مجلة وفاء wafaamagazine
تحل اليوم في الثالث عشر من نيسان أبريل، الذكرى الـ 46 لاندلاع شرارة الحرب الأهلية اللبنانية، من يوم أحد في منطقة عين الرمانة (قضاء بعبدا)، اثر فعل ورد فعل متبادل بين الفلسطينيين ومناصري حزب الكتائب اللبنانية، انتهت بـ «حادثة البوسطة» الشهيرة التي قتل فيها عدد كبير من فلسطينيين (ولبنانيين) كانوا عائدين من مشاركتهم في احتفال لإحدى المنظمات الفلسطينية، ودخلوا في المكان والزمان الخاطئين الى منطقة كانت شهدت سقوط قتيلين وجرحى برصاص فلسطيني قبل الظهر.
اشتعل ليل لبنان وصحا الناس في اليوم التالي على أحداث متتالية امتدت سنتين وأطلقت عليها تسمية «حرب السنتين». وقبل ذلك كانت الأرض اللبنانية خصبة لاشتعال فتيل الحرب منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، على خلفيات عدة بينها الصراع بين قسم من اللبنانيين والفلسطينيين، ومطالبة قسم آخر من اللبنانيين بإصلاحات دستورية. وجاء اتفاق الطائف في نوفمبر 1989، ثم دخل حيز التنفيذ ظهر 13 أكتوبر 1990 تاريخ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية عسكريا، بعملية خاطفة للقوات السورية التي أطاحت حكومة العماد ميشال عون العسكرية من قصر بعبدا.
يختصر شهيد احد قدامى المقاتلين المسيحيين المشهد اليوم قائلا: «لا حرب عسكرية، اذ لا قدرة لأي من أطراف الداخل على تأمين تمويل لها، نظرا الى تخطي سعر صرف الدولار الأميركي عتبة الـ 12 ليرة لبنانية». ويختصر الأمر كغيره من الكثيرين، باقتناء قسم من اللبنانيين السلاح الفردي الخفيف لحماية مدخراتهم النقدية التي نقلوا ما أمكنهم منها من المصارف الى منازلهم، بعد انهيار النظام المصرفي اللبناني، و«تبخر» أموال المودعين في ما أطلق عليه «سرقة العصر».
المفارقة انه وبعد أربعة عقود ونيف، لا تزال معالم الحرب حاضرة في بعض الأماكن داخل العاصمة اللبنانية وضواحيها، وخصوصا فيما كان يعرف بـ«خطوط التماس» التي قسمت العاصمة بيروت الى شطرين. وبين الأماكن معلم «بيت بيروت» مبنى بركات سابقا، او المبنى الأصفر في منطقة السوديكو أسفل تلة الأشرفية مقابل تقاطع بشارة الخوري، الذي تولى تظهيره بصورته الحالية المهندس المعماري يوسف حيدر، على رأس فريق عمل ضخم.
احتفظ المبنى بعد تدعيم اساساته بمشاهد الحرب، وتحول معلما ثقافيا ومساحة تلاق، ولعله يفتقد تلك البوسطة التي لم توضع في متحف للذاكرة، وكانت تعرض في كل أبريل في ميدان سباق الخيل في بيروت، الذي شكل بدوره خط تماس، ومقرا لاجتماعات ما أطلق عليها اللجنة الأمنية التي ضمت ممثلين للمتقاتلين، بينهم قائد الجيش وقتذاك (اعتبارا من 1984) العماد ميشال عون.
الى كل ذلك، يقول البعض ان وجود السلاح في أيدي طرف معين (حزب الله) وبشكل متفوق، يقيهم شر الحرب، على رغم ان الأخيرة لا تستلزم سلاحا كاسرا او ثقيلا، بل تحتاج الى بنادق خفيفة لتقطيع شرايين الحياة بين الأحياء (بحسب الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله) وإعادة رسم خطوط تماس.
في كل 13 أبريل يستذكر اللبنانيون من سقط من شهداء وغاب من مفقودين الى مصابي الحرب، على اختلاف انتماءاتهم. تمر الذكرى سريعة، ذلك ان المشاكل لم تحل في معظمها، لا بل على العكس، تزداد الأزمات وتبلغ شدة غير مسبوقة، تماما كالضائقة الاقتصادية الحالية، والتي لم تعرفها البلاد في عز سنين الحرب. وتستحضر حكاية «البحبوبة» المالية أيام دوي المدافع وأزيز الرصاص والقتل والخطف على الهوية.
لعلها النسخة المحدثة من الحرب يعيشها اللبنانيون بسلاح الدولار الذي يفتك بالجميع من دون استثناء، ويؤدي الى تفريغ البلاد من أهلها الساعين الى الهجرة، بحثا عن مستقبل لا تصح تسميته بـ«الأفضل»، ذلك ان الأفق يكاد يتحول مسدودا في وطن الأرز. ولا داعي للإشارة الى ان هجرة السكان الأصليين تسرع في التوطين وتحول البلاد وطنا بديلا للذين خرجوا من بلدانهم ولم تتح لهم العودة.
لا خشية من حرب أهلية بصورة أبريل 1975، على رغم دخول اللبنانيين زمن «اللعب ع المكشوف» واتباع سياسة «حافة الهاوية». هي حرب بوجه مختلف، لا مكان فيها للسلاح الخفيف واستيراد السلاح الثقيل بالبحر، كما حدث في القسم الثاني من 1975، وبعده في شكل دوري في ما عرف بـ«المرافئ غير الشرعية» اعتبارا من 1976.
وحدها المشاهد تتكرر لجهة إقبال اللبنانيين على تخزين المواد الغذائية والأدوية، والخشية من فقدان الخبز والمحروقات ودخول زمن العتمة، جراء انقطاع التيار الكهربائي واحتمال شح مادة المازوت التي تغذي المولدات ذات التعرفة الخاصة والتي لامست حدود السماء لجهة ارتفاعها وعدم قدرة الناس على تحصيل مداخيل لتسديدها وتأمين بقية الضروريات.
لا يخشى اللبنانيون مرور «بوسطة عين الرمانة»، وإن كانوا يستعيدون ما حصل في سبتمبر من سبيعنيات القرن الماضي بانتقال «السلاح الفلسطيني» من عمان الى بيروت.
حرب قد لا تقع بالضرورة عسكريا، لكن مشاهد أزماتها الانسانية والمعيشية لم تغب، وإن كانت في هذه الفترة أكثر طغيانا.
الأنباء