الرئيسية / مقالات / التأثيرات النفسية على المراهق في كنف عائلة مضطربة

التأثيرات النفسية على المراهق في كنف عائلة مضطربة

الجمعة 18 تشرين الأول 2019

كتب د.أنطوان الشرتوني في جريدة الجمهورية:

عندما ينمو الطفل في عائلة تتكرّر فيها الشجارات ولا ينفك الوالدان عن الصراخ بوجه بعضهما أمام أولادهما… ويشاركان (بشكل مباشر أو غير مباشر) أطفالهما في مشكلاتهما… كل ذلك يمكن أن يؤثر سلباً على الطفل. وهذا التأثير يستمر لسنوات، فهو لن يتبخر ولن يختفي، بل يتحوّل عند المراهق، الذي كان يعيش تلك الشجارات، إلى إضطرابات نفسية، ويمكن أن تصل إلى أمراض نفسية. فلا يمكن لأحد أن ينكر تأثير سلوك الوالدين الخاطئ على المراهق وشخصيّته. إذاً ما هو دور العائلة في الإستقرار النفسي عند المراهق؟ وكيف يمكن مساعدة هذا الشاب (أو الشابة) في حال وجود تلك المشكلات العائلية التي “تسمّم” حياته يومياً؟

أكّدت جميع الدراسات المتخصصة في مواضيع علم نفس نمو المراهقين، أنّ المراهق يتأثّر كثيراً بالجَوّ المنزلي وبطبيعة العلاقة التي تجمع والديه. فإذا كان شاهداً على خلافات عائليّة، تظهر لديه علامات منها: قلق التركيز والعدوانية وعدم إحترام الحدود مع الآخرين، ناهيك قلّة شهيّة وبطء في عملية الهضم ينتُجان من شعوره بالحزن، والتي يمكن أن تؤدي إلى مشكلات متعلقة بالأكل، إضافةً إلى ظهور بعض المشكلات النفسيّة، منها القلق والخوف من الآخر وصولاً إلى الإكتئاب. في المقابل أكّدت دراسات أخرى أنّ المراهق الذي يعيش في أُسرة مستقرّة نفسياً مع علاقات سوية بين مختلف أفرادها، يتمتع بإستقرار نفسي.

عائلة سوية… عائلة غير سوية
يمكن تعريف العائلة على أنّها مجموعة أشخاص يتشاركون ليس فقط المنزل ذاته، ولكن أيضاً يجمعهم ترابط وراثي يجعلهم يتشابهون بالكثير من الأمور الجسدية والنفسية. وتلعب العائلة أو أفراد العائلة دوراً أساسياً في النمو النفسي السوي عند المراهق، الذي لا ينتظر من أهله سوى الإهتمام والإصغاء. كما ان العائلة هي مصدر اساس للحبّ والدعم والتشجيع. وليس هناك أروَع من التمتّع بالدفء الأُسَري الذي يخلق استقراراً نفسيّاً عند المراهق ويُساعده في بناء شخصيّة متوازنة. وبالرغم من أنّ مرحلة المراهقة مرحلة صعبة يمرّ فيها كل إنسان، حيث يتخللها الكثير من إختلافات في وجهات النظر وصولاً إلى مشكلات سلوكية، ولكن هذا لا يعني أن يستسلم الأهل للمصاعب. فاختلاف وجهات النظر بين أفراد الأسرة الواحدة أمر طبيعيّ، خصوصاً أنّ لكلّ فرد تكوينه النفسي الخاصّ المختلف عن غيره.

المراهق في جو عائلي متشنج
عندما يعيش المراهق في كنف عائلة تتكرّر فيها المشكلات التي عادة تحدث بين الزوجَين، “سيخاف” المراهق على أهله، من التفكّك الذي يمكن أن يحدث… وكالطفل سيشعر بأنّه جزء من هذا الخلاف وربما هو سبب هذا الخلاف. وتتأرجح مشاعره ما بين الخوف على أهله وقلة شعوره بالامان.

