الخميس 24 تشرين الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
تدافعت التطورات متسارعة وكبيرة في دلالاتها في اليوم السابع من “انتفاضة الغضب”، لكن ابرز دلالاتها اطلاقاً تجسدت في التصرف الجراحي الدقيق للجيش في التعامل مع المجموعات الضخمة للمتظاهرين والمعتصمين، خصوصاً على طول خط المتن الساحلي والساحل الكسرواني. ولا شك في ان المشهدية التي طالت أمس عبر نقاط التجمع الكبيرة ولا سيما منها جل الديب وزوق مكايل اثبتت ان القرار الحاسم للجيش بعدم اللجوء الى القوة في فتح الطرق، على الاهمية الاساسية التي باتت ترتبها الحاجة الى فتح الطرق بعد أسبوع كامل من الانتفاضة، يلعب دوراً مركزياً في ديمومة الزخم التصاعدي للاحتجاجات بعيداً من أي خوف من قمع قد يساور أي طرف سياسي رسمي الانزلاق اليه بما يفاقم التداعيات التي يمكن ان تترتب على خطأ فادح كهذا.
وما جرى في النبطية أمس أيضاً بدا بمثابة الوجه الآخر للتداعيات الخطيرة التي يرتبها التفلت الامني في ظل الهجمة التي تعرض لها المتظاهرون من عناصر الشغب، الامر الذي أدى الى سقوط جرحى وأثار خطر نشوب مواجهات مسلحة.
ووسط هذه المعالم الامنية التي واكبت تطورات الاحتجاجات المستمرة يمكن القول إن مرور الاسبوع الاول من الانتفاضة ترك مجموعة خلاصات ووقائع مهمة للغاية يأتي في مقدمها ان المواجهة تبقى مفتوحة بل مرشحة للتصاعد بين مجموعات الانتفاضة الشعبية والسلطة السياسية وسط ازدياد عوامل الغموض حيال أي مخرج محتمل من الازمة التي ستبقى التساؤلات المطروحة حيالها من دون اجوبة ما دامت السلطة لا تتعامل بجدية علنية على الاقل مع المطالب الجوهرية للانتفاضة المتصلة أولاً باستقالة الحكومة وتأليف حكومة تكنوقراط مستقلة. الخلاصة الثانية البارزة تتمثل في المعلومات التي أفادت أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كثف في الساعات الاخيرة لقاءاته مع الاجهزة الامنية للاطلاع على التفاصيل الدقيقة لمجريات الاحتجاجات، وفي ظل هذه الاجتماعات بات في حكم المتوقع ان يطل الرئيس عون على الرأي العام اللبناني برسالة الى اللبنانيين يحدد فيها رؤيته للتطورات الجارية ويطرح موقفه منها ومن المخارج التي يراها ملائمة لانهاء الازمة.
وعلمت “النهار” انّ فريق الرئيس ميشال عون أنجز الرسالة التي سيوجّهها رئيس الجمهورية إلى اللبنانيين ظهر اليوم. وعُلم أيضاً أنّ عون اجتمع بعد ظهر أمس بعيداً من الإعلام مع قادة الأجهزة الأمنية، كلّ على حدة، لدراسة سبل فتح الطرق ومنع المتظاهرين من إقفالها مجدداً.
وكان الرئيس عون اتصل بعد ظهر أمس بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وتداول معه مضمون البيان الصادر عن الاجتماع الطارئ لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. ونوّه الرئيس عون بـ”مضمون البيان وبالدعوات التي أطلقها الكاردينال الراعي”.
الاحتضان الكنسي
الخلاصة الثالثة تتمثل في الاهمية الكبيرة للبيان الذي وصف بانه “تاريخي” والذي أصدره مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، بعد اجتماع طارىء في بكركي برئاسة البطريرك الراعي، وبمشاركة بطاركة وممثلين للكنيستين الارثوذكسية والانجيلية، والذي تبنى بل احتضن الانتفاضة الشعبية معلناً “اننا نفهم انتفاضتكم ونسمع صرختكم، نؤيد مطالبكم، ولا نقبل أن تضيع. لذا نؤكد لكم أن انتفاضتكم ستبقى تنبض في القلوب حتى تتحقق إصلاحاً.
ما فعلتموه هو أكثر من انتفاضة، إنه نهضة لبنان الوطن”. ودعا إلى “احتضان انتفاضة أبنائنا المشروعة وحمايتها، وإلى أن يتجاوب الحكم والحكومة مع مطالبها الوطنية ومنها: حكم ديموقراطي، حكومة ذات صدقية، قضاء مستقل وعادل، أداء شفاف، حياد عن الصراعات، تطبيق اللامركزية الإدارية، بسط سلطة الشرعية دون سواها، مكافحة الفساد، وقف الإهدار، استرداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، تأمين التعليم وفرص العمل، توفير الضمانات الاجتماعية لمختلف فئات الناس. هذه أبسط حقوق الناس بعد مئة سنة على نشوء دولتهم “.
