الرئيسية / منوعات / ابن السنتين و3 أشهر يُشفى من داء الصرع بعد جراحة نادرة ودقيقة!

ابن السنتين و3 أشهر يُشفى من داء الصرع بعد جراحة نادرة ودقيقة!

مجلة وفاء wafaamagazine

قد يبدو الأمر غريباً وغير مألوف، إلا أن الطفل محمود إبن السنتين و3 أشهر استطاع بفضل جهود الأطباء وجمعية “ابسيلون” Epsilon أن يُسقط كل المفاهيم الخاطئة حول هذا المرض ويُعطي أملاً لكل مريض أن الحل موجود، وقد يكون بسيطاً أحياناً. التوعية ضرورية والتشخيص أساسي خصوصاً في مرحلة مبكرة، الخيارات متعددة حسب نوع ودرجة داء الصرع، إلا أن تقدم الطب ساهم في تحسين نوعية حياة المريض بشكل لافت وكبير.

بعد أن كانت النوبات المتكررة تمنع الطفل محمود من أن يعيش حياته الطبيعية كسائر الأطفال، نجحت الجراحة النادرة والدقيقة في تغيّر حياته بشكل كامل. وبرغم من الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد، إلا أن أخباراً إيجابية كهذه تبث الأمل والفرح والفخر في تحقيق إنجازات صغيرة قد تُحدث فرقاً كبيراً في عالم الأعصاب والصرع.

تروي هدى والدة الطفل محمود عن صعوبة حياة ابنها قبل إجراء الجراحة وما كان يعانيه، تقول لـ”النهار”: “اكتشفنا أنه يعاني من داء الصرع بعد أسبوع على ولادته، كان يعاني من ازرقاق وصعوبة في التنفس لدقائق، شعرتُ أن هناك مشكلة وأنه ليس كباقي الأطفال. وبعد مراجعة طبيب شخّص حالته بالصرع، وبالرغم من الدواء الذي وصفه لم يتحسن. بعد شهرين من الاستفسار، توجهتُ إلى طبيب آخر الذي أكد على إصابة محمود بالصرع ووصف له دواء آخر. لم يتحسن وبقي يعاني من نوبات متكررة، كان محروماً من طفولته، وكان عاجزاً عن الجلوس أو المشي أو الكلام لأن الجهة اليسرى للدماغ كانت تعاني من تشوهات”.

وتضيف أن “الرنين المغناطيسي كشف خلل دماغي تكويني خلقي على الجهة اليسرى من الدماغ تسبب له بفقدان القدرة على لجلوس قليلاً، وأصبح كثير الارتخاء. هكذا قررنا المضي بالجراحة بعد استشارة الأطباء في مستشفى أوتيل ديو، وخضع محمود لجراحة غيّرت حياته بشكل كامل. لم يعانِ منذ 3 أشهر من أي نوبة، لقد شُفي بالكامل وأصبح قادراً على تحريك لسانه ويمشي قليلاً من خلال مساعدتي، ويخضع للعلاج الفيزيائي لاكتساب وتعزيز حركته أكثر. أحدثت الجراحة إنجازاً كبيراً واختلافاً بشكل كامل، فرحتنا لا توصف”.

يشرح الجراح في الأمراض العصبية في مستشفى أوتيل ديو الطبي البرفيسور رونالد موسى لـ”النهار” أن “داء الصرع هو مرض شائع ويُصيب 1% من الناس،وبرغم من أنه شائع مثل داء السكري إلا أن الفرق بينهما أنه يسلط الضوء أكثر على مرض السكري في حين يتم إخفاء داء الصرع ويخجل الناس الحديث عنه. حوالى 70% من مرضى داء الصرع يكون علاجهم بالأدوية، ويُشفى قسم كبير منهم عبر هذا العلاج، في المقابل لا يتجاوب 30% منهم مع العلاج الدوائي ويكون علينا اللجوء إلى الخيار الجراحي.

ويمكن للشخص أن يُصاب بداء الصرع في أي مرحلة من حياته، وليس فقط في مرحلة الطفولة. كما أن أعراضه تختلف بين شخص وآخر، وهي متشعبة حسب نوع الصرع الذي يعاني منه.

