الرئيسية / آخر الأخبار / أزمة «القومي»: ضغوط على القيادة الجديدة… وحردان يثبّت الانشقاق

أزمة «القومي»: ضغوط على القيادة الجديدة… وحردان يثبّت الانشقاق

مجلة وفاء wafaamagazine

يُفترض في زمن التحدّيات، وإعادة ترتيب التوازنات الدولية – الإقليمية، وتعاظم التهديدات من قِبل قوى الهيمنة على المنطقة، أن يقف الحزب السوري القومي الاجتماعي في مُقدّمة «حُماة» البلاد. ولكنّ قيادات الحزب تناست دوره، وزجّت به في خلافاتٍ داخلية وانشقاقات بلغت أوجها في أيلول الماضي. واليوم، يُفتح فصلٌ جديد من هذا الصراع، يدور حول إصرار أسعد حردان على عقد المؤتمر القومي في أيار، بما يثبّت الانشقاق، فيما دعت القيادة الجديدة برئاسة ربيع بنات إلى تأجيله حتّى آب

لم يكن ينقص الحزب السوري القومي الاجتماعي سوى مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين سوريين «يتسلّون» بتعزيز الشقاق بين القوميين، لضمان سيطرة النائب أسعد حردان على قرار الحزب.
مُشكلة بعض القوميين – المستمرة منذ سنوات – تعاملهم مع الحزب كما لو أنّه مُجرّد «لافتة» خاصة، فيما هم يقولون إن حزبهم هو قضية. وقد تجدّدت هذه المشكلة في 13 أيلول الماضي، تاريخ انتخابات المجلس الأعلى التي طوت مرحلة «احتكار» حردان للقرار الحزبي. محاولة طيّ «عهد حردان»، تمّت على يد الفريق الذي كان طيلة سنواتٍ محسوباً عليه… فردّ بفتح النار على القيادة الجديدة (انتخبت ربيع بنات رئيساً للحزب)، وخاصّة عميد الدفاع زياد معلوف، الذي يعتبره نائب حاصبيا – مرجعيون «مُهندس الحركة الانقلابية» ضدّه.
يرفض حردان الاعتراف بنتائج تلك الانتخابات التي لم يفز بها، مُتّهماً خصومه بتزويرها، «رغم أنّه هو الذي أصرّ على إجرائها ونظّمها وأشرف عليها»، يقول أحد أعضاء «لقاء الإصلاح والوحدة»، ويضم قيادات قومية قاطعت استحقاق أيلول 2020 بسبب تأجيل المؤتمر القومي الذي يجب – بحسب الدستور الحزبي – عقده قبل جلسة الانتخاب. أمّا بعد إجراء الانتخابات، «فقد أصبح هناك سلطة شرعية مُنتخبة، يجب الاعتراف بها وإعطاؤها فرصة ومواكبتها من داخل المؤسسات»، يقول المصدر نفسه. ألهذا السبب قبلتم التعاون مع القيادة الجديدة وتولّي مناصب في المكتب السياسي؟ يُجيب المسؤول بأنّه بعد الانتخابات «مدّ الرابحون يد التعاون ونظّموا حوارات مع الجميع، في حين أنّ السلطة السابقة ما زالت حتّى الساعة غير مُعترفة بوجود أزمة في الحزب. التجديد في القيادة يُشكّل فرصة أمام القوميين، وقد بدأنا نلحظ ذلك في الموقف من أداء السلطة في لبنان وتمايز الأداء السياسي وبلورة هوية الحزب الحقيقية».
تنَكُّر حردان للنتائج أثّر على كلّ مؤسّسات الحزب القومي ونشاط الحزبيين. بات لـ«القومي» رئيسَا حزب، مجلسَان أعليان، مجلسَا عُمد، مكتبان سياسيان، مُنَفِذَّان اثنان في الكثير من المناطق… وبعد رفعه دعوى أمام القضاء اللبناني للطعن في شرعية الانتخابات الحزبية، تقول مصادر القيادة الجديدة إنّ حردان استكمل حربه ضدّها عبر «رفع دعاوى شخصية ضدّ أعضاء في القيادة الحالية، وممارسة الضغوط على حزبيين داخل سوريا، وإغراق الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية بتقارير مُلفّقة عن قوميين يُتّهمون بالارتباط بجهات خارجية». بعض التقارير يُرسل مُباشرةً إلى سوريا، في حين أنّ البعض الآخر يمر عبر السفارة السورية في بيروت، المُتبنية لوجهة نظر حردان، «والمُساهمة في نقل صورة غير دقيقة عن توازن القوى داخل القومي للرئيس بشّار الأسد، صاحب توجّه تأمين وحدة الحزب القومي وحفظ ماء وجه الجميع». إضافة إلى ذلك، يضغط حردان على القوى السياسية في لبنان «لعدم الاعتراف بالقيادة الحالية»… تصرّفات أدّت إلى فرض واقع مُخالف لواحد من أساسيات عقيدة «القومي»: رفض التقسيم والدعوة إلى الوحدة.
