مجلة وفاء wafaamagazine
تنتهي غداً المهلة التي حدّدتها إيران لتعليق العمل بـ«البروتوكول الإضافي»
تحتاج بلورة المسار الدبلوماسي الذي افتتحته إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لخرق حالة الجمود في الملف النووي الإيراني، إلى بعض الوقت حتّى تتضح نيّات البيت الأبيض الراغب في صفقةٍ موسّعة مع الجمهورية الإسلامية ترضي جمهوريّي الكونغرس وحلفاءه الإقليميين الذين يفضّلون الاستمرار في تطبيق “الضغوط القصوى” حتّى تتنازل طهران أوّلاً. وعلى رغم انقضاء أجل هذه السياسة التي أثبتت عدم نجاعتها، إلّا أن التشبُّث بآمال دبلوماسية يستلزم الكثير من الحذر الذي تبديه إيران إزاء أيّ خطوةٍ تُقدِم عليها أميركااستبقت إيران الصحوة الدبلوماسية الأميركية، بتحديد شرطها للعودة إلى الامتثال الكامل بموجب الاتّفاق النووي، والقاضي بتراجع الولايات المتحدة عن سياسة «الضغوط القصوى» ورفع كامل العقوبات التي أُعيد فرضها تحت سقفها. إصرار طهران هذا، معطوفاً على تفكُّكها من الالتزامات التي يفرضها الاتفاق، قلّص هامش المناورة لدى الإدارة الجديدة، ليكشف ما إذا كانت الأخيرة تنوي بالفعل تفعيل سياسة «ربط النزاع» في المنطقة، والعودة إلى صفقة عام 2015 التي تخلّى عنها دونالد ترامب. غير أن «الإشارات الرمزية» لا تبدو كافية في خضمّ التعقيدات الكامنة؛ فالمطلوب، بدلاً منها، خطوات عمليّة تجلّي النيات الأميركية، كما سبق أن أكّد المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي.
الحذر الذي تبديه طهران، لا يخفي، على أيّ حال، استحداث إدارة جو بايدن مساراً دبلوماسياً من شأنه أن يخرق حالة الجمود المتراكم في الملفّ الإيراني، في ظلّ إبداء الولايات المتحدة استعدادها للمشاركة في مباحثات سيُنظّمها الاتحاد الأوروبي، لإحياء الاتفاق النووي في إطار مجموعة «5+1». وهي خطوةٌ ردّ عليها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بتجديد الدعوة إلى الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2231، عبر «رفع الولايات المتحدة بشكل غير مشروط وفاعل كلّ العقوبات التي فُرضت أو أُعيد فرضها أو أُعيدت تسميتها من قِبَل ترامب. وعندها، سنعكس فوراً كلّ الإجراءات التعويضية التي اتّخذناها» اعتباراً من منتصف عام 2019، وشملت التراجع عن العديد من الالتزامات الأساسية بموجب الاتفاق، ردّاً على الانسحاب الأميركي منه. وتنتهي غداً المهلة التي حدّدتها الجمهورية الإسلامية لتعليق العمل بـ»البروتوكول الإضافي» الملحَق بمعاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، في حال عدم رفع أميركا للعقوبات، وهو ما يفرض تقييد بعض جوانب نشاط مفتّشي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» التي أكّدت تبلُّغها من طهران دخول الخطوة حيّز التنفيذ في الـ 23 من الشهر الحالي، التزاماً بالمهلة التي حدّدها قانون «الإجراءات الاستراتيجية لرفع العقوبات».
