الأحد 20 تشرين الأول 2019
جريدة الأخبار:
ما تراه السلطة «الصدمة الايجابية» التي تفكر بالاقدام عليها لتنفيس احتقان الشارع واخراج الناس من الساحات، ينحصر في خطوتين: الاولى متفق عليها حتى الآن وتتلخص بموازنة جديدة يصل عجزها الى صفر، من دون فرض اي رسوم او ضرائب جديدة تطال الناس، وتحقق واردات اساسها من المصارف. اما الثانية، فهي بداية حديث عن تعديل حكومي أو تعديل وزاري، ربما عجل به قرار «القوات اللبنانية» الاستقالة من الحكومة. لكن، هل هذا يخرج الناس من الشارع؟
بالامس، كان لبنان، يشهد المزيد من الاحتجاجات الشعبية، وسط سيل جارف من المواطنين الذين لم تؤثر فيهم لا اجراءات القمع المخيفة للقوى الامنية ليل الجمعة – السبت في بيروت، ولا اعتداءات مسلحي حركة امل في الجنوب، ولا تدخل انصار وليد جنبلاط لتحديد مسار التحركات في الجبل. وكان لافتا العدد الكبير من المشاركين في تظاهرات بيروت الكبرى وبقية المناطق، وسط تعاظم مستوى الاعتراض في طرابلس وصور، وانحسار الصدامات بين المواطنين والقوى الامنية. تقدم المتظاهرون خطوات الى الامام. مسحوا آثار العدوان الذي تعرضوا له ليل امس الاول على يد القوى العسكرية والامنية. وفي الجنوب، خرجوا باعداد كبيرة ردا على بلطجة مسلحي «امل»، لا سيما في صور، في مقابل مساعي قيادة الحركة الى نفض اليد ممن وصفتهم بـ«غير المنضبطين». وركزت الشعارات التي رددها المتظاهرون على رفض اي علاجات وسطية، وطالبوا باستقالة الحكومة والمجلس النيابي. بينما ظلت التحركات من دون قيادة واضحة.
الحريري يفضّل استقالة الحكومة واعادة تأليف حكومة جديدة حكومة جديدة
وفي مكان اخر، كانت الاتصالات السياسية قائمة بصورة مكثفة، وتمت تغطيتها بخطاب لافت للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي اعلن تضامنا واضحا مع المتظاهرين، داعيا المسؤولين الى التصرف بجدية مع الذي يحصل على الارض. لكنه اعلن موقفا حاسما لجهة الوقوف الى جانب الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، ورفض التغيير في التركيبة. وهو ما اثار انزعاج المتظاهرين ما انعكس انتقادات قاسية له، علما، انه تبين – وان كان هذا الكلام لن يعجب كثيرين – ان وسائل اعلام معروفة بولائها للسفارة السعودية في لبنان، «نفذت تعليمات» مصدرها السفارة باستخراج اعلى نسبة من النقد والشتائم للسيد نصرالله شخصيا.
ماذا حصل؟
على الصعيد السياسي، يمكن تقديم النتيجة الاتية:
اولا: عمل الرئيس الحريري على حشد التأييد لبقائه في موقعه. اجرى اتصالات داخلية وخارجية لهذه الغاية. وبحسب مصادر مطلعة فقد حصل على دعم مباشر من الولايات المتحدة وفرنسا لبقاء الحكومة وبقائه في منصبه، مع دعوات الى استغلال ضغط الشارع للسير بـ«الاصلاحات» المنتظرة. وعمل على خط القوى السياسية، فناقش مع فريق النائب السابق وليد جنبلاط مخاطر الانهيار والفراع، وطلب دعم الرئيس نبيه بري الذي ساعد على تقديم شروحات كبيرة لجنبلاط لجهة الاثمان الكبيرة التي سيدفعها الجميع في حالة الانهيار. وقد لاقت هذه المحاولات صداها عند جنبلاط الذي عمد الى ابراز مخاوفه من «مصير شبيه للاكراد» على ما نقل احد المتصلين به. وهو ابلغ قوى كثيرة، وعواصم تتقدمها السعودية، بأنه لا يقدر على تحمل مسؤولية الانهيار الكبير ان سقطت الحكومة. وانتهى النقاش معه بأن أرسل وزير الصناعة وائل ابو فاعور الى لقاء الحريري وتسلم نسخة من اقتراحه لـ«الاصلاحات» الاقتصادية، على ان يعود جنبلاط بالجواب اليوم. لكنه سارع مساء الى اعلان موقف تراجعي محذرا من مخاطر الفراغ والانهيار، من دون ان ينسى اثارة ما يهمه لجهة حاجته الى ضمانات بـ«عدم عزله وان يعود شريكا كاملا» في ادارة الحكومة.
