الثلاثاء 15 تشرين الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
لم تكن تظاهرة منظمة الشباب التقدمي في الحزب التقدمي الاشتراكي التعبير الوحيد عن مدى الاحتقان الذي خلّفه مناخ التهويل والتهديد الذي أشاعه في البلاد خطاب وزير الخارجية جبران باسيل أول من أمس، مع أن السقف السياسي المرتفع والسخونة البالغة اللذين طبعاً الخطاب الاشتراكي في الساعات الأخيرة شكلاً العينة الأكثر تعبيراً عن حجم الأخطار التي تسبب بها هذا المناخ. ذلك أن الاستنفار السياسي سرعان ما ارتد على الحكومة التي تعرضت في جلسة مجلس الوزراء مساء أمس لهزة عنيفة كان من نتائجها المباشرة تأخير انجاز اقرار الموازنة من جهة وشحن المناقشات بجرعات كبيرة من التوتر، الأمر الذي وضع مختلف الاستحقاقات الداهمة التي تواجهها في عين العاصفة.
وبدا واضحاً أن الاستنفار السياسي الواسع الذي أثارته مواقف باسيل والاتجاهات المتفردة التي عبر عنها في شأن زيارة دمشق مرشح لمزيد من التفاقم في ظل ما بدأ يتضح في الساعات الأخيرة من تلازم مكشوف في المناخ التصعيدي المفتعل بين خطاب باسيل ومواقفه من جهة والاتجاهات الطارئة لـ”حزب الله” حيال المصارف من جهة أخرى علماً أن الاندفاع في التهويل المزدوج جاء عقب اللقاء الطويل بين الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله وباسيل الأسبوع الماضي. فالحزب بدأ عملية تسريبات متعمدة عن قرار اتخذه بالتحرك ضد المصارف أو بعضها في شأن التزامها العقوبات الاميركية عليه قد يتجسد في تحرك في الشارع أو سواه من وسائل التعبير عن سخطه كما قيل.
ويسود الاعتقاد بان موجة التصعيد التي باشرها “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” تستهدف الضغط على مجمل القوى السياسية لنقل البلاد الى مرحلة جديدة محكومة بالشروط التي يطرحها تحالفهما مع اقتراب ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من طي السنة الثالثة في نهاية الشهر الجاري، بما يعني أن ثمة أجندة مزدوجة يسعى هذا التحالف الى تحقيقها. الأولى تعني التيار وهي رمي كرة المخاوف المتصاعدة من الأخطار المالية والاقتصادية واحتمالاتها المتعاظمة في مرمى القوى الأخرى وتبرئة العهد منها لئلا يتحمل تبعة التدهور الخطير الذي بلغته البلاد. والثانية تعني الحزب وهي توظيف العوامل الداخلية والاقليمية للدفع بقوة نحو انجاز ديبلوماسي لمصلحة المحور السوري – الايراني من خلال رعاية الانفتاح اللبناني الرسمي على النظام السوري وفي الوقت نفسه محاولة الضغط داخليا لتقليص الضغوط المالية التي يتعرض لها عبر العقوبات الاميركية.
وسط هذه الأجواء الضاغطة حاول رئيس الوزراء سعد الحريري ابقاء التوازن بين رده على باسيل وعدم تعريض حكومته في ذروة معالجتها للاستحقاقات المالية لاهتزاز خطير فاصدر عبر مكتبه الاعلامي بياناً جاء فيه: “للتذكير فقط دم الرئيس رفيق الحريري أعاد الجيش السوري إلى سوريا. إذا أراد رئيس التيار الوطني الحر زيارة سوريا لمناقشة إعادة النازحين السوريين فهذا شأنه. المهم النتيجة، فلا يجعل النظام السوري من الزيارة سبباً لعودته إلى لبنان، لأننا لا نثق بنوايا النظام من عودة النازحين. واذا تحققت العودة فسنكون أول المرحبين. البلد لا تنقصه سجالات جديدة، والهمّ الأساسي عندي اليوم كيف نوقف الأزمة الاقتصادية. واذا لم يحصل ذلك، ستنقلب الطاولة وحدها على رؤوس الجميع”.
وجاء الرد الاعنف ضمناً على باسيل من رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط اذ غرّد: “تذكروا انهم دخلوا على دم كمال جنبلاط وخرجوا على دم رفيق الحريري. تزورون التاريخ وتحتقرون تضحياتكم وتضحياتنا. تنهبون البلاد وتدمرون الطائف. تريدون تطويع الأمن كل الامن لصالح احقادكم الى جانب الجيش. تستبيحون الادارة على طريقة البعث لكن تذكروا اتى بكم الأجنبي وسيذهب بكم نهر الشعب”.
كذلك اعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من كندا “أن البعض يسعى إلى توريطنا في مشاكل سياسية خارجية”، وشدد على “أن وزير الخارجية لا يملك الحق في اتخاذ موقف بهذا الحجم من دون العودة إلى مجلس الوزراء، والأخير لم يتّخذ يوما قراراً في هذا الشأن لا سلبا ولا ايجابا”. وتمنى على الحكومة في أول اجتماع لها إصدار موقف “يؤكد أن ما قاله باسيل ينم عن موقفه الشخصي وليس موقفها كحكومة لبنانية”.
