مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة النهار : ربما كانت التظاهرة الاحتجاجية، بعد ظهرأمس، في وسط بيروت وسيلة وحيدة للتذكير بالمعاناة الخيالية التي يعيشها اللبنانيون وسط الانهيارات والأزمات المتدافعة فيما تتواصل فصول أسوأ استغلال لهذه المعاناة من خلال منهج تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة على رغم تصاعد الضغوط الدولية بقوة لافتة في الفترة الأخيرة.
إذ على رغم رداءة الطقس احتشد عدد من الناشطين في ساحة رياض الصلح، للمشاركة في تجمع إحتجاجي للمطالبة بحكومة إنتقالية، تحت شعار: “حقي إغضب، يوم الغضب الشعبي”. وطالب المحتجون برحيل الرؤساء الثلاثة، وبتشكيل حكومة مستقلة تعمل مع المجلس النيابي على اقرار قانون حول “الكابيتال كونترول”، كذلك التشدّد في موضوع التدقيق الجنائي، فضلاً عن ملفات وقضايا عدّة وانتقلوا في وقت لاحق إلى ساحة الشهداء.
واتخذت التحركات والمواقف الدولية من الأزمة اللبنانية بُعداً إضافياً في ظل التنسيق الحاصل بين وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن اللذين شدّدا، في بيان مشترك جديد، خلاله على أنّ “على القادة السياسيين في لبنان تحقيق إصلاحات حقيقية تخدم مصالح الشعب اللبناني” .
وتترقب الأوساط اللبنانية باهتمام وصول وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل إلى لبنان في الأيام المقبلة في زيارة ذكّر أنّها تأتي ضمن جولة تشمل عدداً من دول المنطقة قبل أن يسلّم هيل مهماته للمسؤولة الجديدة التي عينتها إدارة بايدن. وفيما لم يُعرَف بعد جدول مواعيد هيل ومن سيلتقي في زيارته لبيروت، تسود انطباعات بأنّ الديبلوماسي الخبير في الشؤون اللبنانية بعدما كان سفيراً في لبنان سيودّع لبنان بتقرير مهم للإدارة الجديدة يتناول الملف الحكومي في المقام الأول وكذلك ملف المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية المجمدة حول الحدود البحرية بعد التطورات التي طرأت عليه، في ظل اتجاه لبنان إلى إصدار مرسوم معدّل للمساحات الإضافية التي يطالب بها. ويشار إلى أنّ الولايات المتحدة لعبت دور الدولة الراعية للمفاوضات في الجولات القليلة التي عقدت في الناقورة قبل تعليقها بسبب الخلاف اللبناني الإسرائيلي على تحديد المساحات التي طالب بها لبنان بعد زيادتها عن تلك المحددة في خريطة سابقة أبلغها لبنان إلى الأمم المتحدة. ويشار الى ان الزيارة الأخيرة لهيل للبنان كانت عقب انفجار مرفأ بيروت في آب الماضي.
وأمّا على صعيد الازمة السياسية الحكومية، فلم يُسجَّل أي تطور ملموس فيما أبرزت جولة جديدة من السجالات بين “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل” تصاعد الحدة والاحتدام بما يؤشر بوضوح الى التراجع المتواصل لأيّ رهانات على حلحلة للتعقيدات التي تعترض تاليف الحكومة وذهاب كل الوساطات سدى. وفي مؤشر تصعيدي جديد من جانب فريق العهد وتياره ضد الرئيس المكلف، شنّت الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر” هجوماً جديداً على الرئيس سعد الحريري كما لوحظ أنّها لم توفّر في هجومها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع. وإذ اعتبرت الهيئة أنّه “لم يعد من شك في أنّ رئيس الحكومة المكلف يسعى لتأخير تشكيل الحكومة، ويأتي في هذا السياق تفشيله للمسعى الفرنسي الأخير”، رأت أنّ “الاختبار الجدي لاقتراب موعد التشكيل هو قيام الحريري بتقديم صيغة حكومية متكاملة ومفهومة لا غموض فيها، لرئيس الجمهورية، وهو ما سوف يكشف نواياه الحقيقية بالسعي للحصول على نصف أعضاء الحكومة زائد واحد”. وأسفت الهيئة “للكلام الصادر عن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي تحامل على رئيس الجمهورية بقوله أن الى جانبه على مدى خمس سنوات أكثرية نيابية ووزارية. وهو يجب ان يعرف حسابيا وسياسيا ان ثلث الوزراء لا يشكلون اكثرية مجلس الوزراء اي نصفه زائدا واحدا، وان 20% من عدد النواب لا يشكل اكثرية مجلس النواب، بخاصة مع وجود المعرقلين مثله. والسؤال الموجه الى السيد جعجع الذي ساهم عام 90 بضرب صلاحيات الرئيس ماذا بقي منها اليوم لكي يحاسبه عليها، وخاصة انه يعاكسه في ما تبقى منها ويتنازل كما في ال90 من خلال سياسة تعاكس ما يقوم به التيار لاستعادة التوازن والميثاقية”.