ثانيا: حاول الحريري الامر نفسه مع قائد القوات اللبنانية سمير جعجع. لكن الاخير رفض ارسال مندوب عنه لمناقشة الحريري في الورقة الاقتصادية. وابلغه بان قيادة «القوات» تتعرض لضغوط كبيرة «من قواعدها من الشارع وانها تناقش قرارا سريعا بالاستقالة». وهو ما عكسته مشاورات داخل قيادة القوات حيث برزت اراء تدعو الى الاستقالة من دون انتظار الاخرين، خصوصا بعد التبدل في موقف جنبلاط، واراء اخرى تخشى ان تكون الاستقالة مناسبة لعزل القوات من جديد. لكن القرار اتخذ اخيرا بالاستقالة الفورية والكاملة من الحكومة، وطلب تشكيل حكومة جديدة.
ثالثا: ناقش الحريري مع غالبية القوى السياسية المؤثرة في الحكومة، من التيار الوطني الحر الى حركة امل وحزب الله وتيار المردة، افكارا جديدة ضمنها ورقته الاقتصادية، طالبا تبنيها سريعا لدعوة عاجلة للحكومة الى اجتماع لاقرارها قبل الاثنين. ورغم ان الاطراف المعنية لم تعلن عن مواقفها، الا ان المصادر المتابعة اشارت الى ان حزب الله ساعد في اقناع كثيرين بالورقة بعد التزام الحريري بإلغاء كل انواع الرسوم والضرائب والاجراءات التي تصيب الطبقات الفقيرة وموظفي القطاع العام. وفهم ان وزير الخارجية جبران باسيل تراجع عن تحفظات كثيرة كان وضعها بشأن مصير قطاعي الكهرباء والخلوي.
الورقة الاقتصادية
وبحسب احد المشاركين في الاتصالات بشأن ورقة الحريري، فإنها تتضمن ما سماه المصدر «خطوات نوعية غير مسبوقة» تقوم على عدة امور، منها الغاء كل انواع زيادات في الضرائب على القيمة المضافة والهاتف والخدمات العامة، وإلغاء كل الاقتراحات الخاصة باقتطاع جزء من تمويل سلسلة الرتب والرواتب، وإعادة العمل بالقروض السكنية. اما بشأن الواردات، فإن اللافت كان في اشارة ورقة الحريري الى قرار حاسم بأن تكون موازنة العام 2020 بلا عجز! وتفيد المصادر بأن الحريري بحث مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بشأن «مساهمة» المصرف المركزي وجمعية المصارف بنحو خمسة الاف مليار ليرة لخفض كلفة الدين العام، إضافة إلى زيادة الضريبة على ارباح المصارف. في المقابل، تحدّثت المصادر عن ان ورقة الحريري تتضمّن اقتراحاً بخصخصة قطاع الهاتف الخلوي قريباً جداً، والشروع في تطبيق خطة الكهرباء من تعيينات الهيئة الناظمة ومجالس الادارة والشروع خلال وقت قصير (نحو شهر) في تطبيق الخطة لناحية المصدر المؤقت للطاقة والمصدر الدائم، وإقرار مناقصات محطات الغاز.
ورقة الحريري تتضمّن اقتراحاً بخصخصة قطاع الخلوي
وبحسب المداولات، فان ورقة الحريري تتضمن أفكاراً لإقرار مجموعة من اقتراحات القوانين التي تشمل قانون رفع السرية المصرفية الالزامي على جميع الوزراء والنواب والمسؤولين في الدولة، وقانون خاص لاستعادة الاموال المنهوبة، ووضع آلية واضحة وعملانية لمواجهة الفساد، بالاضافة الى الغاء قوانين البرامج الخاص بالانفاق في مجالي الاتصالات والطرق، والعمل على خفض رواتب الرؤساء والوزارء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة خمسين في المئة، وإلغاء امتيازات كثيرة تتمتع بها مؤسسات الدولة ورجالاتها. وفتح النقاش امام تعديلات في الهيكلية العامة للدولة لجهة إلغاء وزارات وإقفال مجالس وصناديق.
تعديل وزاري؟
ومع مناخات التفاؤل لدى اركان السلطة حيال الورقة الاقتصادية، فان مسؤولين رفيعي المستوى، يتقدمهم الحريري، تساءلوا امس عما اذا كانت هذه الاجراءات كافية لامتصاص نقمة الشارع. وقال الحريري لزواره إنه يدرس الامر لناحية «كيفية اقناع الناس بجديتنا في المعالجة».
وقد دفعت هذه المناخات، معطوفة على قرار القوات اللبنانية بالاستقالة، الى التلميح إلى إمكان اجراء تعديل حكومي او وزاري كبير. ومع ان الحريري نفى نيته ذلك، وانه يفضل استقالة الحكومة واعادة تاليف حكومة جديدة، الا ان قريبين من الرئيس عون لا يمانعون في اجراء تعديل من دون استقالة الحكومة. وهنا، أشيرَ إلى ان الوزير جبران باسيل لا يمانع تغييرا يناسبه هو على الصعيد المباشر. لكن التقديرات ظلت متباينة حول نوع التعديل المطلوب، خصوصا أن الجميع يبحث عن صدمة ايجابية كبيرة تجاه الشارع، بين من يعتقد انه يجب تغيير اسماء كبيرة، وبين من يعتقد انه بالامكان اجراء تعديل شكلي مثل اقالة وزيري الاتصالات محمد شقير والبيئة فادي جريصاتي.