مجلة وفاء wafaamagazine
تستطيع الأم أن تكتشف كذب أولادها من خلال علاقتها بهم ومتابعتها لهم بدقّة. لكن هناك مشكلة تتمثّل في أنّ بعض الأمّهات لا يجلسن مع أطفالهنّ وقتاً كافياً، إمّا بسبب العمل خارج البيت أو لانشغالهنّ بأمور أخرى. إنّ قوة العلاقة بين الأم وطفلها هي التي ستساعدها على كشف كذبه، وإذا خفّت هذه العلاقة سوف تكتشف الكذب في مرحلة متأخرة، وتضطر حينها لعرضه على الاختصاصيين للمعالجة.
لا يكون العلاج للطفل وحده بل ايضاً لشبكة العلاقات السائدة في المنزل، فالمشكلة تكمن في السلوك الذي اكتسبه الطفل على مدى سنوات ولم يواجَه بطريقة سليمة، لذلك وصل الى هذه المرحلة من الكذب.
الجميع يكذب
ليس هناك من إنسان لا يكذب، فالكذب أمر شائع جداً في السلوك الانساني، وهو في بعض الحالات يشكّل جزءاً من التفاعل مع الظروف. الكذب المرضي أو ما يسمّى Mythomania، هو المرحلة التي يصل اليها الراشد نتيجة سوء التربية في طفولته، فيعيش وكأنّه على خشبة مسرح ويبالغ في مشاعره سواء أكان بالفرح أم بالحزن ويصبح انساناً مزيّفاً.
يعتبر علم النفس أنّ لكلّ سلوك شقاً وراثياً وآخر مكتسباً، والشقان يتفاعلان باستمرار. فوراثياً، إذا لاحظت الأم أن أحداً ما في العائلة معتاد على الكذب، يجب ان تتوقّع إنجاب طفل يميل إلى الكذب، ويجب ان تتدارك الامر، لكن السؤال: هل الطفل سيكون تمام الشبه بأبيه وبخاله او غيرهما ممن يكذب في العائلة؟
هنا يدخل الشقّ المكتَسب، فإذا عرفت الأم كيف تعالج هذه المشكلة منذ البدء لن تتفاقم ويمكن القضاء عليها، أمّا إذا لم تعرف التعامل معها كما يحصل في أكثر الحالات، فإنّ طفلها سوف يعتاد على الكذب في المستقبل.
متى يبدأ الكذب؟
في عمر السنتين، عندما يبدأ الطفل يشعر أنه كيان مستقلّ عن الآخرين، ويظنّ أنّ العالم يتمحور حوله وانّ هناك إمكانية عدم قول الاشياء على حقيقتها، تبدأ أولى مراحل الكذب. لكن في هذه المرحلة لا نسمّي ما يقوم به كذباً، إنما نسمّيه خيالاً واسعاً لأننا نعتبر أن الطفل حتى عمر السبع سنوات لا يملك الادراك والنضج الكافيين ليميّز بين الواقع والخيال. لكن بعدما يبلغ الطفل سنته السابعة، يدخل مرحلة يستطيع فيها أن يميّز ما بين هذه الامور. فإذا شعرت الأم أنه ما زال يكذب ويلجأ الى الخيال، عليها ان تسأل نفسها: هل سعينا نحن لإفهامه بعض القيَم الأخلاقية كقول الحقيقة والابتعاد عن الكذب؟ ولا نستطيع ان ننتظر حتى يبلغ سن السابعة كي نوصيه بهذه الأمور، انما يجب ان يربّى عليها. وهناك أمثلة عن الأمور التي يكذب فيها الطفل قبل سن السابعة. يمكن أن يقول لأمه مثلاً أقمنا في المدرسة سباقاً في الركض وكنت الفائز، وهناك احتمال ان يكون الأخير في هذا السباق. وهذه الحالة تدخل في خانة الكذب التعويضي، فهو يتمنّى أن يكون على هذا النحو لكن ليس لديه المقدرة الجسدية الكافية، وهذا النوع من الكذب ليس خطراً، لكنه يتطوّر مع الوقت ويدخل مرحلة الخطر، فكثير من الراشدين يروون عن أنفسهم قصصاً خيالية، وبالتالي يخسرون احترام المجتمع. وهناك مثال آخر، وهو أن يقول الطفل لأمه: رسمت رسمة جميلة وعلّقتها المعلمة على الحائط ويكون ذلك غير صحيح. وهناك بعض الأمهات يعتقدن عن حسن نية أنهنّ يجب أن يشجّعن أطفالهنّ ليحقّقوا نتائج جيدة، فيدخلن في اللعبة ويسهمن في دفع الأولاد الى تكرار الكذب. وثمة أمهات يعتبرن ما يقوم به اطفالهنّ نوعاً من خفّة الدمّ، وبهذا يُمعن الأطفال فيما يدّعونه، ويتكرّر الكذب كل يوم عن طريق اختراع المزيد من القصص، ويصبح هذا الأمر جزءاً من شخصياتهم وقد يصل الى درجة الكذب المرضي.
الخطوات العملية لمكافحة الكذب
- قبل السنة السابعة وهي المرحلة الاساسية التي تترسّخ فيها القيم الانسانية والاخلاقية، علينا ألّا نشجّع الطفل الذي يكذب ونفرح بالقصص التي يخترعها، لأن ذلك سوف يشجّعه على معاودة الكذب وبطرق اكثر خطورة.
- إعادة الطفل الى طريق الحقيقة، فإذا شعرت الأم ان طفلها يبالغ في وصف حالة معيّنة، يجب ان تستدرجه بأسئلتها لتعيده الى قول الحقيقة، من دون ان تشعره بأنها اكتشفت كذبه او تقول له «أنت كاذب». وعليها ان تحصر المشكلة بينها وبينه، ولا تشيعها أمام الوالد وبقية افراد العائلة. ولا بدّ من التشديد على عدم التلفّظ بكلمة كذب أو كذّاب، أي لا نوجه أصبع الاتهام الى الولد، فذلك يدفعه الى تصنيف نفسه كاذباً، وبالتالي سوف يكذب طالما ان الآخرين يتوقّعون منه ذلك.
- بعد السنة السابعة عادة، يتمحور الكذب على العلامات والدروب، وهنا العلاج يكون أيضاً بسعي الأهل إلى اكتشاف سبب إخفاء الولد هذه المعلومات. فقد يكون خائفاً إمّا بسبب تشدّد والديه أو بسبب الضغوط التي تمارس عليه من قبلهما، وتوقعهما منه نتائج قد يعجز عن تحقيقها فيخاف تشويه صورته أمامهما.
- إتفاق الاب والأم على كلّ الامور المتعلّقة بأولادهما، فما هو مقبول يجب ان يكون مقبولاً من الاثنين وما هو مرفوض يجب ان يرفضه كلاهما. ومن الخطأ ان تخفي الأم اخطاء الاولاد عن ابيهم، بل عليها ان تتعاون معه على تلافيها. وهناك ظاهرة تدخل ضمن اطار الكذب وهي اختراع صديق خيالي. بالطبع، ليس كل الاطفال يعيشون هذه الظاهرة لكن البعض يعتبرها دليل ذكاء. ومن الأفضل اذا شعر الوالدان بذلك، ان يسألا نفسيهما هل طفلنا يشعر بالوحدة؟ هل نحن نقسو عليه او يعاني اي نقص؟ هذه المسألة تعتبر اشارة حمراء للاهل ودليلاً على وجود خلل ما، يجب التنبّه اليه ومعالجته قبل ان يتفاقم الامر.