مجلة وفاء wafaamagazine
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب صلاة الجمعة في مقر المجلس، والقى خطبة قال فيها: “قال تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ). كثير من الناس بل اكثرهم عندما يبتلى بابتلاء او يصاب بمصيبة وهي سنة الحياة يبدي ردة فعل سلبية متسائلا مستنكرا عن السبب الذي اقترفه فاستحق ذلك، فعندما يخسر في تجارته ويكون قد أحكم حساباته او يصاب بمرض او يفقد احد اعزائه ولا يكون مسؤولا او مسببا لذلك او يفقد الامان والاستقرار بسبب اضطرابات اجتماعية او حروب اهلية داخلية او حروب خارجية او يفقد الامان الصحي كأن يصاب المجتمع بجائحة صحية او بكارثة اقتصادية وغيرها من الابتلاءات والمصائب، كما هو الحال الذي اصاب مجتمعنا اللبناني فابتلى بهذه الابتلاءات مجتمعة وهو في كثير من افراده وجماعاته قد يصاب بالصدمة والانهيار النفسي ويفقد السيطرة على نفسه والقدرة على التفكير بالحلول الممكنة التي تمكنه من عبور الازمة بأقل الخسائر الممكنة”.
اضاف: “من هنا نفهم المغزى الذي ترمي اليه هذه الاية وغيرها من الايات الاخرى ان توضحه لنا وتضع حلولا لمعالجته وتوصلنا اليه، وهو في الغالب مغزى تربوي ثقافي واجتماعي ورؤيوي الذي ينبىء عن قصور الانسان من ايجاد الوسائل اللازمة للخلاص والوصول الى بر الامان من دونه، وقد شخصته هذه الايات بفهم الغاية التي كان من اجلها الخلق وكانت من اجلها الحياة والوظيفة التي عليه القيام بها، وهي الاسئلة الطبيعية التي يجب ان تخطر في بال اي احد ويجهد في التفتيش عن الاجوبة السليمة لها حتى يستطيع ان يرسم لنفسه الطريق الذي يجب ان يسلكه والهدف الذي يضعه نصب عينيه، ويعمل على تحقيقه وهو ما ارادت الاية المباركة توجيه النظر اليه وبيان الاطار الفكري لحالة الانسان فردا وجماعة، وهو ان الحياة هي الميدان الذي يجب على الانسان ان يختبر فيه امكانياته ويطورها ويستخدمها لاعمار الارض وفق نظام القيم التي تنسجم مع هذه الرؤية وهو ما عبرت عنه الاية بالقول (لنبلونكم) وان هذا الاختبار لن يكون سهلا وان تجاوزه بنجاح يحتاج الى ايمان ثابت لا يتزعزع بان الله هو مبدأ الحياة ومالكها وان الحياة لا تنتهي بالموت وانما هي الفرصة التي اعطيت له ليبني الانسان حياته الحقيقية ( ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، وهي الرؤية الفكرية الوحيدة التي تعطي الحياة قيمتها الحقيقية كما انها تعطي فكرة العدالة تصورا منطقيا لا تجده في اي تفسير اخر او فلسفة اخرى”.
وتابع: “اذا، فان ما تجيب عنه الآية أمران اساسيان يعطي ما نعتبره في حياتنا امورا سلبية مثل فقدان الامن ومواجهة الخوف والجوع وخسارة الاموال وفقدان الاعزاء وغيرها من الامور المحببة لدينا وتتعلق بها نفوسنا وتسبب خسارتها الما كبيرا، بحيث ان خسارتها وفقدانها يكون بمثابة فقد الانسان لجزء من نفسه، فالاية تعكس هذه السلبية الى معنى ايجابي يخفف عنه الم الفراق والخسارة، وان ما سيحصل عليه في المقابل اكثر مما افتقده خصوصا اذا كانت الخسارة في سبيل قضية مقدسة لشهادة في سبيل الله او بذل المال او خسارته الى اخر ما يتصورونه من امثلة في هذا المجال كالمعاناة التي نتجت عن الحصار من الجوع والقلة مما يعطي الانسان قوة هائلة على الاحتمال والصبر على المواجهة والاصرار على الثبات للوصول الى الهدف مهما كان الثمن وهذا يختلف باختلاف قوة الاعتقاد والايمان”.
واردف: “الامر الثاني: هو التحرر من اسر المادة والامور الدنيوية وان ليس لها قيمة الا بمقدار ما تخدم الاهداف العليا التي يسعى لتحقيقها في الحياة مثل اقامة مجتمع العدالة ومحاربة الظلم والعدوان والارتفاع بمستوى المجتمع الثقافي والاجتماعي والسياسي والاهتمام بالفقراء ورفع الحاجة ومحاربة التخلف الخ من اهداف نبيلة يدفعه اليها ايمانه بالله واليوم الاخر. وهو ما يسهل عليه التخلي عن مكتسباته المادية وبذلها في سبيل الله تعالى ويدفعه الى التخلص من الانانية وحب الذات ويجد نفسه في الجماعة التي ينتمي اليها والتي يجمعه بها نفس الايمان بالقيم التي ينتمي اليها”.
ورأى “ان قيمة التضحيات التي يقدمها اي شعب او اي انسان ترتبط بأهمية الاهداف التي يسعى اليها، وبمقدار ما تكون هذه الاهداف ذات قيمة عالية بمقدار ما ترخص في نفسه التضحيات التي تقدم في سبيلها ويعظم ثوابها عند الله سبحانه وتعالى فترخص حياة المرء لديه حينما يتعرض الوطن للخطر او تتعرض الكرامة الانسانية او القيم الانسانيه للامتهان. وهذه التضحيات التي تقدم في سبيل قيم العدالة والحق ومواجهة الفساد والظلم والعدوان اعطيت في الثقافة الاسلامية عظيم الاهتمام واعتبرت جهادا في سبيل الله تعالى وصنفت من حيث القيمة الدينية الى درجات حثت على البذل والعطاء وربط الاسلام بينها وبين استقامة الاجتماع الانساني والبشري وتحقيق الامن والسلم. قال تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين) لنهدينهم سبلنا حيث ورد في الاية سورة المائدة الاية 16 قوله تعالى (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم. فسبل الله تعالى هي سبل السلام والسلام في الحياة مرتبط بالجهاد والبذل والتضحية، وان الله تعالى قد تكفل به”.