يرفض عميد الداخلية في «جناح حردان»، رامي قمر، ما تقدّم، مُعتبراً أنّ المعركة «ليست معركة أسعد حردان، كما يحاول البعض تصويرها، بل معركة قيم وأخلاق لاستعادة مفاهيم الحزب الحقيقية، وحردان يتحمّل المسؤولية من موقعه في رئاسة المجلس الأعلى لتأمين انتخابات شرعية تنتج مجلساً أعلى جديداً». يُنكر ممارسة ضغوط على قوميين وكتابة تقارير بحقّ البعض الآخر، «لا يُمكن فبركة التقارير. بالأساس هؤلاء رفقاء لنا ونحن واجب علينا حمايتهم، ومسؤوليتنا احتضان القوميين جميعاً للذهاب إلى حزب موحّد قوي، ولكن إذا كان أحدهم قد ارتكب أخطاءً فهذه مسؤوليته». ويُضيف قمر أن الدعوى القضائية هي بوجه السلطة التنفيذية التي أجرت الانتخابات ولم تكن دعوى شخصية أو في وجه من ادّعى فوزه بالانتخابات، «حصلت انتخابات زُوّرت، والحزب مخطوف بسطوة التزوير، لذلك مارس القوميون حقّهم في الطعن أمام المحكمة الحزبية أولاً، وبعد حلّ المحكمة الحزبية من قبلهم رفعت دعوى قضائية ضدّ السلطة التنفيذية التي أجرت الانتخابات. والقيادة مُنتحلة الصفة أدانت نفسها بنفسها حين حلّت المحكمة الحزبية وسلبت القوميين حقهم في الاحتكام الى المؤسسات الحزبية». يعبتر قمر أنّ «جناحهم» حافظ على وحدة القوميين وعدم نقل الخلافات الى القواعد الحزبية، من خلال عدم تعيين مُنفّذين، «إلّا حيث عيّنت جماعة الروشة». ماذا عن اقتحام المراكز في البترون وحلبا وطرابلس وتذكير القوميين بمراحل الاقتتال الداخلي؟ ينفي قمر اقتحام مركز البترون «الذي كان مقفلاً، عكس ما حصل في حلبا أو طرابلس الذي كاد يؤدي إلى إراقة دماء بفعل اقتحامه من قبل مُسلحي جماعة الروشة»، علماً بأنّ القيادة الجديدة تنفي ذلك، وتؤكّد العكس. بالنسبة إلى قمر، «عدم احتكام الأفراد إلى المؤسسات ومبادرات الحلّ، يزيد الشرخ بين الرفقاء، لذلك لا بدّ من تلقّف أي مبادرة للتوحيد». جناح حردان قرّر المُضي في مُبادرة الرئيس السابق للحزب حنّا الناشف والدعوة إلى المؤتمر القومي في أيار، من دون الاتفاق بعد على موعده. فحردان يُريد عقده في 14-15-16 أيار، أما الناشف فيلتزم بـ29-30-31 أيار. يعتبر قمر أنّه يجب «الاحتكام إلى المجلس القومي للخروج من حالة التشرذم، فالانتخابات الحزبية هي الملاذ الوحيد للوحدة، وليفز فيها من يفز ويخضع حينها الجميع لإرادة القوميين».
يُتّهم الناشف من قبل قوميين بالتنسيق مع حردان والسفارة السورية وتلقّيه وعوداً بمناصب، مقابل تعويم حردان في المؤتمر، لذلك يُصرّ على عقده. «سجّلي عندك أنّني لا أُريد أن ألعب أي دور داخل الحزب، ولست أنا من يُعوّم حردان، بل هو من عليه أن يتغيّر حتّى يعوَّم مُجدّداً. من يُكيل لي هذه الاتهامات، أمضى سنوات يتلقّى فيها الأوامر من أسعد حردان،»، يقول الناشف. القيادتان الموجودتان غير شرعيتين بالنسبة إلى المحامي، «ولا حلّ إلّا عبر تنظيم مؤتمر قومي وانتخابات جديدة». ولكن لماذا كنت العام الماضي من دُعاة التأجيل؟ «ألتزم بتطبيق قرار المجلس الأعلى السابق الذي لا يزال ساري المفعول، وأي تأجيل بحاجة إلى توافق السلطتين معاً. شخصياً، أُريد تأجيل المؤتمر القومي».
القيادة الجديدة تُريد تأجيل المؤتمر إلى آب، بعد الرسائل التي أرسلتها مجموعات الاغتراب تؤكّد فيها استحالة المُشاركة في أيار، نظراً إلى الأوضاع الصحية وإغلاق الحدود في العديد من الدُول. «لسنا ضدّ إجراء الانتخابات، ولكن أي مؤسّسة ستُشرف عليها بعد شقّ حردان للحزب وإنشائه مؤسسات رديفة؟ أصبح من الضروري المُطالبة بالوحدة قبل تنظيم انتخابات»، يقول رئيس إحدى مؤسسات القيادة الجديدة. ولكن حتى في الاغتراب، لا يوجد إجماع على هذا الموقف.
أحد المسؤولين القوميين شارك في لقاء عُقد عبر الفيديو مع ربيع بنات، يرى أنّه لو تلقّفت القيادة الجديدة الدعوة إلى انتخابات مُبكرة «لكانت أحرجت حردان، وقد تعهّد بأنّه لن يترشّح مرّة جديدة». ألم تُقدّم وعود كثيرة في الفترة السابقة ونُكث بها جميعها؟ «ولكننا أمام شخص (حردان) مُستعد أن يُدمّر الحزب ليُحافظ على نفوذه، وكانت هذه فرصة لنُحافظ على الوحدة. وجّهنا للقيادة الجديدة نصيحة بالذهاب نحو المؤتمر والانتخابات في أيار، لأنّ عامل الوقت ليس لمصلحتها وطريقة الحُكم هذه ستُعيد تسليم السلطة لحردان». يعتبر الرجل أنّ القيادة الجديدة «بدأت تخسر من جمهورها في الشام ولبنان، بفِعل تعرّض القوميين المُناصرين لها للضغوط، عبر الترغيب والترهيب». ويوجد أيضاً «سوء إدارتها، وكيفية تعاملها مع القوميين كما لو أنّها تُخضعهم طيلة الوقت لامتحان ثقة وولاء». يُقدّم مثالاً على ذلك طريقة إعلان المكتب السياسي الجديد، برئاسة حسّان صقر، «ومن دون التنسيق مع رئيس المكتب كمال النابلسي، الذي كان يُحاول أن يلعب دوراً توافقياً بين الفريقين، وتلقّى وعداً بتعيينه رئيساً للمكتب السياسي الجديد». ولكن كردّ فعل على «الخديعة التي تعرّض لها»، سيُعيد النابلسي «تفعيل مكتبه السياسي تحت قيادة حردان». حاولت «الأخبار» التواصل مع النابلسي للوقوف على وجهة نظره وسؤاله إن كان ما حصل معه يُبرّر مُساهمته في تعزيز الانشقاق داخل مؤسسات «القومي»، إلا أنّه لم يردّ.

