مجلة وفاء wafaamagazine
افتتح صباح اليوم مؤتمر “لبنان وطني” في بيت عنيا حريصا الذي يتطرق الى الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن تكون نقطة قوة للبنان، كذلك سياسة لبنان الخارجية التي تعاني من مشاكل منذ العام 1920 حتى اليوم.
وخلال المؤتمر القى النائب شامل روكز كلمة جاء فيها:
“يقولُ الشاعرُ الفرنسي Jacques Prévert “عندما لا تكونُ الحقيقةُ حرّةً، فالحريّةُ لا تكونُ صحيحةً”.
ولأنّنا نرفضُ أن نكونَ غيرَ شهودٍ للحقيقةِ، ولأنّه معروفٌ عنّا الاستماتةَ في سبيلِ الحريّةِ الحقّة، نحنُ هنا.
لأنّنا نرفضُ التدجينَ والولاءاتِ دونَ مساءلةٍ، نحن هنا.
لأنّنا نريدُ وطنًا على قياسِ طموحاتِنا وطموحاتِ شعبِنا، نحن هنا.
أيّها الإخوة،
إنَّ الّلحظةَ التي نعيشُها اليوم، وبعدَ مُضيِّ عامٍ ونصف العامِ على حراكٍ شعبيٍ غيرِ مسبوقٍ، وإفلاسٍ سياسيٍ واقتصاديٍ وأخلاقيٍ قلَّ نظيرهُ في التاريخِ الحديث، مقرونًا بلامبالاةٍ من قبلِ عصابةٍ حاكمةٍ أطبقت على البلدِ ومقدّراتهِ وثرواتِ أهلِه، تستدعي منّا التوقُّفَ والتفكيرَ مليًّا في كيفيّةِ مساهمتِنا في إنقاذِهِ، نحن الغيارى على المستقبل، والمدركينَ هولَ المأساةِ التي يمرُّ بها شعبُنا.
أأَكتفي بتوصيفِ الأزمة؟ كيفَ أوصِّفُها وكلُّ لبنانيّ باتَ خبيرَ توصيفٍ بسببِ المآسي التي يعيش: من الصيدلية، إلى رغيفِ الخبز، إلى محطةِ المحروقات، إلى المصارف، إلى الكهرباءِ وغيرِها… لقد حَجَّموا أحلامَنا وطموحاتِنا وقزّمُوها، جاعلينَها على قياسِهِم.
أَأَكتفي بكلامٍ منمّقٍ عن طائرِ الفينيق والأملِ الآتي؟ فجميعُنا كفرَ بالأوهامِ والكلامِ غيرِ المرتبطِ بأيّ خطواتٍ عمليّة، وسَئِمَ التنصُّلَ من المسؤوليةِ وتراشقَ التُّهَمِ لتبريرِ الفشل.
أَأَكتفي بكلامٍ هجوميٍّ على الحكّامِ والمسلّطين؟ حتى الهجومات، ملَّ اللبنانيونَ منها، وفَضَحَ مَنْ في السلطةِ شركاءَهم، وباتَ كلُّ لبنانيٍّ يعرفُ معاصيَ الكلّ، وإنْ حاولَ البعضُ التستّرَ عن معاصي زعيمٍ آمنوا به، أو شخصيةٍ انتخبوها…
أيّها الأحبّاء،
في السابع عشر من تشرين 2019، انطلقتْ ثورةُ شعبِنا، وما الثورة هذه إلاّ رفضًا للتوصيف، وقرفًا من الكلامِ المعسول.
وسيكونُ للشعبِ ما يريد، حتّى وإنْ حاولَ مَنْ إئتُمِن على خدمتهم الهروبَ إلى الأمام واللجوءَ إلى الإنكار.
سيكون للشعبِ ما يريد، لأنّه وبالرّغمِ مِنْ ظلاميّةِ المشهد، فالحريةُ ستعرفُ دائمًا طريقَها إلى النّور، ولبنانُ الآتي سيشقُّ الدُّجى ويولد.