نتائج المشاجرات بين الأهل:
أولاً، الإنطوائية والبحث عن العزلة، وهي من أكثر المشاعر التي تقود المراهق إلى الإنغلاق الإجتماعي وعدم الإكتراث بما يدور من حوله. بل يكون كل تركيزه يدور حول الأمور العائلية والمشكلات بين الوالدين.
ثانياً، العدوانية تجاه رفاقه في الصف أو أصدقائه في الحي… تكون هذه العدوانية سبباً مباشراً لخسارة الكثير من الأصدقاء. ويُبدي المراهق نوعاً من الخلل في الانضباط السلوكي والنفسي، جرّاء عدم التوازن في الأسرة، يتجلّيان عبر بعض المشكلات التي يثيرها في المدرسة أو مع أصدقائه وإخوته. ودور الأخصائي النفسي المدرسي في هذا المضمار هو إكتشاف سبب العدوانية التي يمكن أن تكون مفرطة في بعض الأحيان، ومعالجة الموضوع سوية.
ثالثاً، عدم الثقة بالنفس. وهو يتجلّى من خلال خوف دائم من المستقبل. وعدم ثقة بالنفس يمكن أن يحملها المراهق الى مدى عمره بسبب الشعور بأنّه سبب مشاجرات أهله. ويتحوّل عالمه، الذي كان مفترَضاً أن يكون مليئاً بالحبّ والانسجام العائلي، إلى عالم بغيض تشوبه المشاحنات والمخالفات. لذا من المهم أن يُفَسَّرْ للمراهق بأن ليس لديه أي علاقة بمشكلات أهله، وهو ليس سببها .
رابعاً، قلة في التركيز خصوصاً خلال الحصص المدرسية، وعدم القدرة على الإستجابة للآخر بشكل سوي مع سلوكيات يمكن أن تتصف بـ”ضد إجتماعية”.
خامساً، مشاكل نفس – جسدية، كالأوجاع في كل أنحاء الجسم، حتى يمكن أن يعاني المراهق من القلق المزمن والقلق المعمم. كما نجد بعض الأحيان عند المراهقات سلوكيات كـ”التوقف عن تناول الطعام” (أنوريكسيا)، وهذا شكل من أشكال معاقبة الذات، حين تشعر المراهقة بأنّها سبب تلك المشكلات بين أهلها.
سادساً، إنعدام الأمان مع نظرة تشاؤمية للحياة، قد تصل حَدّ الاكتئاب.

كيفية مساعدة المراهق!
هناك العديد من النقاط التي يجب أن يقوم بها الوالدان للتخفيف من التأثيرات السلبية على ولدهما المراهق. فكما ذكرنا، يتأثر المراهق بشكل كبير بالجَوّ العام في المنزل، وبكلّ كلمة ينطقها والداه، أو كل تصرّف يقومان به. لذلك تقع عليهما مسؤوليّة إيجاد الحلول المناسبة لتجاوز خلافاتهما وتحييد آثارها السلبيّة عن أبنائهما وضمان نموّهم السليم. ودور الأب والأم في هذا السياق هو:
– أن يكونا قدوة لولدهما المراهق، فلا يجب أن ينسى الأب بأنّه المثل الأعلى لإبنه، وهو سيتمثل به من خلال تصرفاته الجيدة. كما للأم دور أساسي في مساعدة طفلتها المراهقة في اجتياز هذه المرحلة العمرية الدقيقة بشكل صحيح. ولا يجب أن ينسى الأهل أنّ أطفالهم يشاهدون ويلاحظون، فلا يجب الإستخفاف بالسلوكيات الحسنة عند المراهق.
– تقديم الأمان لجميع أفراد العائلة والإبتعاد عن الصراخ والتشنجات أمام الأطفال المراهقين واعتماد مبدأ الحوار الهادئ والبسيط.
– إظهار الحبّ للأبناء: فمهمّة الوالدين لا تقتصر على تأمين المواد الأساسيّة كالطعام والشراب، بل عليهما الاستماع جدّياً لمطالب أولادهما، ومنحهم وقتاً كافياً للاستماع إلى مشكلاتهم اليوميّة ومحاولة حَلّها.
– من أهم المبادئ التي على الوالدين تطبيقها، هي وضع قواعد يلتزم بها الطفل داخل المنزل وخارجه، ليتعلّم الانضباط.
– لا شجار ولا توتر أمام المراهقين. والحل الوحيد لمعالجة المشكلات هو الحوار ثم الحوار ثم الحوار. ويمكن أن يطلب الأهل المساعدة من الأخصائي النفسي المدرسي إذا لم يستطيعوا السيطرة على الوضع.