تصرّفات حردان تُخالف أحد مبادئ «القومي»: رفض التقسيم

الرأي الآخر يُعبّر عنه أحد النافذين في الاغتراب، وممّن «كانت» تربطهم علاقة جيّدة بحردان. يقول إنّ الاغتراب «سَلّم مُذكرات بتعذّر مشاركته في مؤتمر أيار بسبب الظروف الصحية، فليؤجّل إلى آب ولنلتَقِ في ساحة المنافسة». يُشدّد على أنّ حردان «يُناور ولا يُريد الانتخابات. إصراره على إجرائها مردّه فقط إلى رهانه على إجراء تسوية قبل المؤتمر، تؤدّي إلى تشكيل مجلس أعلى توافقي، يُعيد انتخابه رئيساً للحزب». يعتبر أنّ حردان هو من يُفشّل كلّ المبادرات عبر تصعيده ضدّ القيادة الجديدة، «رغم ذلك، الأخيرة تتعامل معه بإيجابية، والدليل عدم فصله من المجلس الأعلى».
المُعضلة في الخلاف أنّه لا جهة «موضوعية» تثق بها الأجنحة المُتصارعة، تكون قادرة على الفَصل بين القوميين. فحتّى النصوص القانونية، تخضع لاجتهاد كلّ فريق، بحسب ما يراه مُناسباً. ولكن يؤكّد أحد أعضاء «لقاء الإصلاح والوحدة» أنّ «الاتجاه الأسلم هو الدعوة إلى مؤتمر في آب تُعِدُّ له السلطة الجديدة لأنّها صاحبة الشرعية»، مُعتبراً أنّ الإصرار على عقد المؤتمر في أيار «تكريس للانقسام وليس عملاً على الوحدة».


مخالفة الدستور
بحسب الدستور القومي، يجب أن يُعقد كلّ أربع سنوات مؤتمر عام، يبحث القوميون المُشاركون فيه المرحلة السابقة وأعمال السلطتين التنفيذية (الرئيس ومجلس العُمد) والتشريعية (المجلس الأعلى)، ويُناقشون أوراق عمل مُقدّمة إلى رئاسة المؤتمر القومي، قبل أن يتمّ انتخاب المندوبين والأمناء وأعضاء المجلس الأعلى، الذي ينتخب في مهلة 14 يوماً رئيس الحزب. قبل سنة، رفض رئيس المجلس الأعلى (يومها) أسعد حردان كلّ الدعوات إلى تأجيل المؤتمر القومي والانتخابات، رغم تقارير عن تعذّر حضور القوميين من الاغتراب بسبب انتشار «كورونا». أصرّ حردان على تنظيم جلسة الانتخابات، من دون انعقاد المؤتمر القومي، دافعاً المجلس الأعلى إلى إصدار قرارٍ يُغطّي مخالفة الدستور.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاخبار