السبت 19 تشرين الأول 2019
كتب ماهر الخطيب في موقع النشرة:
يختصر رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط حال السلطة السياسية منذ ليل الخميس الماضي، لا تدرك جيداً كيفية التعامل مع الحراك الشعبي في الشارع الذي تجاوز كل التوقعات، لا سيما في ظل استمراره بوتيرة مرتفعة لا تتوقف.
يوم أمس، قرّر جنبلاط أن يركب الموجة الشعبيّة والدعوة إلى اسقاط عهد الرئيس ميشال عون، داعياً أنصاره إلى التظاهر في “مناطقنا”، لكن لم تمض 24 ساعة حتى أدرك رئيس “الاشتراكي” أنّه لن ينجح في تحقيق أهدافه، نظراً إلى أن الشارع ينظر إليه بوصفه أحد أركان السلطة الحاكمة، المسؤولة عن الواقع الذي وصلت إليه البلاد، وبالتالي هو غير مرحّب به في صفوفهم بأيّ شكل من الاشكال، الأمر الذي دفعه إلى اعادة حساباته من جديد.
من هذا المنطلق، يمكن فهم الموقف الجديد لجنبلاط، الساعي إلى تحمل المسؤولية مع الجميع، من خلال الورقة الاقتصاديّة التي يعدّها رئيس الحكومة سعد الحريري، في انتظار رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أيضاً موقفه، بعد أن دعا أنصاره إلى التظاهر في ساحة ساسين في الأشرفية، بعيداً عن التحركات الشعبيّة في مختلف المناطق.
الواقع الحالي، يعيد إلى الواجهة التحالف الرباعي، الذي كان قد ظهر في الساعات الماضية، والذي يشمل “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” و”حركة أمل” و”تيار المستقبل”، الذي لا يزال يراهن على القدرة في استيعاب الحركة الاحتجاجية في الشارع، من خلال اجراءات جديدة بعيدة عن منطق فرض الضرائب والرسوم على الفقراء وذوي الدخل المحدود، وهو ما بدأ يتسرب من خلال الاقتراحات التي يقدمها في الوقت الراهن، لكن التجاوب معها لا يبدو بالأمر السهل، بل يمكن القول أن الطبقة السياسية “المربكة” باتت في وضع لا تحسد عليه.
على هذا الأساس، الساعات الفاصلة عن الموعد الذي حدده رئيس الحكومة يبدو أنها ستكون مصيريّة، بعد أن أيقنت القوى السياسية أنها أمام الفرصة الأخيرة، نظراً إلى أن رسالة الشارع كانت واضحة بعدم امكانية التراجع، وبالتالي لا بد من القيام بخطوات اصلاحيّة حقيقيّة، وهي لم تعد تحت سيف المجتمع الدولي عليها، بل أيضاً أمام سيف التظاهرات القاسية في التعامل معها، بعد أن تحولت إلى سلطة رقابيّة لا يمكن تجاهلها، لكن مع معادلة حاسمة بأنّ أحداً لا يستطيع أن يستغلّ التحركات، لحرفها إلى مكان آخر يستطيع من خلاله تحقيق أهدافه الخاصة.
وبانتظار الموقف النهائي الذي سيختاره “القوات اللبنانية”، بين العودة إلى “بيت الطاعة”، كما فعل “الاشتراكي”، أو الاصرار على البقاء في الشارع، بالرغم من أنّه لم يقدم حتى الآن على الخطوة الأساسية، أي اعلان الخروج من الحكومة، يستطيع الشارع، في المرحلة الحالية، أن يحصل من السلطة “المربكة” على أكبر قدر من الاصلاحات، وهي فرصة قد لا تتكرر على اعتبار أنها لم تشعر بهذا الخطر، منذ أن تشكلت، في البداية، بعد اتفاق الطائف، ولاحقاً بعد اتفاق الدوحة.
في المحصّلة، نجح الشارع في حماية نفسه من محاولات الاستغلال المتكررة، وهو أفضل ما حصل حتى الآن، بعد أن رفض دخول أيّ فريق سياسي، سواء كان في المعارضة أم في الموالاة، في الدخول على خطّه، لكن المطلوب الاستمرار على هذه الحال، لفرض أجندة اصلاحيّة لا تستطيع القوى السياسيّة الهروب منها أو الالتفاف عليها.