ولأنّني أشعرُ بواجبي تجاهَ هذا الشعب، الذي طالما سَعَيتُ بما أعطاني الربُّ في خدمتي العسكريّةِ التي بها أفتخر، أن أضحّي في سبيلِهِ حتّى بذلِ الذات، أن أضعَ بين يديه، ومِنْ خلالِ كلمتي هذه، رؤيتي للبنان الآتي التي أسعى من خلالِكم، ومِنْ خلالِ المؤتمِرين، أن أضعَ برنامجًا علميًا لكيفيّة وضعِها حيّزَ التنفيذ، ساعيًا عبرَها، وكما عهدتموني، أن أكونَ مشروعَ حلٍّ لا طرفاً بين أطراف، ولا فريقاً ضدّ فريق، مع تمسّكي بحقّي المشروع بالشهادةِ للحقِّ والحقيقةِ، وعدمِ مناصرتي ومدِّ اليدِ للسارقين والفاسدين.
فالنيابةُ التي كلّفني بها الشعب، ما مارستُها إلاّ تشريعاً وخدمة، ولم أحسبْها يوماً تشريفاً أو مركزاً، وما استغلّيتُها للمنفعةِ الشخصيّة، ذلك لأنّني أرفضُ أن أتنكّرَ في حاضري لتاريخي، وألاّ يكونَ مسقبلي امتدادًا لهما.
أيّها الإخوة،
ثارَ شعبُنا، وحدّدَ بكلماتِه العفويّة ما يريدُه مِنْ حركتِهِ المشرّفةِ والسلميّة، وإنْ حاولَ بعضُ المغرضينَ إخراجَها عَنْ سياقِها وتحويلِها إلى مواجَهاتٍ ميليشياويّةٍ في وجهِ أبنائنا في الجيشِ والقوى الأمنيّة. وأنا أعلنُ مِنْ على هذا المنبر مدَّ اليدِ إلى الثوّار الحقيقيّين، لنسعى معًا من أجل تحقيقِ ما يبغون.
أيّها الشعبُ الطيّب،
أنا معكُم ومثلَكم، أريدُ قضاءً حرًّا نزيهًا ومستقلاً، يقضي على الفسادِ الذي يُجهِزُ على الدولةِ ومرافقِها، دونَ رحمةٍ ولا تمييزٍ، ودونَ فتحِ ملفّاتٍ وتسكيرِ أخرى بهدفِ المقايضةِ والتسويات.
أنا معكُم ومثلَكُم، أسعى للتخلّصِ من التمييزِ الطائفي الذي يغذّيه رؤساءُ الأحزابِ لأهدافٍ انتخابيّةٍ رخيصة، علَّهم بذلك يحافظونَ على زعاماتِهم الفارغةِ مِنَ المضمون، وتاريخي في المؤسّسةِ التي حَضَنَتني وربّتني خيرُ شاهدٍ على ما أقول.
أنا معَكُم ومثلَكُم، أريدُ تطهيرَ الإدارةِ وتنظيمَها، ومحاربةَ الفسادِ المستشري في حناياها، وحمايةَ موظفّيها من التدخّلات والضغوطاتِ والمحسوبيّات.
أنا مَعَكُم ومثلَكم، أحلمُ لوطني بإدارةٍ تكونُ في خدمةِ الشعب، إدارةٍ بسيطةٍ، مستقيمةٍ، كفوءة، لا هدفَ عندها غيرَ قضاءِ المصلحةِ العامّة، لا تأمينَ خدماتٍ لمسؤولٍ من هنا ومسؤولٍ من هناك. والإدارةُ تحتاجُ إلى حمايةِ موظفّيها وتأمينِ حقوقِهم ليؤدّوا واجباتِهم بثقة. وإلى جهازٍ إداريٍّ عصريٍّ وصالحٍ ليكونَ السندَ للبلاد، ولكلِّ مَنْ يتولّى الأحكام.
أنا مَعكُم ومثلَكم، أطالب، وأعدُكُم أن أسعى مِنْ موقعي للوصول إلى قانونٍ انتخابيٍّ عصريٍّ وعادلٍ، يُحاكي طموحَ تحقيقِ الدولةِ المدنيةِ البعيدةِ عن دولةِ التمثيلِ الطائفي، ولا مجالَ فيه لحيتان المالِ من استغلالِ حاجاتِكم في هذه الأيّام الصعبة، ولا لغيرِهم مّمَن في السلطة أن يخيّط قانونًا على قياسِ حجمه.
