مجلة وفاء wafaamagazine
خلال نحو ثلاثين عاماً، زرع أبو علي البطاطا في أرضه في شرق لبنان. لكن في ظل الانهيار الاقتصادي المتسارع وتداعياته على القطاع الزراعي الضعيف أساساً، استبدل البطاطا بنبتة أكثر شهرة في المنطقة، الحشيشة.
وقال أبو علي لوكالة فرانس برس عبر الهاتف: “لا محبة بالحشيشة، لكن كلفة زراعتها أقل ويسمح إنتاجها بحياة كريمة لنا”.
فمنذ عقود، تزدهر زراعة الحشيشة في منطقة البقاع، رغم حظرها من السلطات التي أقرت في نيسان 2020 قانون تنظيم زراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي فقط، على اعتبار أن من شأن ذلك أن يوفر مئات ملايين الدولارات للخزينة، لكنه لم يدخل قيد التنفيذ بعد.
ومع تسارع الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ أكثر من عام ونصف، قرّر مزارعون صغار في المنطقة أن يحذوا حذو معارفهم، وأن يبدأوا بدورهم زراعة الحشيشة. لكن كثيرين منهم يخشون التحدث عن الموضوع خشية الملاحقة الأمنية.
وقال أبو علي، الذي بدأ عام 2019 بزراعة الحشيشة في أرضه في منطقة بعلبك: “كنت أزرع البطاطا بكميات كبيرة والحمص والفاصولياء.. لكنها زراعة خاسرة” اليوم. أما الحشيشة فأمرها سهل، خصوصاً أنها “بعكس الزراعات الأخرى، لا تحتاج إلى أسمدة ومواد كيميائية”، وباتت تباع بالدولار أو بحسب سعر الصرف في السوق السوداء الذي تخطى عتبة 12 ألفاً للدولار الواحد.
وتحدّث أبو علي عن فلاحين اضطروا لبيع منازلهم أو أراضيهم لسداد ديون تراكمت عليهم للمصارف أو حتى للمرابين.
وأشار إلى أنه “حين كنا نزرع البطاطا، لم يكن بوسعنا حتى شراء المازوت لنتدفأ خلال فصل الشتاء”. أما اليوم، فينتج في الموسم نحو مئة كيلوغرام من الحشيشة التي يزرعها على أرض تمتد مساحتها على 20 دونماً.
هذا ويتوقف سعر كيلو الحشيشة على جودتها، ويتراوح بين مليون وخمسة ملايين ليرة، أي بين أقل من 100 و416 دولاراً، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء.
وأشار أبو علي إلى أنه “لا يعيش بترف، لكني بتت متوسط الدخل، وقادراً على إعالة أسرتي”.
وفي العام 2018، وبعد أكثر من 20 عاماً من زراعة البطاطا، قرّر محّمد أن الوقت حان لكسب المزيد. وقال لفرانس برس: “خرّبت زراعة البطاطا بيتي، تعود علي بالربح لعام واحد، وأخسر منها ثلاثة أعوام. أما زراعة الحشيشة فلا خسارة فيها”.
ويزرع محمد 10 دونمات من أرضه بالحشيشة. ويمدّ جيرانه بالمياه من بئر جوفي لديه مقابل أن يحصل على جزء من إنتاجهم من الحشيشة أو مقابل مادي. وقال: “لولا زراعة الحشيشة، لما وجد الناس ما يأكلونه”.
وتزرع الحشيشة مطلع الربيع وتحصد في أيلول. وتجفّف بعدها تحت أشعة الشمس قبل أن يتم تبريدها، ثم “دقّها” أو طحنها في معامل صغيرة في منطقة البقاع. ففي بلدة اليمونة القريبة من بعلبك، يدافع أصحاب الأراضي عن زراعة الحشيشة التي تحقّق لهم مداخيل كثيرة.
وقال نائب رئيس البلدية حسين شريف لفرانس برس: “تخلّى مزارعون كثر في منطقة بعلبك – الهرمل عن زراعات أساسية وباتوا يزرعون الحشيشة لأن كلفتها أقل ويحققون ربحاً بغض النظر عن سعر البيع”.
ويُعد لبنان، وفق الأمم المتحدة، رابع منتج لعجينة الحشيشة في العالم بعد أفغانستان والمغرب وباكستان. ويجد المنتج اللبناني بشكل أساسي أسواقاً له في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً في سوريا والأردن ومصر وإسرائيل وقبرص وتركيا.
وبغض النظر عن عدم قانونيتها، يُزرع اليوم 40 ألف هكتار من الأراضي على الأقل بالحشيشة في لبنان، وفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة عام 2020.
وفي هذا السياق، أوضح وزير الزراعة عباس مرتضى لوكالة فرانس برس أنه كان مفترضاً أن يحقّق القنب الهندي مدخولاً بقيمة 350 مليون دولار في السنة الأولى، على أن “نصل إلى مليار دولار” بعد خمس سنوات.
وقال: “نحن بحاجة ماسة لأن تتشكل حكومة حتى نشكل هيئة ناظمة تصدر عنها المراسيم التطبيقية”.
الجمهورية