مجلة وفاء wafaamagazine
وجه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب رسالة الجمعة، قال فيها: “لا يسعنا ونحن في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، وقد انقضى القسم الاعظم منه بما فيه ليالي القدر، الا ان نسأل الله تعالى ان نكون ممن استجاب لهذه الدعوة للضيافة الالهية على مائدة شهر رمضان التي هي ليست مائدة عادية ننتقي منها ما لذ وطاب من انواع الطعام والشراب، فإن هذا مما وفره سبحانه وتعالى وأسبغ نعمه ظاهرة وباطنة علينا وعلى سائر الخلق ما دمنا احياء وما دامت السماوات والارض، واذا كان كما هو حاصل هناك من قدر عليه رزقه فهو لسبب وعلة كما يبين امير المؤمنين علي حيث قال (ما جاع فقير الا بما متع به غني) وهو ليس وقت الحديث عنها، انما المقصود ان الله تعالى خلق الارض (وجعل فيها رواسي وقدر فيها اقواتها ) وهذا مفروغ عنه، فنحن عيال عليه في هذه الحياة ولم يبخل علينا بشيء كيف وهو الكريم، اذا فالضيافه على مائدة من نوع آخر”.
أضاف: “وقد ورد التعبير بالضيافه في خطبة شهر رمضان لرسول الله حيث قال ( هو شهر قد دعيتم فيه الى ضيافة الله ) ثم بين أنواع الضيافة التي يكرم بها ضيوفه التي لا تقارن بكل ما يمكن ان يتخيله الانسان او يتمناه او يتصوره او يخطر له على بال وهي مجموعة من المعاني والمفاهيم والقيم التي لا تنتمي الى عوالم المادة من قبيل (انفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب ). وجعل ذلك مقدمة للحث على الاهتمام بالتوجه الى الله تعالى بصدق والسؤال منه التوفيق لصيامه وتلاوة كتابه واتبعه بقوله “فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر”، الذي يعني ان الفوز والفلاح مرهون بصوم شهر رمضان الذي يمهد الارضية النفسية ويدفع المؤمن للقيام بمجموعة من الافعال الخيرة والبناءة التي تفيد المجتمع وتقوي فيه عوامل الخير بل ترتقي به ليكون مجموعة من قيم الخير والصلاح”.
واكد ان “الالتفات الى الفقراء والمساكين والاهتمام بتوفير حاجاتهم وابداء الاحترام للكبار والرأفة بالصغار ووصل الارحام وحفظ الالسنة عن الزلات والبذاءات وعدم ارتكاب المحرمات واجتناب المعاصي والقيام بالواجبات الى آخر ما ورد في خطبته النبي محمد، هي في الواقع الاهداف التي يجب ان يحققها الصائم من صيامه التي ورد التعبير عنها في آية الصوم بقوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، فالتقوى التي تتحقق بالصوم هي التي تدفع المتقين الى التعبير عن انفسهم بمجموعة من السلوكيات الايجابيه والبناءة في حياة الامم، لذلك علينا اليوم ان نقوم بعملية تقييم لما حققناه في هذا الشهر الشريف ومدى قربنا او بعدنا عن بلوغ هذه الغاية”.
ودعا الى “اعادة حساباتنا لما بقي لنا من شهر رمضان، وقد ورد الحث على الاهتمام بالعشر الاواخر منه وعدم الاسترخاء، فلعلنا نقوم بتدارك بعض ما فاتنا او نبلغ منه الكمال. قدوتنا فيه امير المؤمنين علي بن ابي طالب الذي قضى في هذا الشهر الشريف شهيد هذه القيم بفعل الجريمة الكبرى التي لطخت جبين الانسانية باحقر وانذل عمل وحشي استهدف أعظم شخصية عرفتها البشرية بعد رسول الله، حيث امتدت يد الشيطان المجبولة بالحقد واللؤم لتقتل امير المؤمنين وهو ساجد يصلي الفجر في محراب مسجد الكوفة في ليلة القدر المباركة من شهر رمضان الفضيل، ونحن اذ نحيي هذه الذكرى الاليمة فاننا نستحضر وصيته الخالدة قبل شهادته حيث ترك لنا سلام الله عليه أعظم الوصايا وأحكم الدرر والعبر والمواعظ”.
وقال: “أوصى بالعمل للاجر وقول الحق ومحاربة الباطل وبر الايتام والفقراء والمساكين، فقال موصيا ولديه الحسنين: “أوصيكما بتقوى الله، وإلا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها زوى عنكما، وقولا بالحق، واعملا للاجر، وكونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا.أوصيكما وجميع أهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما صلى الله عليه وآله يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام. الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، والله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصى بهم حتى ظننا أنه سيورثهم. والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم. والله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم. والله الله في بيت ربكم، لا تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا.والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله. وعليكم بالتواصل والتبادل، وإياكم والتدابر و التقاطع، لا تتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم”. ثم قال: “يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا، تقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين! ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربتي هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور”.
