الرئيسية / سياسة / قرارات “المركزي” أراحت الأسواق… والموازنــة تُسابق المهل الدستوريّة والتصنيفيّة

قرارات “المركزي” أراحت الأسواق… والموازنــة تُسابق المهل الدستوريّة والتصنيفيّة

الأربعاء 02 تشرين الأول 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

دخلت البلاد في مرحلة مالية واقتصادية طارئة، وباتت الحركة السياسية بكل اتجاهاتها تتمحور حول سبل مواجهة الأزمة المرشّحة لمزيد من التعقيد، على رغم من الارتياح النسبي الذي ساهَم فيه أمس صدور التعميم المُنتظر من مصرف لبنان، والذي ينظّم بموجبه فتح اعتمادات بالدولار الاميركي بالسعر الرسمي لاستيراد المحروقات والدواء والقمح. ولكن بين لجنة الاصلاحات وجلسات الموازنة، شهدت الساعات في السراي الحكومي أمس سباقاً مع المهل الدستورية في لبنان ومع المهل التي حَدّدتها مؤسسات التصنيف والمجتمع الدولي لإنجاز الاصلاحات، وتحت ضغط شارع يئنّ وسلطة مُربكة ونقد على كف عفريت.

وإذ وصلَ رئيس الحكومة سعد الحريري الى السراي على وَقع عاصفة أخبار تتعلق به، سارَعَ الى القول: «مهما شَنّوا من حملات ضدي، ومهما قالوا او كتبوا او فعلوا، سأستمر، ولن أتوقف». وقد تزامَن هذا الموقف مع سجال وتشنّج دارا بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، ويبدو أنه لم يَنته فصولاً بعد.

بعد صدور التعميم عن مصرف لبنان أمس، ساد نوع من الاسترخاء في السوق الرديفة، وانخفض سعر الدولار لدى الصيارفة الى نحو 1550 ليرة. كذلك انعكس الارتياح ارتفاعاً في أسعار السندات اللبنانية في الاسواق العالمية.

وفي المقابل، لفتَ خبير اقتصادي لـ«الجمهورية» الى أنه في المدى البعيد، سيعود الضغط على الدولار، مع ارتفاع الطلب عليه في سوق الصرف الثانوية من التجّار والمستوردين الآخرين الذين لم يشملهم التعميم، ولم يحصلوا على سعر صرف خاص بهم في المصارف التجارية التي ما زالت ترفض فتح اعتمادات لهم بالدولار إذا لم تكن حساباتهم المصرفية أساساً بالدولار.

وقال هذا الخبير: «انّ هذا التعميم سيخلق سوقَين متوازيين، واحدة للضروريات وأخرى للكماليات. وهو إجراء عادل يقوم به مصرف لبنان ضمن سياسة تقنين احتياطه من العملات الاجنبية، التي تعطي الأولوية في الحصول على سعر الصرف الرسمي لليرة، للسلع الاساسية. وفي الوقت نفسه، سيحفّز ذلك الطلب على الدولار في السوق الثانوية».

لكن، وفي موازاة الارتياح النسبي، بدأت تتظَهّر الأزمات التي قد تنمو بسبب تعميم مصرف لبنان. اذ تبيّن انّ كل القطاعات الأخرى ستضطر الى العمل بأسعار الدولار في السوق السوداء. وسيؤدي ذلك، وفق مصادر مطّلعة، الى ارتفاع تدريجي في اسعار كل السلع الاستهلاكية، باستثناء المحروقات والدواء والطحين.

وقَدّر مصدر لـ«الجمهورية» أن ترتفع الاسعار بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المئة، خصوصاً اذا تم لاحقاً إقرار رفع الضريبة على القيمة المضافة. وهذا يعني انّ المواطن سيفقد من قدرته الشرائية ما يوازي 20 في المئة من راتبه.

إشارات غير مطمئنة

وفي موازاة الاشكاليات التي يفرضها وجود سوقَين لسعر صرف الدولار، برزت امس إشارات دولية غير مطمئنة، أبرزها ما أعلنته وكالة «موديز» من أنها راجعت التصنيف الإئتماني للبنان وقررت الإبقاء على التصنيف الحالي Caa1. لكنها في المقابل، وضعت تصنيف لبنان قيد المراقبة وفي اتجاه الخفض خلال 3 أشهر «إذا لم يتبلور مسار الأمور في اتجاه إيجابي».

وستُجري «موديز» خلال هذه الفترة تقييماً لأداء الحكومة ومدى التزامها بإقرار موازنة 2020.

وذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية» (أ.ف. ب) أنّ «موديز» سبق وخفّضت في كانون الثاني 2019، تصنيف لبنان الطويل الأجل للديون من «B-» إلى «CAA1»، بما يشير إلى «مخاطر ائتمانية كبيرة جداً»، بحسب المقاييس التي تحددها هذه الوكالة.

ساعة الحقيقة لليرة

وفي سياق متصل، نشرت وكالة «بلومبرغ» تحقيقاً شاملاً عن الوضع النقدي والمالي والاقتصادي في لبنان، إنطلاقاً من الأزمات الحادة التي ظهرت أخيراً. وركّزت على أزمة شح الدولار، وسعر الليرة، والتعميم الذي أصدره مصرف لبنان لتنظيم استيراد البنزين والدواء والقمح.

وذكرت «بلومبرغ» في تقريرها انه «بعد مرور أكثر من عقدين على تثبيت لبنان سعر صرف الليرة مقابل الدولار لتوفير «مرساة» لاستقرار الاقتصاد بعد الحرب الأهلية، يبدو انّ لحظة الحقيقة قد دقّت».

واضافت انّ صندوق النقد الدولي أعلن انّ العجز في الحساب الجاري في لبنان سيصل إلى ما يقارب 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في حلول نهاية السنة (…) فقط موزمبيق تعتبر في وضع أسوأ من لبنان».

وأضاف التقرير: «المغتربون اللبنانيون، أحد أعمدة الاقتصاد، باتوا يرسلون أموالاً أقل إلى الوطن. وتقدّر مجموعة «غولدمان ساكس» أنّ نمو الودائع أصبح سلبياً في أيار 2019 للمرة الأولى منذ عقود».

على أنّ وكالة «فيتش» التي تصنّف لبنان في مستوى زامبيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية، تحذّر من أنّ احتياجات التمويل الخارجية الكبيرة للبلاد ستؤدي إلى مزيد من خفض احتياطات البنك المركزي الإجمالية.

ولوحِظ أمس، أنّ البلد عموماً بَدا وكأنه يعيش صدمة في كل مفاصله، وجموداً واضحاً في الحركة الإقتصادية، متواكبة مع حال ترقّب تسود المستويات الشعبية.

وإذا كانت خطوة الإدعاء القضائي على أحد الصيارفة المتلاعبين بالعملة الأجنبية، وكذلك على أحد أصحاب محلات تحويل الأموال، قد أحدثت شيئاً من الارتياح في مناخ الأزمة، إلّا أنّ أحد المراجع السياسية أكد أنه على رغم من أهمية هذه الخطوة، فإنّ المطلوب اتخاذ إجراءات فورية رادعة لكل من يحاول العبث بالسوق الماليّة، وإذا لزم الأمر الاقتداء ببعض الدول التي وصلت إجراءاتها في حق المتلاعبين الى حد الحكم عليهم بالإعدام.

وفي موازاة الإشاعات التي تُطاول بعض المصارف، وتروّج أنّ بعضها سيكون قريباً عرضة لعقوبات، على غرار تلك التي اتخذت في حق «جمّال ترست بنك»، قالت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» انّ «هذا الأمر لا أساس له على الإطلاق، وانّ القصد منه واضح وهو تخويف مصارف معينة، ويندرج في سياق مؤامرة لضرب الاستقرار الاقتصادي وكذلك الاستقرار المصرفي».

وكشفت المصادر نفسها «أنّ موضوع العقوبات على المصارف كان نقطة البحث الرئيسية بين المسؤولين اللبنانيين، وكذلك الإقتصاديين والمصرفيين، وبين نائب وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيللنغسلي أثناء زيارته الأخيرة للبنان، حيث أكد هذا المسؤول الأميركي أنّ ما يُشاع حول هذا الأمر غير صحيح، وبالتالي لا وجود لأيّ مصرف لبناني جديد على لائحة العقوبات الأميركية».

سجال بين كتلتين

وكان اللافت أمس سجال متشنّج بين تكتل «لبنان القوي» وكتلة «المستقبل»، إذ على رغم المساعي التي نشطت لترميم العلاقات بينهما وكذلك بين اهل الحكم والحكومة في مواجهة التطورات الإقتصادية والمالية، ألغى الحريري وتيار «المستقبل» ندوة كان مقرراً إقامتها في 9 من الجاري مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في قصر القنطاري، يحاوره فيها مسؤولون من قيادة «المستقبل» من مختلف القطاعات، وخصوصاً الشبابية منها.