أنا معكُم ومثلكم، أطالُبُ وأسعى لتشريعٍ أكثرَ عصريّةٍ على كافّةِ المستوياتِ الحياتيّة. معكُم ومثلَكُم أُطالبُ بنظامٍ ماليٍّ شفّاف.
معكُم ومثلَكُم أطالبُ بحمايةٍ مِنْ الفَقرِ والمرضِ والعوز، وبسياسةٍ صحيّةٍ تَضْمَنُ كرامتَكُم، ونظامٍ تربويّ يَخلُق من أبنائِكم مواطنينَ صالحين، منتمينَ إلى وطنِهِم، أحرارًا، واضعينَ كرامتَهم وكرامةَ الوطن فوقَ كلّ اعتبار.
أنا معكُم ومثلَكُم، أطالبُ بالانفتاحِ والتعاونِ مع أشقّائِنا في الدولِ العربيّة، تعاونًا لا استغلالَ فيه ولا وصوليَّة، وبتحييدِ لبنانَ عن الصراعاتِ الإقليميّة، مستثنينَ طبعًا الصراعَ العربيَ – الإسرائيلي، والقضيّةَ الفلسطينيّة.
أيّها الأحبّاء،
نحنُ، في “لقاءِ لبنانَ وطني”، أردنا للقائنا هذا أنْ يُشكّلَ رفضًا للرضوخِ للواقعِ الكئيب الذي أرغمونا على الوصولِ إليه، وأن يؤسسَ لمبادرةٍ وطنيةٍ تكونُ خشبةَ خلاصٍ مِنَ النفقِ المظلم، نقطةً مضيئةً وفسحةً مِنَ الأملِ لتقديمِ الحلولِ الناجعةِ لاستردادِ الدولةِ والنهوضِ بها على أسسٍ سليمة.
نعم، لقاؤنا اليومَ هو انتفاضةٌ بوجهِ واقعٍ أليم، وتأكيداً أنّنا لنْ نرضخَ لمصيرٍ أكرهونا على القبولِ به. هو لقاءٌ للبدءِ بالعبورِ إلى دولةِ المؤسساتِ الناضجةِ والمتمكّنة، ذاتِ نظامٍ ديمقراطيٍّ يصونُه دستورٌ يُحاكي تطلّعاتِ اللبنانيين، فيه فصلٌ واضحٌ للسلطات، وتعاونٌ جديٌّ في ما بينها، ويتمتّعُ بقضاءٍ مستقلٍّ ومقدام، وإدارةٍ عصرية، وسياسةٍ خارجيةٍ فاعلةٍ تُعيدُ للبنانَ تألُّقَهُ ومركزَهُ في المنطقةِ والعالم، وجيشٍ قادرٍ على حمايتِهِ، واقتصادٍ منتج، وبيئةٍ نظيفة، وشبكاتِ أمانٍ صحية وغذائية واجتماعية مستدامة.
تعالوا لنبدأ بتحقيق حلمِنا بلبنان، ولنَعبُرْ معاً لمرحلة انتقاليةٍ طالَ انتظارُها، تخرجُنا من معاناتِنا وتَعبرُ بنا إلى برِّ أمانٍ ننشدُه جميعًا. فلبنان الذي نَحلمُ باستعادتِهِ من المغتصبين، هو مساحةٌ إنسانيّة، وأرضٌ للتلاقي والحوار، لا أرضَ انغلاقٍ وتقوقعٍ وعداواة. أرضُ الانفتاحِ على الشرق والغرب، ومغتربينا دليلٌ ساطعٌ على طموحاتِنا التي لم تعرفْ الحدودَ يومًا، لا أرضَ تقزيمِ الأحلامِ وقتلِ الطموحات. أتمنّى لنا جميعاً نقاشاتٍ غنيّةً ومفيدة، تعطينا ما نستنيرُ به على طريق الخلاص.
وأختم، مستعيداً ما قلتُهُ يوماً في سنة 2019 مستشهداً بالأديب الفرنسي Victor Hugo “حين تُعيقُ مستقبلَ شعبٍ، تكون الثورة”… فاستمرّوا أنتم بإعاقةِ طموحاتنا، والعبثِ بكرامةِ الشعبِ والوطن، واحتقارِ دماءِ شهداءَ أروَتْ ترابَه، وأنا أعدكُم أنّ الثورةَ آتية.
عاش لبنان”