مجلة وفاء wafaamagazine
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب، الصلاة في مقر المجلس، وألقى خطبة الجمعة التي استهلها بقوله تعالى: “قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون”.
اضاف: “لا بد لمعرفة وجهة نظر الاسلام في الحوار من تعريف المقصود منه، اولا فالحوار هو تبادل وجهات النظر والنقاش حول الآراء المختلفة موضوعها قضايا هامة لها تأثيرها في تحديد المصالح وطريقة التعاطي بين طرفين او اكثر للوصول الى نقاط توافق وتحديد نقاط الخلاف وطريقة التعامل معها بديلا عن الصراع واستخدام وسائل العنف وتوسل القوة لقهر الاخر واخضاعه، فالحوار يقتضي:
اولا، التعدد وان يكون بين طرفين او اكثر فلا يكون الحوار بين الشخص وذاته.
ثانيا، التعدد في الآراء وتباينها بان تكون على نحو من التعقيد بحيث يحتاج الوصول معها الى رأي مشترك للجلوس معا على طاولة الحوار والنقاش والاخذ والرد بما يفضي في النتيجة الى حل، فلا يطلق الحوار على التفكير الشخصي ومحاولة الوصول الى رأي معين حين لا يكون لدى الشخص خلاصة محدده حول قضية معينه ويتردد فيها الرأي لديه.
ثالثا، ان يكون لكل طرف وجهة نظر مقتنع بها ومختلفة في القضية ذات الاهتمام المشترك”.
اضاف: “هناك شروط ينبغي توفرها في الحوار: اولها الجدية في ارادة الوصول الى نتائج إيجابية وعدم اتخاذه وسيله لاستنفاذ الوقت طمعا في حصول وقائع جديدة يستغني بها عن الجلوس الى طاولة الحوار، ثانيها الندية بين الاطراف وعدم توفر احدهما على اجواء لا تتناسب مع ما يتوفر للطرف الاخر كاستناده الى عوامل ضاغطة تسلب عن الاخر حرية أخذ القرار”.
وأكد “ان الحوار وسيلة حضارية وضرورية للتعايش السلمي بين الشعوب والامم، لان الانسان بطبعه اجتماعي يحتاج الى العيش مع الاخرين ولا يمكنه البقاء او أداء دوره في الحياة بمعزل عنهم، فهو مضطر للتعاون معهم لإيجاد الوسائل اللازمة لتحقيق الشروط التي تمكنه من العيش بكرامة. ولان البدائل الاخرى تتنافى مع هذه الغاية فهي اما ان تستند الى استخدام القوة واللجوء الى العنف والاخضاع، او القبول بما يختاره الاخر وتعطيل رأيه ودوره في صناعة الحياة، وهو أمر ترفضه الطبيعة البشرية والكرامة الإنسانية التي تأبى الخضوع للأخر والاستسلام لإرادته”.
وقال: “لقد كان موقف الاسلام دائما منسجما مع الفطرة الإنسانية، معززا للإحساس بالكرامة والشعور بالحرية يدفعه الى المبادرة والعمل لإنجاز ما يجعل لحياته معنى لا يتحقق بدونه قال تعالى (والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). فالإحساس بالوجود والشعور بالكرامة والقيمة مرتبط بالدور والانجاز وخلاف اليأس والإحباط، وهو ما يتنافى مع التكريم الالهي للإنسان الملازم لخلقه ووجوده والهدف الذي كان لأجله وهو في التعبير القرآني القيام بدور الخلافة الإلهية واعمار الارض وهو ما لم يرق اليه اي تصور من التصورات التي قدمت وبقيت قاصرة عن الدور الذي رسمه الاسلام للإنسان الذي يعطيه الحافز والدافع للبقاء وقوة الارادة والتصميم على مواجهة الصعاب مهما بلغت بالصبر والمثابرة حتى بلوغ الهدف او على الاقل الشعور بالرضا في ما قدمه وانه لم يقصر ولم يأل جهدا في السعي على هذا الطريق عند الفشل، فتصور الحياة من دون هدف ودور تصور قاتل يتعارض مع القيم الإيمانية والغاية من الايجاد والخلق”.