وقالت مصادر «المستقبل» لـ«الجمهورية» انّ «القرار اتّخِذ لعدم وجود جَو حواري، في ضوء المواقف المتشنجة التي تسببت بها مواقف احد نواب التيار زياد أسود، الذي رَدّ التردّي الإقتصادي الى السياسات التي أرساها الرئيس الشهيد رفيق الحريري». وأضافت «انّ هذه المواقف أدّت الى تشنّج الجَو، وبالتالي لا حاجة ولا منفعة من الحوار في مثل هذه الأجواء».

ولوحِظ انّ التشنج بين الجانبين إنعكس في البيانين اللذين أصدراهما بعد اجتماعيهما الاسبوعيين، فدافعَ «التكتل» عن رئيس الجمهورية مؤكداً أنه «المسؤول عن المبادرة لحل المشكلات، أمّا التنفيذ فهو من مسؤولية الحكومة».

وتوجّه الى «الذي يريد استغلال ما يحصل في السياسة لتحميله رئيس الجمهورية وفريقه السياسي بخلفية «إنّو العَهد بيهِرّ»، قائلاً: «نحنا عضمنا أزرق ولحمنا مش طري. والى اليوم نحن نعتبر انّ همنا هو إنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي الذي هو نتيجة تراكمات عقود من الزمن كنّا فيها خارج الدولة والبلاد، فلا تحرجونا أكثر من ذلك، لا نريد الانجرار الى هذه المهاترات، وندعوكم الى تحمّل مسؤولياتكم في تنفيذ الاصلاحات التي اتفقنا عليها والتي نطالبكم بها».

أمّا كتلة «المستقبل» فوجدت في «التحركات الاهلية» التي شهدتها بيروت والمناطق، «رسالة موجهة الى كل الجهات المعنية بإيجاد الحلول ووَقف مسلسل الانهيار».

وشجبت «تلك الاساليب البالية في استهداف الرئيس رفيق الحريري ومشروعه الاقتصادي والانمائي»، وأكدت «انّ كل محاولة لرَمي الاسباب العميقة للأزمة الى السياسات الاقتصادية في بداية التسعينات ولنتائج مؤتمرات باريس، هي إصرار على ذَر الرماد في العيون والتعمية عن الحقائق السياسية المالية والاقتصادية والامنية التي تكافَلت، بدعم من الداخل والخارج، على تعطيل المشروع الانقاذي في أواخر التسعينات».

واعتبرت أنّ «الازمة الاقتصادية والاجتماعية واضحة الاسباب والحلول باتت معروفة، فليتوقف النافخون في نار الفتنة عن بَخ السموم».

الى ذلك، أكد رئيس الحكومة سعد الحريري، خلال ترؤسه أمس اجتماع «اللجنة الفنية لتنسيق الخدمات الضرورية في المحافظات»، اصراره على «العمل قدماً لتحقيق الاصلاحات المنشودة للنهوض بالبلد وتجاوز الازمة الصعبة التي يمر بها»، وقال: «مهما شنّوا من حملات ضدّي ومهما قالوا او كتبوا او فعلوا سأستمر في العمل، ولن أتوقف. صحيح اننا نمر في أوضاع اقتصادية صعبة، ولهذا علينا اتخاذ قرارات جريئة، وهذا امر غير قابل للنقاش لأنّ ما لن نتحّمله فعلياً هو انهيار البلد».

وأضاف: «اننا نعمل الآن على مسألة الفلتان لدى بعض الصيارفة، وهذا الموضوع على سكة الحل. لا اقول ان لا مشكلات لدينا الّا اننا نعمل ليلاً ونهاراً على معالجة الاوضاع الراهنة، في حين يعمد البعض الى ترويج اشاعات عبر الواتساب او غيره، وهذا ما نواجهه حالياً».

لجنة الاصلاحات

وكان الحريري ترأس بعد ساعات على صدور تعميم مصرف لبنان إجتماعاً للجنة الوزاريّة المكلفة درس الإصلاحات المالية والاقتصادية. وصاغ المجتمعون كلّ النقاط المشتركة الواردة في مختلف الأوراق الاقتصاديّة، بالإضافة إلى ورقة بعبدا في ورقة واحدة. ولكنهم لم يتوصّلوا إلى أي نتيجة، وأُرجىء النقاش إلى جلسة تُعقد اليوم.

