديداً الفرنسي، لبلورة حلول للأزمة في لبنان. حيث لم يقدّم هؤلاء ما يؤكّد تجاوبهم حتى الآن، ونرى ذلك في مقاربتهم للملف الحكومي على قاعدة الشروط المتبادلة لتثبيت مواقع ومصالح، ومعايير لا ترقى الى حاجة لبنان الى الخروج من واقعه الصعب وتأليف حكومة سريعاً تباشر في مهمة الإنقاذ. وكل ذلك يعزز القلق على لبنان وانحدار وضعه الى صعوبات اكبر.
وبناءً على هذه الاجواء، كشفت المصادر الموثوقة، أنّ فرنسا لم تلمس بعد اشارات لبنانية متناغمة مع مسعى ماكرون، فيما مصر تدفع بكل ثقلها لئلا يدفع الشعب اللبناني ثمن الأزمة، والإمارات وغيرها من دول الخليج ترغب في المساعدة، انما الشرط الاساس لكل ذلك هو ان يبدي المسؤولون في لبنان دليلاً حسياً على انّهم يريدون فعلاً وبصدق، ان يساعدوا هذا البلد.
تحرّك قطري
وفي سياق متصل، أعلنت السفارة القطرية في بيروت، انّ نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن ال ثاني، سيزور لبنان اليوم، حيث سيعقد مؤتمراً صحافياً في القصر الجمهوري في بعبدا، بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
ووصفت مصادر ديبلوماسية عربية وغربية الزيارة، بأنّ لها نكهة خاصة في هذه المرحلة بالذات، فهي تأتي بعد انقطاع لفترة طويلة، تزامناً مع الغياب الديبلوماسي الخليجي عن لبنان، والذي قطعته زيارات وضعت تحت عناوين انسانية وطبية، بعد انفجار المرفأ في 4 آب الماضي.
وعلمت «القبس» من مصادر مطلعة، أن وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبدالرحمن، سيحمل خلال زيارته المقررة إلى بيروت اليوم الثلثاء مبادرة لجمع الأطراف اللبنانية على طاولة حوار في الدوحة.
وأشارت المصادر إلى أن الجانب القطري لن يعلن عن مبادرته إلا بعد موافقة كل الأطراف اللبنانية على المشاركة في الحوار، مشيرة إلى تلقّي الجانب القطري موافقة مبدئية من غالبية القوى السياسية اللبنانية، لا سيما «حزب الله» وفريق الرئيس ميشال عون.
ولم تستبعد المصادر أن يتم الحديث عن تقديم دعم مالي إلى لبنان، الذي يعاني من أزمة سياسية حادة وأزمة مالية وإقتصادية زادت حدتها بفعل تداعيات وباء كورونا وانفجار مرفأ بيروت.
ولقاءات للسفير السعودي
تزامناً وزيارة المسؤول القطري، كشفت مصادر ديبلوماسية، انّ السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الذي عاد اليها قبل ايام قليلة، قد بدأ سلسلة من اللقاءات الديبلوماسية مع نظرائه العرب والخليجيين، في اطار حملة ديبلوماسية واسعة لم يكشف عن اهدافها خارج اطارها الاستشاري والاستطلاعي، وهي ستشمل في الساعات المقبلة كلاً من السفيرتين الفرنسية والاميركية في بيروت.
لا مساعدات
هذه الأجواء تتواكب مع اجواء مماثلة نقلها اعضاء في الهيئات الاقتصادية، عن مسؤول كبير في مؤسسة مالية دولية، الذي جاء بـ»كلام كبير» ضدّ بعض المسؤولين، مستنكراً كيف انّ السياسيين في لبنان يحاولون ان يخدعوا المجتمع الدولي، ويهربون من الاستجابة لمتطلبات إنقاذ لبنان بإمعانهم على شراء الوقت، ما يعزز القناعة لدى كل المجتمع الدولي، بأنّ غاية هؤلاء الحكام ليس تأليف حكومة تباشر عملية طويلة وشاقة في الاصلاحات وتنهي منطق المحاصصة وتحقيق المكاسب الذي ادّى الى تفاقم الازمة في لبنان».
واكّد المسؤول عينه «انّ مشكلة لبنان اليوم، ليست في ازمته الصعبة فقط، بل في لامبالاة المسؤولين فيه، مع علمهم أنّهم بلامبالاتهم، يدفعون المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية الى أن يكون أكثر تصميماً على حجب المساعدات عن لبنان. وقال: «هناك توجّه لدى المجتمع الدولي في زيادة المساعدات الانسانية للشعب اللبناني، وهذا الامر يشكّل اولوية، ولكن لا مساعدات اقتصادية ومالية للدولة اللبنانية طالما ظلّ المسؤولون يرفضون ويتهرّبون من اجراء اصلاحات».