يؤرّق هذا الإجراء الدول الغربيّة المُوقِّعة على الاتفاق، والتي دعت إيران إلى تقييم «عواقبه» وخصوصاً في هذه اللحظة التي تسنح فيها «فرصة للعودة إلى الدبلوماسية». إذ يمكن مثل هذه الخطوة، بنظر هؤلاء، أن تقضي على الاتفاق النووي تماماً، ولا سيما أنها تُتوّج تصعيداً نووياً بدأ مطلع العام الجاري، بقرار رفع تخصيب اليورانيوم إلى 20%، ومباشرة طهران إنتاج اليورانيوم المعدني، تقليصاً لالتزاماتها بموجب «خطّة العمل الشاملة المشتركة». وتعليقاً على الخطوة الإيرانية، قال دبلوماسي أوروبي: «إذا فقدنا أعيننا وآذاننا على الأرض، لن تكون هناك عودة إلى الوراء». لكن أيّاً من الطرفَين لم يتراجع بعد عن إصراره على أن يتحرّك الآخر أولاً. ويخشى بايدن ووزير خارجيته، أنتوني بلينكن، مِن أن يُنظر إليهما على أنهما ضعيفان، فيما لو قدّما أيّ تنازلات بدايةً. وهذا القلق ينبع بشكل خاص من حَرَد جمهوريّي الكونغرس، الذين يحتاج البيت الأبيض إلى أصواتهم لتمرير أولويات أكثر إلحاحاً، مثل حزمة بايدن الإغاثية البالغة 1.9 تريليون دولار، وخططه الطموحة للاستثمار في البنية التحتية. ومع ذلك، أبدى بعض المتشدّدين في واشنطن عدم رضى إزاء التطورات الأخيرة، وسط قلقٍ من احتمال أن ترضخ الإدارة الأميركية في النهاية لإنقاذ صفقةٍ شارك في بلورتها عدد من كبار مستشاري بايدن في السياسة الخارجية، بمَن فيهم مبعوثه إلى إيران روبرت مالي، ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان. والنتيجة، كما يقول الخبير المحافظ في شؤون الشرق الأوسط، ريويل مارك غيريخت، لمجلة «فورين بوليسي»، «مفروغ منها»، لأن الإدارة «سترمش أوّلاً، وسترفع العقوبات المفروضة على إيران بشكل غير متناسب، بينما ستواصل الأخيرة انتهاك معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية». لهذا، يعتزم الرئيس الأميركي استخدام جهود إحياء الاتفاق النووي كنقطة انطلاق لاتفاق أوسع نطاقاً يشمل برنامج إيران للصواريخ البالستية وحضورها الإقليمي، بغية الحصول على مباركة الجمهوريين الذين لا يبدون حماسة للعودة إلى الاتفاق.
الدلائل إلى تسارع الجهود الدبلوماسية قبل المهلة التي حدّدتها إيران في الـ 23 من الشهر الجاري، ظهرت أوّلاً من خلال الاتصال النادر الذي أجرته المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، يوم الأربعاء الماضي، بالرئيس الإيراني، حسن روحاني، لتخبره أن الجمهوية الإسلامية بحاجة إلى «إشارات إيجابية» قبل إحراز أيّ تقدم. وردّ روحاني بالقول إن السبيل الوحيد للمضيّ قدماً سيكون عبر إلغاء الولايات المتحدة أوّلاً عقوباتها «غير الإنسانية وغير القانونية» على إيران. لكن مسؤولاً إيرانياً كبيراً كشف، لـ»رويترز»، أن طهران تدرس بالفعل عرض واشنطن إجراء محادثات، إلّا أنه جدّد ما جاء على لسان الرئيس الإيراني، إذ قال إنه «يمكن مناقشة آلية تسلسل زمني أساسي بالخطوات… ولكن رسالتنا واضحة للغاية: ارفعوا العقوبات وافتحوا الطريق للدبلوماسية». وفي هذا الإطار، أكّد مسؤول أوروبي، لـ»رويترز»، أن أيّ دعوات لم تُرسل ولم يتحدّد أيّ إطار زمني للاجتماع، لكن القوى العالمية تريد إحياء الاتفاق النووي بأسرع وقت ممكن، مضيفاً: «لا أعتقد أن إيران ستقول لا لأيّ محاولة عمليّة لعقد اجتماع غير رسمي مع جميع الدول حول الطاولة، سيكون أساساً لإعادة خطة العمل الشاملة المشتركة إلى مسارها الصحيح». حتى الآن، لا يوجد حلّ دبلوماسي مطروح على الطاولة. وقبل الموعد النهائي، سيحلّ المدير العام لـ»الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، رافائيل غروسي، ضيفاً على طهران اليوم لإجراء مزيد من المحادثات. في غضون ذلك، ترغب إيران في أن ينسّق وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عودةً متزامنة إلى الاتفاق بين طهران وواشنطن.
الأخبار