blob:https://embed.kwikmotion.com/f676fef8-560b-4493-b5fe-4669bce6d09f

أنواع النوبات
كذلك تحدث موسى عن وجود أنواع مختلفة من النوبات، فهناك النوبة العامة أي ختلاجات تشمل كل الجسم من فقدان الوعي والسقوط، تصلّب عضلي عام، تشنج واختلاج إيقاعي، كثرة الإفرازات اللعابية، غيبوبة واسترخاء عضلي، تبوّل لا إرادي ، تقيؤ، ارتباك عند اليقظة. وتستغرق مدة النوبة دقائق قبل أن يسترجع المريض وعيه.
أما النوع الثاني فهو النوبة الجزئية ومن أهمّ عوارضها عدم التواصل مع حالة شرود وحركات دراماتيكية.
كما هناك نوع آخر من النوبات ويحدث غالباً عند الأطفال ومن أهم اعراضها انقطاع موقت عن التواصل مع الغير وحالة شرود تبقى خلالها العينان مفتوحتين مع استعادة مباشرة للوعي وللنشاط.
لذلك عندما يلاحظ الأهل شرود الطفل أو عدم الحفظ في المدرسة وتراجع في التحصيل الدراسي أو اختلاجات في النوم، عليهم استشارة الطبيب لتحديد وتشخيص حالته بشكل أفضل وفي وقت مبكر.
وعن التدخل والتشخيص المبكر، يؤكد موسى أنه “كلما كان التدخل مبكراً كانت النتيجة أفضل، لأنه كلما تأخرنا في العلاج تؤثر نوبات الصرع على وعيه وفهمه ونموه العقلي خصوصاً عند الأطفال. لذلك عند تشخيص الحالة بداء الصرع ولا يتجاوب المريض مع الأدوية (أي برغم من تناول 3 إلى 4 أدوية يستمر المريض بمعاناة نوبات متكررة)، يجب التفكير بخيار الجراحة.
من المهم أن نعرف أنه قبل إجراء الجراحة، على المريض إجراء بعض الفحوصات الطبية وهي عبارة عن صورة للرنين المغناطيسي للدماغ، بالإضافة إلى مخطط كهربية الدماغ (EEG) . وبموجب هذه الفحوصات وفق ما يوضح موسى “يتمكّن الطبيب من حصر داء الصرع بمنطقة من الدماغ، ويعرف تحديداً في أي منطقة تظهر هذه النوبات ومصدرها.
وعليه، إذا كانت نوبات الصرع في منطقة في الدماغ يمكن العمل فيها ننتقل إلى الخطوة الثانية وهي العمل الجراحي. لكن العائق الوحيد الذي يواجهه مريض داء الصرع، أن فحوصات التشخيص لتحديد المنطقة التي تصدر هذه النوبات مكلفة وغالية ولا تعترف بها الجهات الضامنة، وبالتالي تمنع المريض من إجرائها أو تأجيلها. وهنا يأتي دور جمعية “ابسيلون” التي تساعد المريض لإجراء هذه الفحوصات المطلوبة وتحمل قسم من تكاليف الجراحة”.
علماً أن كل نوع من أنواع داء الصرع له جراحة خاصة، لذلك هناك عدة أنواع من العمل الجراحي الذي يمكن اللجوء إليه لمعالجة حالة 30% من المرضى الذين يعانون داء الصرع المستعصي.

أنواع الجراحة
ويُقسّم الجرّاح في الأمراض العصبية في مستشفى أوتيل ديو الطبي الجراحة إلى نوعين:

  • استئصال منطقة البؤرة الصرعية من الدماغ، أي المنطقة التي تسبب النوبات دون التأثير على وظائف رئيسة كالنطق والبصر والذاكرة. وفي هذه الحالة يمكن الشفاء من داء الصرع بنسبة عالية. وتعتبر هذه الجراحة الأكثر شيوعاً في جراحات داء الصرع.
  • فصل الدماغ الأيمن عن الأيسر، وهي جراحة نادرة وقليلة مقارنة بجراحة الاستئصال، والهدف منها فصل جزء من الدماغ لتخفيف النوبات المتكررة التي يعانيها الطفل. وفي هذه الحالة، يكون جزء من الدماغ بكامله مصاب. بهذه الجراحة يمكن للطفل الشفاء من نوبات التشنجية الاختلاجية من خلال عزل المنطقة المصابة عن باقي أجزاء الدماغ.
    وقد لجأنا إلى هذه الجراحة للطفل محمود حيث قمنا بعزل وفصل الدماغ الأيمن عن الأيسر لمعالجته.
  • جهاز تحفيز العصب الهائم (VNS): وهي شبيهة بجراحة رزع بطارية للقلب، وإنما في منطقة الدماغ. ونقوم بوضع بطارية تحت الجلد توصَل بالعصب الهائم (العصب رقم 10). وهذا الجهاز بإمكانه تخفيف عدد النوبات وحدّتها على المريض. صحيح أنها لا تشفي كلياً، لكنها تحسّن نوعية الحياة عند مريض الصرع. العائق الوحيد أن كلفة البطارية غالية (بحدود 20-25 ألف دولار) وكانت الجهات الضامنة تغطي تكاليفها، إلا أنه في ظل الفوضى اليوم لم تعد تغطي هذه التكاليف.
    من جهتها، تشرح الاختصاصية في الأمراض العصبية الدكتورة كارين أبو خالد لـ”النهار” أن “تكوين المنطقة اليسرى من دماغ الطفل محمود كانت متداخلة وغير صحيحة، الأمر الذي أثر على عدم قدرته على المشي. وبرغم من تناوله 3 أدوية مختلفة لمعالجة داء الصرع، إلا أنه كان يعاني نوبات صرع متكررة، ما جعل حياته اليومية صعبة”.
    ولأن كلفة الفحوصات غالية ولا تغطيها الجهات الضامنة، كان يصعب على الطفل محمود إجراؤها، شأنه شأن كثيرين من المرضى الذين يواجهون مشكلة مادية تقف حاجزاً أمام استكمال مرحلة التشخيص والعلاج الجراحي. وهنا يأتي دور جمعية “ابسيلون” التي تساعد المرضى في إجراء الفحوصات المطلوبة كما في كلفة الجراحة”.