وقال: “لذلك، فان المؤمن لا يمكن ان يعيش اليأس في حياته وهو حينما يقدم حياته لا يتخلى عنها يائسا بسبب الفشل الذي يمكن ان يصيبه فيشعر بعدم قيمة هذه الحياة، بل الحياة هي أعز شيئ لديه وحينما يقدمها انما يقدمها لقضية يؤمن بأهميتها وهو يرجو بها رضوان الله تعالى (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم)، وهذا الهدف الكبير لا يمكن الا ان يكون الثمن الذي يبذله في سبيله عظيما وكبيرا ولا يمكن لليائس الذي ينظر الى حياته انها عديمة القيمة ان ينال هذا الجزاء لانه لا يمتلك الثمن الذي يستحقه”.
واكد “ان الامة التي تمتلك هذه الثقافة هي اغنى الامم واقدرها على البقاء والمواجهة، فقوة الامم وقدرتها على البقاء انما تقاس بقوة وغنى الثقافة التي تحملها، وهو ما يجعل هذه الامة رغم العثرات التي سقطت فيها نتيجة الضعف الذي انتابها ان تنهض من جديد وتسطر اروع الملاحم في ساحات المواجهة مع عدو امتلك من القوة والغنى المادي ما لا يقاس بما يمتلكه المجاهدون، وتصور الكثيرون لذلك استحالة النهوض من حالة السقوط هذه وانه لا سبيل للنجاة الا بالاستستلام لارادة العدو والرضا والقبول بحياة الذل والهوان”.
وقال: “ان الذي يدفع شعبنا اليوم لتحمل ما تنوء عن حمله الجبال هو هذا الايمان وهذه الثقافة التي تجعل من المستحيل أمرا يسيرا، فالارهاب والمؤامرات والفتن والحصار والشهداء والتهويل الاعلامي كان الرد عليه بما تعلموه من كتاب ربهم (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)”.
اضاف: “لقد كانت الحرب والحصار من الداخل والخارج والتآمر داخليا وخارجيا، ولكن التوكل على الله تعالى والايمان بعزيمة المقاومين و وصدقهم وثباتهم في ساحة الميدان كانت اقوى من تآمر المتآمرين وتهويل المهولين فانتصرت في ساحات المعارك العسكرية وانتصر لها اهلها بحمايتها وحضنها في الداخل مع ما تحملته من الاذى واصبحت الصخرة الصلبة التي ترتكز عليها التحولات في المنطقة التي شهدنا بالامس بعض اوجهها في معارك غزة وفلسطين بكل وجوهها العسكرية والسياسية تلاحم الميدان مع الداخل الفلسطيني الشعبي من كل انحاء فلسطين ومرة اخرى يصبح ما كان يتصوره مستحيلا امرا واقعيا وحتميا باذن الله بعد التحولات الكبرى التي انجزتها في المنطقة بافشال المشروع الارهابي التقسيمي وتحقيق محور المقاومة وانجاز مشروع التنسيق بين دوله الذي كان حلما من الاحلام في الماضي القريب. لقد انهارت بفعل ذلك كل مشاريع الاستسلام وآخرها مشروع التطبيع مع العالم العربي التي ظن العدو الاسرائيلي ومن خلفه الولايات المتحدة الاميركية والغرب انها واقع لا يمكن تغييره وانجز هذا المحور بهذه الاستراتيجية واقعا جديدا سيكبر حتى ينتهي بالانتصار الكبير، وهو هزيمة مشروع الهيمنة الغربية باقامة الدولة العنصرية اليهودية في المنطقة العربية والاسلامية وبتحرير كامل التراب الفلسطيني وقلبه القدس الشريف بعد ان رضخت الولايات المتحدة الاميركية امام الارادة الفولاذية للشعب الايراني العظيم وقيادته الشجاعة والحكيمة وافشال حصارها الذي ليس له نظير في العالم”.
وتابع: “نأمل ان يعي المسؤولون اللبنانيون قيمة هذه التحولات ويستجيبوا لنداء الضمير والعقل ولنداء شعبهم الكريم والمضحي ويعملوا بالتوافق على تأليف حكومة تضع استراتيجية الخروج من الواقع الذي وضع الشعب اللبناني فيه والا يستمروا بسياسة الكيد والمناكفة وما يسببه ذلك من اذى واهانة للشعب اللبناني العزيز امام شعوب العالم. ومرة اخرى نوجه التحية الى شعبنا المقدام والصبور والواعي الذي قدم التضحيات الجسام من اجل كرامته وكرامة وطنه وامته وكان كبيرا في التعالي على الجراح والاتهامات والاستهانة بتضحياته والتشكيك بانجازاته”.
وهنأ المفتي قبلان الشعب السوري على “إنجازه الانتخابات الرئاسية بوعي ومسؤولية وروح قوية تعمرها ارادة التحدي لكل المؤامرات والتهديدات التي أسقطتها الانتخابات الرئاسية، لتؤكد ان سوريا انتصرت بشعبها وجيشها ورئيسها وانها عصية على كل المؤامرات والتهديدات وستعود دولة قوية موحدة منيعة ومزدهرة باذن الله تعالى”.