وردّ “تيار المستقبل” معتبراً أنّ “قيادة التيار تعاني التخبط والانكار السياسي في أسوأ مراحلهما، وتقدم الدليل تلو الآخر على التصرف كحزب حاكم يستولي على توقيع رئاسة الجمهورية بشأن تأليف الحكومة . ومن علامات الإنكار المستجدة لدى قيادة “التيار”، قولها بان الرئيس المكلف سعد الحريري مسؤول عن تفشيل المسعى الفرنسي الأخير، خلافاً لكل التصريحات والتقارير والمواقف التي صدرت من باريس ومن بيروت في هذا الشأن. اما الخبرية التي تلجأ اليها قيادة “التيار”، بالحديث عن نية لدى الرئيس المكلف بالعمل للحصول على النصف زائد واحد في الحكومة، فهي محاولة مكررة للهروب إلى الأمام لتبرير التمسك بالثلث المعطل.
ولعله من المفيد، لـ”التيار” ولكل من يعنيه الأمر، أن يعلم أنّ الرئيس المكلف هو رئيس لمجلس الوزراء مجتمعاً، ولن يكون رئيساً لنصف المجلس أو ثلثه أو ربعه، والذين يقولون بانه يطلب النصف زائد واحد، يريدون رئيسين للحكومة، رئيس كلفه مجلس النواب تشكيل الحكومة، ورئيس مكلف من “التيار الوطني الحر” لتعطيل عمل الحكومة. وباختصار هذا الأمر لن يمر، وتجربة الرئيس الاصيل والرئيس غير الاصيل لن تتكرر” .
فضيحة
وسط هذه الأجواء، انفجرت فضيحة جديدة في ملف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت. فبعد أسابيع على مطالبة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله القضاءَ بتحديد طبيعة التفجير للإفراج عن التعويضات للناس، ملمّحاً إلى أنّ “فرضية الارهاب تعني أن لا تعويضات”، طلب وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة، من المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار، عبر وزيرة العدل ماري كلود نجم، إصدارَ تقرير رسمي يُخرج الأعمال الحربيّة والإرهابيّة من دائرة الأسباب التي أدّت إلى وقوع إنفجار 4 آب 2020 “لتمكيننا من إصدار التوجيهات والإرشادات المناسبة لهيئات الضمان اللبنانيّة ومخاطبة هيئات إعادة الضمان الدوليّة، لتسديد التزاماتها الماليّة حفاظاً على حقوق المواطنين المؤمّنين”. القرار أغضب أهالي الضحايا، الذين سارعوا الى إصدار بيان انتقدوا فيه مواقف نعمة الذي “يعتبر تدخّلاً سافراً غير مقبول بنتائج التحقيق وطعنة غادرة في خاصرة قضيتنا الوطنية والإنسانية، وهو أمر لا يمكن السكوت عليها” وتظاهروا امام منزله مهددين بمقاضاته.
على الأثر، أوضح نعمة أنّ “وزير الاقتصاد مسؤول عن لجنة مراقبة هيئات الضمان، وهو يحض بشكل متواصل شركات التأمين على تعويض المتضررين من انفجار مرفأ بيروت، حماية لحقوقهم، إنما لا يمكن إلزامهم التعويض من دون صدور تقرير رسمي يبين الأسباب وراء الانفجار، لأنّ غالبية عقود التأمين وإعادة التأمين تستثني أعمال الحرب والإرهاب من نطاق التغطية”. وقال: “عليه، وجهت لجنة مراقبة هيئات الضمان كتاباً إلى المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، للإضاءة على أهمية تبيان بأسرع وقت الأسباب التي أدت الى انفجار مرفأ بيروت، آملة منه في حال خلصت التحقيقات، إلى إعلان ذلك في سبيل اتخاذ اللجنة الإجراءات اللازمة”. وختم: “الكتاب لا يهدف بأي شكل الى التدخل في عمل القضاء، وتبدي اللجنة كامل استعدادها لسحب الكتاب وإعادة صياغته، نظراً إلى سوء تفسيره بما لا يتماشى مع الهدف المنشود منه”.