اضاف: “ونحن اذ نستعرض شخصية هذا الامام العظيم فاننا نرى ان عالمنا اليوم بأمس الحاجة ليعود الى تعاليمه في ظل الظلم والفساد والقهر العالمي، وتكبر حاجتنا في لبنان الى الاسترشاد بوصايا الامام علي لنستمد منها العزيمة لمواجهة الازمات التي تراكم الهموم المعيشية للمواطنين الذين ارهقتهم السياسات المعتمدة التي اغرقت لبنان في مستنقع الديون ووضعته على حافة الانهيار، وجعلت منه واحة للمحتكرين والانتهازيين الذين حققوا الثروات الضخمة من الرشاوى والفساد والهدر على حساب غالبية اللبنانيين، فهؤلاء الفاسدون همهم جمع المال الحرام، وهم مدمنو أكل مال السحت وما زلوا على غيهم يستغلون فقر الناس وحاجاتها، يحتكرون السلع ويبتزون الناس في الدواء ولا يتورعوا عن تدمير النقد الوطني، فيما اوضاعنا المعيشية المتردية ينطبق عليها قول امير المؤمنين: “ما جاع فقير الا بما متع به غني”.
واعتبر ان “هذه الطبقة المستغلة لاوجاع وحاجات الناس والتي يطلق عليها أثرياء الحرب، هي المسؤولة عن تردي الاوضاع المعيشية للمواطنين، وهذه الطبقة شريكة لجميع السياسيين الفاسدين الذي وفروا الفرص لسرقة المال العام. ونحن اذ نخشى من تدهور الاوضاع المعيشية اكثر بفعل التسويف في تشكيل حكومة انقاذية اصلاحية تخرج لبنان من النفق المظلم الذي بتنا مهددين فيه في استقرارنا الاجتماعي مع الحديث عن رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية والمشتقات النفطية حيث تحول اللبنانيون بغالبيتهم الى فقراء واختفت الطبقة الوسطى”.
وتحدث الشيخ الخطيب عن يوم القدس العالمي “الذي جعله الامام الخميني محطة مفصلية في مسيرة مواجهة الكيان الغاصب لفلسطين”، وقال: “لقد اراد ان تكون قضية فلسطين حية في وجدان الامة تحظى باحتضان كل الشعوب العربية والاسلامية لها، لما تمثله من قضية حق في مواجهة الباطل والشر الصهيوني الذي يتمظهر اليوم في عدوانه الممنهج وممارساته العدوانية في القدس والضفة الغربية واعتداءاته المتكررة على سوريا وخرق السيادتين اللبنانية والسورية، ونحن اذ نستنكر ونشجب بشدة الغطرسة الصهيونية في فلسطين و العدوان الإسرائيلي على سوريا ولبنان، فاننا نؤكد ان الكيان الصهيوني هو مصدر الشر في منطقتنا الذي يهدد امنها بفعل سلوكه العدواني، ونحن لنا ملء الثقة ان المعادلة ستنقلب بزوال هذا الكيان من الوجود بفعل صلابة وعزيمة محور المقاومة ووعي الشعوب المقاومة التي تتحدى الجوع والفاقة ولا تتنازل عن حقوقها وكرامتها حفظا لعزتها”.
وطالب الخطيب “بتحرك عربي واسلامي وعالمي داعم للشعب الفلسطيني المنتفض على غطرسة الاحتلال، ما يستدعي اطلاق تحركات شعبية في كل اقطار الارض لمواجهة العدوان الاسرائيلي الهادف الى تصفية القضية الفلسطينية من خلال ما يسمى بصفقة القرن وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول النزوح، وتوسيع دائرة الاستيطان في فلسطين. ونحن اذ نطالب الشعب الفلسطيني بالوحدة والتضامن الوطني وتصعيد انتفاضته ومقاومته في سبيل تحرير الارض وانقاذ المقدسات، فاننا نرى ان المقاومة هي خشبة خلاص الشعب الفلسطيني، ولا ينبغي ان تتوقف. لذلك نطالب الاخوة الفلسطينيين بتحصين وحدتهم الوطنية والانخراط في معركة تحرير الارض من براثن الاحتلال، وعدم المراهنة مجددا على الوعود الاميركية التي لن تكون الا منحازة وداعمة للعدو، ولتكن مراهنتكم على الله وعلى حقكم وشعبكم الذي لم يبخل يوما في تقديم أغلى التضحيات وسترون التفاف الامة حول قضيتكم من جديد والله يؤيد بنصره من يشاء”.
وختم: “بالعودة للحديث عن شهر رمضان، انقل لكم رواية جابر بن عبد الله الانصاري عن رسول الله، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر جمعة من شهر رمضان فلما بصر بي قال لي: يا جابر هذا آخر جمعة من شهر رمضان فودعه وقل: اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه، فان جعلته فاجعلني مرحوما ولا تجعلني محروما، فإنه من قال ذلك ظفر بإحدى الحسنيين. إما ببلوغ شهر رمضان، واما بغفران الله ورحمته”.