مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله كلمة في “حديث الجمعة” استهلها بالقول: “عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بالتزود من شهر يطل علينا بعد أيام بخيره وبركاته، وهو شهر شعبان، هذا الشهر الذي كان رسول الله إذا دخل يأمر مناديا أن ينادي في المدينة: “يا أهل يثرب، إني رسول رسول الله إليكم، ألا إن شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري”. فلنعن أيها الأحبة رسول الله على شهره ولنتأسى به، فقد كان كما كان يقول الإمام زين العابدين في دعائه، يدأب في صيامه وقيامه، في لياليه وأيامه، بأن يعد كل منا برنامجا خاصا به في هذا الشهر مما ورد فيه من الصيام والصلوات المستحبة، والدعاء والصدقة والذكر والاستغفار، وإحياء ليلة النصف من شعبان التي أشارت الأحاديث أنها أفضل الليالي بعد ليلة القدر وبإحياء المناسبات التي حصلت فيه، ففيه كانت ولادة الإمام الحسين والعباس والسجاد والقائم المنتظر. حتى لا يفوتنا ما أعد الله سبحانه للصائمين والقائمين والذاكرين والمتصدقين من ثوابه وبركاته، ولنصبح أقرب إلى الله وأكثر قدرة على مواجهة التحديات”.
وقال: “البداية من لبنان الذي لا يزال تحت وقع الاحتجاجات التي حصلت في الأيام الماضية بعد الارتفاع غير المسبوق في سعر صرف الدولار، والتي عمت كل المناطق اللبنانية للتعبير عن السخط من طبقة سياسية أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، ولم تقم بما هو مطلوب منها لإيقاف هذا النزف المستمر الذي يهدد لقمة عيش اللبنانيين وما يسد احتياجاتهم وأمنهم واستقرارهم، واكتفوا في ذلك كما حصل أخيرا بالقيام بإجراءات أمنية تتعلق بمنع قطع الطرق وردع وملاحقة من يبيعون الدولار في السوق السوداء، أو باستقدام قروض لمساعدة العائلات الفقيرة من دون أن تكلف نفسها بمعالجة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا الارتفاع. وتكون أولوياتها هي الإصغاء إلى كل الأصوات التي دعت ولا تزال تدعو من الداخل والخارج، إلى الإسراع بتأليف حكومة قادرة على إدارة شؤون البلد على كل الصعد، على أن تكون بعيدة كل البعد من الارتهان لمن تسببوا بإيصال هذا البلد إلى المنحدر الذي وصل إليه، ومعالجة الفساد والهدر في مؤسسات الدولة ومرافقها وقطاعاتها، وإجراء مراجعة لكل السياسات المالية والنقدية التي اتبعتها الدولة، وأن تأخذ في الاعتبار مصلحة كل مواطنيها لا هذا الفريق أو ذاك، أو هذه الطائفة أو تلك”.
أضاف: “ولكن مع الأسف يبدو أن هذا لن يحصل، هذه الطبقة ما دامت العقلية التي تتحكم بها هي عقلية الاستئثار ومن يكون له اليد الطولى في هذا البلد، أو من يتحكم بقراره ويستطيع أن يحصل على مكاسب في الاستحقاقات القادمة. وهي لذلك تستنفر الغرائز الطائفية والمذهبية ولعبة الشارع، من دون أن تأخذ في عين الاعتبار تداعيات ذلك على أمن البلد وعلى علاقة اللبنانيين بعضهم ببعض”.
وتابع: “إننا أمام هذا الواقع المأسوي الذي وصل إليه البلد، وأمام طبقة سياسية ترى البلد بقرة حلوبا لها، نجدد دعوتنا للبنانيين إلى تحمل مسؤولياتهم بأن يراهنوا في تغيير واقعهم على بقاء أصواتهم مرتفعة وأن يشيروا بالبنان إلى مواقع الفساد وإلى الفاسدين، وأن لا يداهنوهم ويجاملوهم ويروهم غضبهم وسخطهم. فهذه الطبقة التي تتحكم بهذا البلد لن تغير مسارها وتعيد النظر بحساباتها، إلا عندما تشعر بأن هناك شعبا لن يتراجع عن حقه بدولة تفكر له وتعمل لأجله، لا لحساباتها ومصالحها، ولن يستكين ولن يهدأ حتى يحصل على ذلك”.
أضاف: “إننا نقول لكم: لا تدعوهم يراهنون على تعبكم وعلى تخويفكم من بعضكم البعض، وقبولكم بالأمر الواقع، وإقناعكم بأن التغيير سيأخذ البلد إلى المجهول. ولكننا ونحن ندعو إلى رفع الصوت، نريده أن يكون مدروسا وحضاريا وبعيدا من الارتجال والارتهان والتجيير، وكل ما يؤدي إلى الفوضى والعبث بالممتلكات العامة والخاصة وحرية التنقل”.
وقال: “نبقى على هذا الصعيد، لنضم صوتنا إلى كل الأصوات التي دعت وتدعو إلى الأخذ في الاعتبار الوضع الاجتماعي لعناصر الجيش والقوى الأمنية ومساعدتهم لضمان استمرار الدور المطلوب منهم في هذه المرحلة، وفي أي وقت في حفظ أمن البلد وضمان وحدته واستقراره، في ظل التحديات التي تهدده من الداخل أو من الخارج”.
وكرر “التأكيد على ضرورة تعزيز الحوار الموضوعي في الداخل، وأن لا يكون هناك ممنوعات فيه ليكون بديلا من منطق السجالات وأساليب التسقيط والتخوين والاتهام التي إن استمرت، فهي ستأكل أخضر البلد ويابسه، وتسمح للعابثين به من الداخل والخارج أن يجدوا موضع قدم لهم. وهنا ننوه بأي حوار جرى أو يجري في الداخل بين القوى السياسية والدينية والنخب الثقافية وبين المواطنين، فالحوار يبقى هو السبيل للوصول إلى الحلول ولإزالة الهواجس وأسباب الخوف”.
وأمل أن تساهم الزيارة التاريخية التي قام بها بابا الفاتيكان إلى العراق، في تعميق التواصل بين كل مكونات الشعب العراقي وشد الأواصر في ما بينهم، وإلى تعزيز العمل المشترك بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية للعمل معا لبعث القيم الأخلاقية في كل مفاصل الحياة، والوقوف في وجه الظلم والطغيان في أي مكان كان”.
وختم متوقفا عند “التقرير الصادر عن برنامج الغذاء العالمي والذي يتحدث عن الظروف الإنسانية الصعبة التي يعاني منها الشعب السوري، والتي تدفع بهذا الشعب نحو الجوع والفقر بفعل الحصار، والأعمال العدائية المستمرة عليه وجائحة كورونا، لندعو الدول العربية والإسلامية إلى ضرورة الوقوف مع هذا الشعب والعمل ليبقى هذا البلد حاضرا في واجهة العالم العربي والإسلامي وقضاياه”.