تحذير «قوّاتي»

وفيما لم تصدر أي معلومات رسمية عن الجلسة، قالت مصادر «القوّات اللبنانيّة» انها «نفذت خلال الجلسة أولى خطواتها في مسار التحذير الذي أطلقته حول مناقشة الموازنة، والقاضي بمقاطعة هذه المناقشة الموازنة ما لم يتمّ الغَوص في الإصلاحات. وذكرت المصادر «أن «القوات» أعلنت تحفّظاً شاملاً لدى طرح كلّ بند يتناول إيرادات الموازنة، رافضةً إبداء رأيها ومطالِبةً بوجوب بَتّ الإصلاحات فوراً».

واشارت المصادر نفسها الى «أنّ هذا الموقف «القوّاتي» أحدث نوعاً من الصدمة لدى بقية الأطراف، فاندفع «التيار الوطني الحر» مطالباً بالإصلاحات أيضاً، كذلك أيّد رئيس الحكومة المطلب نفسه طارحاً إمكانية عقد جلسات مفتوحة في يوم كامل، لا تنتهي إلّا لحظة الانتهاء منها».

الى ذلك، قالت مصادر «القوات» انه في تصاعد الأزمة المالية والاقتصادية والحديث عن إمكانية فرض ضرائب جديدة لتأمين بعض الإيرادات لتغطية النفقات، أعلنت «القوّات» على طاولة اللجنة الوزارية موقفاً واضحاً بهذا الخصوص على طاولة اللجنة الوزارية معارضتها فَرض أيّ ضريبة على اللبنانيين مهما كان حجمها أو شكلها، داعيةً أعضاء الحكومة الى البَتّ بإصلاحات جذريّة والمباشرة في تنفيذها.

مجلس الوزراء

وبعد انتهاء اجتماع اللجنة، ترأس الحريري جلسة لمجلس الوزراء تقرّر خلالها: إعفاء السيارات السياحيّة المستخدمة لدى شركات تأجير السيارات من بعض الرسوم الجمركيّة، إعفاء السيارات الكهربائية والدراجات الكهربائية من رسم الـ3 في المئة المنصوص عنه في المادة 59 من موازنة 2018، إعفاء سيارات الإطفاء والإسعاف والدفاع المدني والبلديات واتحاد البلديات من الرسوم الجمركيّة، تمديد مهلة استيضاح البلديات واتحاد البلديات لمواقع إنشاء وتشغيل مطامر صحية لمدة شهر إضافي».

وعن الموازنة، أعلن وزير الإعلام جمال الجرّاح انتهاء المجلس من درس الجزء الثاني من موازنة معظم الوزارات، فيما أُرجئ النقاش في موازنتَي وزارتَي الخارجيّة والمغتربين والأشغال».

وسُئِلَ عن عدد الجلسات التي تحتاجها الحكومة لإنهاء الموازنة، فأجاب: «الموازنة شقّان: مواد إصلاحيّة وأرقام. كأرقام، لسنا في حاجة لأكثر من جلسة، أمّا كإصلاحات، فهناك جلستان ستعقدان هذا الأسبوع للجنة المعنيّة».

جلسة عادية

وعمّمت الأمانة العامة لمجلس الوزراء على الوزراء جدول أعمال من 32 بنداً لجلسة عادية تُعقد الحادية عشرة والنصف قبل ظهر غد الخميس في قصر بعبدا.

وأبرز ما في هذا الجدول طلبات لمجلس الإنماء والاعمار للموافقة على مسودة قرض بقيمة 74 مليون يورو مقدمة من البنك الاوروبي للتثمير، ومسودة منحة بـ 18 مليون و300 الف يورو من صندوق مبادرة المرونة الاقتصادية، ومسودة اتفاقية تعاون للمساعدة الفنية عبارة عن هِبة بـ 4 مليون يورو من البنك الاووربي للتثمير لتمويل شبكات الصرف الصحي في الحوض المائي لطرابلس البكر وتفويض رئيس المجلس توقيعها، وطلب آخر للمجلس للموافقة على مسودة اتفاقية بقيمة 40 مليون يورو من الوكالة الفرنسية للتنمية للمساهمة في تمويل برنامج تعزيز القدرة على التكيّف الاقتصادي والحضري في لبنان وتفويض رئيس المجلس توقيعها.

وعلى الجدول ايضاً طلب وزراة الداخلية تجديد عقد شركة «إي بي سي» بالتراضي لمعالجة النفايات الصلبة في جزين، وتسديد حصتها من الصندوق البلدي المستقلّ. وبنود أُخرى مختلفة تتصل بطلبات لوزارات الداخلية والتربية والطاقة، وقضايا قضائية مختلفة، ومجموعة طلبات موافقة على صرف كلفة سفر لوفود لبنانية الى مؤتمرات واجتماعات في الخارج.

الجمهورية