وبحسب المصادر، فإنّه عندما قيل للمسؤول المذكور بأنّ تعاطف المجتمع الدولي يعكس قراراً بعدم السماح بانهيار لبنان، سارع المسؤول الى القول: .. ولكن مع الأسف، القادة اللبنانيون يعملون على ذلك. فالدولة اللبنانية في حالة تآكل، واللبنانيون وضعهم صعب جداً، وقلقون على مستقبلهم، وهناك هروب متواصل من تشكيل حكومة، وهذا معناه الهروب من الاصلاحات المطلوبة لحماية مصالحهم ومكتسباتهم وشراكتهم في الفساد، وبالتأكيد فإنّ استمرار الوضع على ما هو عليه، وبقاء السياسيين يتصرفون على هذا النحو الذي يغلّبون فيه مصلحتهم على مصلحة لبنان، سيجعلان وضع لبنان ميؤوساً منه بالكامل، وستحلّ فيه مصاعب لا تُحتمل».
«امل» و»التيار»
من جهة ثانية، يشهد الخلاف بين حركة «أمل» و»التيار الوطني الحر» تصاعداً في وتيرته، حيث أكّد المكتب السياسي لحركة «أمل» انّ «امام اصرار البعض على تجاوز روح ونص الدستور وخلق اعراف وقواعد جديدة في ادوار المؤسسات ورئاساتها على متابعة مبادرة الرئيس نبيه بري الانقاذية، التي تشكّل بآلياتها ومندرجاتها المخرج العملي للوصول الى انجاز تأليف الحكومة العتيدة للقيام بالإصلاحات المالية والادارية والاقتصادية، التي لم يعد هناك متسع من الوقت لإنجازها قبل الانهيار الشامل».
ودعا «مدّعي الإصلاح وشعارات التغيير الى مراجعة مواقفهم، والالتفات إلى مكامن الخلل الاساسي في تطبيق القوانين التي أنجزها المجلس النيابي، الذي ما تأخّر عن القيام بدوره التشريعي في إقرار القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد والتدقيق الجنائي في كل ادارات ومؤسسات الدولة، ابتداء من وزارة الطاقة».
وتابع: «المطلوب ان يتعظ المعنيون وان يعودوا الى رشدهم الوطني، وينتبهوا بأنّ كثيرين من المخلصين الذين يقدّمون مبادرات مؤسسة على مصلحة الوطن، يفترض ان يلاقوا تجاوباً ومدّ يد في مقابل اليد الممدودة، والتوقف عن (النكد السياسي) المبني على توهمات غير دقيقة، ولا يمكن ان تنتج الّا المزيد من التعقيد للأزمة بكل وجوهها، في لحظة لا تحتمل المزيد من هدر الوقت والفرص، واضاعة المبادرات في متاهات النقاشات العقيمة التي لم تعد تعني المواطنين، لا بـ»الحصص» ولا بـ»الارقام»، بقدر ما يعنيهم قيام الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها. وعلى المعنيين ان ينتبهوا الى انّ كثيراً من دول العالم ترغب بمساعدة لبنان، ولكن على اللبنانيين اولاً ان يبدأوا بمساعدة انفسهم، بالخروج من شرنقة المصالح الضيّقة والانفتاح نحو حلول ناجعة لإنقاذ الوطن».
وكان وفد من التيار قد زار بكركي امس، والتقى البطريرك الراعي. وقال الوزير السابق منصور بطيش، إنّ البحث مع البطريرك كان «في ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ ذات صدقية عالية ووفق مندرجات المبادرة الفرنسية». مشيراً إلى انّ «الحلول يجب أن تأتي من الداخل، والعيش المشترك يتطلب أن نتعاون للوصول الى هذه الحلول»، وقال: «رئيس الجمهورية حريص على تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن وفق القواعد الوطنية، وعلى الرّئيس المكلّف أن يقصد بعبدا ويتشاور مع عون».
«التيار» و «الحزب»
الى ذلك، الصفعة السياسية التي وجّهها «التيار الوطني الحر» في اتجاه «حزب الله» بإعلانه «أنّ تفاهم مار مخايل بينهما لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون. وان تطويره باتجاه فتح آفاق وآمال جديدة أمام اللبنانيين هو شرط لبقاء جدواه، اذ تنتفي الحاجة إليه إذا لم ينجح الملتزمون به في معركة بناء الدولة وانتصار اللبنانيين الشرفاء على حلف الفاسدين المدمّر لأي مقاومة أو نضال». ما زالت في دائرة التفاعل السلبي لدى «حزب الله».
وفيما لوحظ انّ الحزب لم يرد على بيان التيار، اكّدت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية»، انّ «موقف التيار كان له أثر شديد السلبية في اوساط الحزب، حيث طُرحت تساؤلات عن الغاية التي يريدها التيار من إثارة هذا الامر في هذا الوقت بالذات. ولمن يوجّه رسالته، هل الى الداخل او الى الخارج».
نجم
من جهة ثانية، بحثت وزيرة العدل في حكومة تصريف الاعمال ماري كلود نجم أمس، مع السفيرة الاميركية دوروثي شيا في قضايا ثنائية، وفي التحقيق في مقتل الناشط السياسي لقمان سليم وأهمية محاسبة مرتكبي الجريمة، وغيرها من القضايا العالقة من دون تأخير أو استثناء، بحسب ما أفادت سفارة الولايات المتحدة في لبنان. وكانت نجم قد إستقبلت أيضاً السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو.
الجمهورية