وقائع ساخنة
وسرعان ما انتقل التوتر الى مجلس الوزراء مساء أمس حيث أثار الوزير وائل أبو فاعور موضوع الحريات والاستدعاءات التي يقوم بها جهاز أمن الدولة للناشطين والتمادي فيها ودعا الى وضع حد لهذا الجهاز. كما تناول خطاب باسيل وحديثه عن مؤامرة اقتصادية وتساءل “نريد ان نعرف من أركانها نحن على الطاولة وحقنا أن نعرف من أركان الانقلاب؟… وفي الخطاب هددنا (باسيل) بجرفنا وأن التيار سيجرفنا ويقلب الطاولة. ثبت أن لا أحد يستطيع وكل من وقع تحت هذا الوهم انقلب عليه… لا أحد يستطيع قلب الطاولة”.
وتلاه الوزير أكرم شهيب فتحدث عن التسوية التي أوصلتنا الى الحكومة رغم الاختلاف والتناقض، محذراً من أن محاولة ضرب أي طرف يعني انتهاء التسوية.
وأعرب نائب رئيس الوزراء غسان حاصباني عن استغرابه لإثارة مواضيع خلافية مثل مسألة إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية في لحظة أحوج ما تكون فيها الحكومة إلى الاستقرار السياسي من أجل مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية لتجاوز الوضع المأسوي، مشدّداً على وجوب استبعاد كلّ الملفات الخلافية، لأن ذلك هو أحد أركان التّسوية التي تحكم اللعبة السياسية، مُعلناً ضمّ صوته إلى صوت رئيس الحكومة سعد الحريري في مخالفة وزير الخارجية البيان الوزاري والاجماع الحكومي، بحيث أنّ لبنان لا يستطيع أن يتعامل مع جامعة الدول العربية a la carte، فيتضامن معها بالنّسبة الى التوغّل التّركي في سوريا، ويخرج عن اجماعها في المسألة السورية. وأكّد موقف ”القوات” الحريص على عودة النازحين السوريين، رافضاً استخدام هذه القضية كشمّاعة أو ذريعة، أو إستغلالها سياسياً، مُستذكراً فشل العاصمة الروسية ذات النّفوذ الكبير على الأراضي السورية في إعادة النازحين. وقد حذّر من بعض الزيارات وبعض الخطابات التي قد تؤدّي إلى ردّات فعل سلبية من المجتمع الدولي بما فيها العقوبات أو التردّد في الدعم المالي والاستثماري.
وشدّد الحريري على مبدأ الناي بالنفس الذي ارتكز عليه البيان الوزاري، رافضاً الردّ أو الغوص في نقاش حول خطاب الوزير باسيل. ولفت الى أن الناس همهم الاول اقتصادي ووقد اتخذنا قراراً سابقاً أن نحيد مجلس الوزراء عن التشنجات.
وعكس وزير الاعلام جمال الجراح الأجواء التي سادت الجلسة بقوله: “كان هناك تقدم بشكل ايجابي في موضوع الاصلاحات، وتسلمنا أوراق عمل من كل الأحزاب والقوى السياسية، ولكن في الحقيقة نلمس بعض التلكؤ في اقرار بعض البنود حتى المقدمة من هذه القوى بموجب أوراق عمل رسمية. في بداية الجلسة حصل تقدم في موضوع الاصلاحات والبنود التي يجب أن تتضمنها الموازنة، ومن ثم لاحظنا بعض التراجع والأخذ والرد في مواضيع من المفترض أنها كانت حسمت في جلسات سابقة. هذا الأمر لن يوصل الى نتيجة وينعكس سلباً على ادائنا كمجلس وزراء ويؤخر إقرار الموازنة، وهذا شيء غير مطلوب”. وأضاف الى انه “كان من المفترض ان تكون جلسة اليوم (أمس) نهائية، خصوصا للمواد التي يجب ان تتضمنها الموازنة. في كل الأحوال لم نصل الى نقطة صعبة وستعقد لجنة الاصلاحات اجتماعا لها عند الساعة الخامسة والنصف من عصر الأربعاء، وسنعود لنحسم البنود العالقة وهي يجب ألا تكون عالقة لأنه تم بتها في جلسات سابقة وسنحسم في الاجتماع هذا الأمر سلباً أو ايجاباً، لأننا لا نريد اضاعة المزيد من الوقت وهناك مهل دستورية داهمة في 15 تشرين الأول أو في الحد الاقصى 22 تشرين الأول الجاري ويجب ان ننجز الموازنة ونرسلها الى المجلس النيابي، هكذا يقول الدستور”.
رسائل التقدمي
أما الرد الأعنف العلني للحزب التقدمي الاشتراكي، فجاء في التظاهرة التي نظمتها “منظمة الشباب التقدمي” من الكولا الى ساحة الشهداء حيث ألقى الوزير أبو فاعور كلمة “نارية” حمل فيها بعنف على “أجهزة أمنية كانت منسية وكادوا يقولون عنها أنها أجهزة من دون جدوى وغير فعالة كجهاز أمن الدولة تتحول اليوم الى “بوليس سري” يلاحق الديموقراطيين والأحرار وتتحول بدعم سلطوي الى “زوار عتمة” يحاولون تقييد الحريات”.
وقال: “يقول قائلهم بالأمس “سنقلب الطاولة”، على من ستقلبونها؟ الأزلام أزلامكم وأنتم تحتكرون كل مواقع السلطة فمن تهددون؟ أنتم عاجزون. يقول قائلهم إنه يريد الذهاب الى سوريا لإعادة النازحين. أولا من هجر هؤلاء النازحين؟ هل تذكرتكم المفقودين عندما ذهبتم لكي تفاوضوا على المواقع والرئاسات؟ اليوم تذهبون الى سوريا لتتوسلوا الرئاسة لأن هناك من قال لكم ان طريق الرئاسة يمر من دمشق”.
النهار