وتشير أبو خالد إلى أنها “تعمل في تشخيص حالة مريض داء الصرع بعد تحليل الفحوصات الطبية من تخطيط للدماغ ، وبناءً على تحليلها للفحوصات أعطيتُ الموافقة على إمكانية اجراء الجراحة، في حين اهتم الدكتور رونالد موسى، وهو جراح متخصص في الدماغ وداء الصرع، في إجراء العمل الجراحي للطفل.لذلك من المهم أن نوعّي الناس على أهمية التشخيص والتدخل المبكّر. وبالتالي في حال لم يتجاوب مريض داء الصرع مع الأدوية، يجب التوجّه إلى اختصاصيين لمعرفة إمكانية إجراء الجراحة لهم لمساعدتهم على تحسين حياتهم. وفي مستشفى أوتيل ديو لدينا قسم متخصص لمعالجة الصرع يشمل فريق متخصص من الأطباء (طبيب أمراض عصبية- جراح – طبيب أشعة- معالج وطبيب نفسي لتقييم حالة المريض والبحث في الخيارات الأفضل له”.أسباب الإصابة بالصرعوعن أسباب الإصابة بهذا المرض، توضح أبو خالد أن “السبب قد يكون وراثياً، ولكن عند الأطفال تلعب المشكلة التكوينية دوراً أساسياً في الإصابة بالصرع. حيث تتكاثر خلايا الدماغ بطريقة خاطئة فتؤدي إلى الكهرباء في الرأس.كذلك تؤثر بعض العوامل على الإصابة مثل الإصابة بداء السحايا، أو التعرّض إلى ضربة على الرأس أو نزيف دماغي أو أورام دماغية قد تؤدي إلى داء الصرع.لذلك من المهم تطابق الفحوصات والتخيط مع أعراض المريض لتشخيص حالته بطريقة صحيحة.10 ساعات في الجراحةوتضيف أن “حالة محمود تعتبر نادرة وليست شائعة كثيراً، حيث لجأنا إلى فصل منطقة من الدماغ بكاملها. ونتيجة إصابة الجزء الأيسر بكامله أدى إلى إضعاف يده اليمنى، وكان التدخل الطبي مهماً جداً خصوصاً أنه لم يتخطّ السنة ونصف السنة من عمره، لإيقاف تكاثر النوبات المتكررة . لذلك ما يهمنا تحسين حياة المريض واسترجاع حركته ولفظه”.وتشدد أبو خالد على أهمية “إرسال المريض باكراً إلى المتخصصين في داء الصرع حتى لا تتراجع حالته، خصوصاً أنه في حالات كثيرة يمكن إحداث فرق في حياتهم. ولقد استطاعت الجراحة تغيير حياته بشكل كبير جداً، برغم من أنها دقيقة وطويلة، حيث استغرقت حوالى 10 ساعات على خلاف الجراحات الأخرى الأكثر شيوعاً والتي لا تستغرق وقتاً طويلاً. وعلينا أن نعرف أن إجراء الجراحة في وقت مبكر أي قبل عمر 6 سنوات، يعطي فرصة للطفل في استرجاع حركته والقدرة على المشي”.لذلك تعتبر التوعية ضرورية وأساسية في علاج الصرع إلى جانب العائق المادي الذي يمنع بعض المرضى من تلقي العلاج الأفضل أو حتى التشخيص الصحيح.