كما دعا رئيس الجمهورية “المؤتمن على الدستور، وناظم عمل المؤسسات، إلى البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن مطالب الشعب”. وطالب “الشعب اللبناني المنتفض في لبنان وفي بلدان الانتشار، بأن يحافظ على نقاء تحركه وسلميته، أن يمنع أي طرف من أن يستغل صرخته ويحوّلها حركة انقلابية، ويشوه وجهها الديموقراطي. وبعد أسبوع من هذه الانتفاضة الشعبية المستمرة التي جسدت حرية التعبير، لا بد أيضاً من احترام حرية التنقل للمواطنين لتأمين حاجاتهم ولا سيما منها الصحية والتربوية والمعيشية والاقتصادية، فيبقى الرأي العام محتضناً هذه الانتفاضة”.
وقبيل الاجتماع، كان لمتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة موقف بارز توجه فيه الى “الذين يطالبون بفتح الطرق بهدف الذهاب الى العمل”، متسائلاً: “هل كانوا يعملون في السابق؟”. وقال “إن لبنان بقي من دون رئيس لسنتين ونصف، بجزر الماوماو ينتخبون رئيسا للقبيلة في شهر”. وأضاف: “يتعللون بعلل الخطايا، ويخيفوننا اليوم من الفراغ… كفى استهتاراً بكرامة الناس”. وتخوّف “من أن يقوم أحدهم بتقليص عزيمة الشباب اللبناني”.
وفي المعلومات التي حصلت عليها “النهار” ان بيان رؤساء الكنائس كان يتجه الى المطالبة باستقالة الحكومة، لكنه كان يريد ربط الاستقالة بالاتفاق على الحكومة الجديدة. ومع استحالة الامر حالياً فضل الرؤساء عدم المغامرة في البقاء في الفراغ.
محاولات الجيش
وسط هذه الاجواء، حاول الجيش فتح الطرق العامة واعادة السير الى طبيعته عليها. ومن جل الديب الى الزوق وصولاً الى غزير فجبيل، تكرر المشهد نفسه وإن بنسب متفاوتة. وحصلت صدامات بين المواطنين وأفراد الجيش وعمليات كر وفر بين المتظاهرين والوحدات العسكرية. غير ان المشهد عاد وهدأ بعدما رفع المعتصمون الصوت عاليا رافضين الاصطدام بالجيش، وقد رددوا الاناشيد التي تحييه وتدعمه. وسجلت لحظات مؤثرة بين الطرفين، حيث ظهرت على الكاميرات دموع بعض العناصر العسكرية تنهمر خلال المواجهات، والتقطت العدسات أيضاً حالات عناق حار بين بعض المتظاهرين والعسكر.
ومواكبة لهذه التطورات، قرر الجيش اصدار موقف، في خطوة نادرا ما يلجأ اليها. فغرد عبر حسابه على “تويتر” مخاطباً المتظاهرين: “الجيش يقف إلى جانبكم في مطالبكم الحياتية المحقة، وهو ملتزم حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن إقفال الطرق والتضييق على المواطنين واستغلالكم للقيام بأعمال شغب”. واضاف: جنودنا منتشرون على الأراضي اللبنانية كافة على مدار الساعة لمواكبة تحرّككم السلمي وحمايتكم في هذه المرحلة الدقيقة وهم بين أهلهم… لم نألُ جهداً في الأيام الماضية في التواصل مع كل الأفرقاء المعنيين للحؤول دون حصول احتكاك أو تصادم بين المواطنين”.
وليل أمس حصل صدام في مزرعة يشوع أدى الى سقوط جرحى. واتهم المتظاهرون عناصر من “التيار الوطني الحر” بالاعتداء عليهم.
ميقاتي و”الرسالة “
وطرأ تطور قضائي مفاجئ أثار شكوكاً وتساؤلات عن توقيته، اذ إدعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون في قرار أصدرته على الرئيس نجيب ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه وبنك عوده بجرم “الاثراء غير المشروع” في ملف قروض سكنية مدعومة، وأحالتهم على قاضي التحقيق الاول للتحقيق معهم. لكن القرار أثار تبايناً بين القاضية عون والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي اعتبر “أن إحالة ملف الإدعاء على الرئيس نجيب ميقاتي وآخرين بجرم مخالفة المادة الأولى من قانون الإثراء غير المشروع على قاضي التحقيق الأول في بيروت، من دون المرور بالنيابة العامة التمييزية، هو خطأ قانوني يجب تداركه”، مشيراً الى أنه لم يتسلم أي ملف في هذا الشأن.
ورد الرئيس ميقاتي على الخطوة بقوله: “نعم إنها رسالة والرسالة وصلت، وفحوى الرسالة: طفح الكيل منك يا نجيب ميقاتي ولم نعد قادرين على التحمل. لم تنتخب فخامة الرئيس قبل ثلاث سنوات وسنبدأ بالتعرض لك. تظهر دائماً المدافع عن الدستور والطائف وعن المقامات وخاصة رئيس الحكومة، خلص يجب وضع حد لهذا الموضوع وهناك سيف سيكون فوق رأسك”.
وأضاف: “أصلاً أنا شخصياً لا اسم لي في الملف بتاتاً، ورغم كل ذلك أقول إنني احترم القضاء وانا تحت سقف القانون وكلي ثقة برئيس مجلس القضاء الاعلى ومدعي عام التمييز”. وناشد وزير العدل “الذي تعاملت معه عندما كنت رئيساً للحكومة وهو قاض واعرف نزاهته واخلاقيته، لأقول له، يا معالي الوزير اذا كنت تحب العهد والرئيس ميشال عون انقذ هذا العهد وأوقف تسييس القضاء”
النهار