اضاف: “لقد كانت التجارب التي خاضتها البشرية في نتائجها كارثية ومؤلمة على جميع الاصعدة المادية والمعنوية جراء استخدام اساليب العنف وانتهاج سياسة الاخضاع والاقصاء للطرف الاخر عند تعارض المصالح والشعور بالقوة والاندفاع الغرائزي الذي يمليه هذا الشعور على صاحبه، وظهرت لتبرير هذا السلوك العدواني نظريات فلسفية متعددة تدعي الواقعية، وترى ان اعتماد مبادئ الحق وقيم العدالة أمرا مثاليا غير قابل للتطبيق، وهي كانت في الواقع تنتهج ما تراه قانونا طبيعيا يحكم حركة التاريخ وهي لا تأتي بشيء جديد سوى ان تكون منسجمة مع هذا القانون والواقع، يتساوى في ذلك اصحاب المذهب الماركسي والرأسمالي الغربي وقد دفعت البشرية جراء هذه الاتجاهات الفكرية وما تزال من رصيدها المعنوي والمادي ثمنا باهظا جراء الصراعات والحروب التي خيضت دمارا وخرابا ومآسي والاما، وفوتت على البشرية الكثير من الفرص لتقديم الحلول للمشكلات التي تعاني منها كالتخلف والفقر وتسهيل طرق العيش والحصول على حياة افضل لو انها سلكت طريق التعاون بدلا عن ذلك، إلا ان هذا لا يحقق لها ما تبتغيه من فرض السيطرة والاستحواذ على مقدرات الاخرين التي تبقى ضرورية لها في ساحة الصراع الدولي. لذلك، فالدعوة للتعاون والحوار التي تطلقها قوى الهيمنة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ومعها المنظمات الدولية ما هي الا ذر للرماد في العيون تلعب فيها المنظمات الدولية دورا تزويريا يغطي الجرائم التي ترتكبها هذه القوى”.
واعتبر “ان مفهوم الحوار الذي تدعو اليه هذه القوى هو في واقعه دعوة الى القبول والرضوخ لاملاءاتها والتوقيع على صك استسلامها وقبولها بالهزيمة النهائية والقبول بالوظيفة الجديدة التي هيأت لها وهي قمع اي تحرك جماهيري او دعوة تستهدف توعية واستنهاض الجماهير لتغيير الواقع ومجابهة قوى التسلط والعدوان، لذلك فان شروط الحوار بكل مندرجاتها التي سبق وتحدثنا عنها منتقيه وغير متوفرة، وبالتالي فان التعامل مع هذه القوى ينحصر بالمقاومة والمواجهة حسب مقتضيات الواقع والشروط الموضوعية المتوفرة، وكل دعوة اخرى كالدعوة الى الحوار والتعاون مع قوى الامر الواقع هي دعوة للقبول بالتخلي عن الكرامة والحرية والسيادة وتمكين قبضة المعتدي من السيطرة وجعل التخلص منها اكثر صعوبة واعظم ثمنا ان لم يكن امرا مستحيلا”.
وقال: “لقد تطورت أساليب السيطرة على بلادنا، ولم تعد قوى الهيمنة بحاجة للحضور المباشر، فما تمتلكه من أدوات داخلية وتحكم بالحركة المالية وسيطرة اعلامية واسعة كفيل بتحقيق هذه الغاية، وهو ما جعلها اكثر شعورا بالاطمئنان باستمرار التحكم باللعبة والحؤول دون تمكن المقاومة من تعديل موازين القوة لصالحها، غافلة عن ان تغيير الواقع امر مرتبط بقانون الهي وبإرادة الشعوب وليس مرتبطا بالقدرات المادية فحسب، ولذلك فان الواقع القائم الذي يبدو انه عصي على التغيير بسبب اختلال موازين القوى لصالح قوى الهيمنة سرعان ما ينهار اذا ما قررت الشعوب المقهورة المواجهة ودفع الثمن اللازم لذلك. والامثلة على ذلك كثيره وليس ادل عليها ما دار يدور من رحى المواجهة على ارضنا الطاهرة مع قوى العدوان والبغي سواء مع العدو الاسرائيلي او مع عملائه متعددي الاشكال والمظاهر وتنوع اساليب هذه المواجهة بما لم يكن يخطر على بال. هذه القوى في الحقيقة التي افتضحت جميعا وسقطت في ميدان النزال حتى أطلق عليها بالمعجزة ولكنها ليست بمعجزة وانما الامر الالهي والقانون الالهي الذي ربط النصر بإرادة المواجهة عندما تكتمل لها عناصر شروطها، أولا القضية المحقة، وثانيا ارادة النصر وصدق النية، وثالثا الاعداد اللازم للمواجهة التي عبر عنها القران الكريم بقوله تعالى ( ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم )، ان الحق منتصر لا محالة ( الا تنصروه فقد نصره الله ) رابعا، العزم على دفع الثمن اللازم للمواجهة، والله بذلك يمتحن مدى ايماننا والتزامنا بحقنا ومدى استعدادنا للتضحية فليس هناك نصر من دون اثمان تدفع، فهل كانت قضايانا العادلة والمشروعة رخيصة الثمن الى الحد الذي نترقب الحصول عليها بسهولة، لذلك تعرض الانبياء والاولياء للاذى وسفك الدماء والجوع والحصار دفاعا عن دعوة الحق ورد العدوان وبذلت ام المؤمنين السيدة خديجة أموالها وكانت كبيره في سبيل الدفاع عن الحق ولم تبخل بها، وهاجر المؤمنون في اوائل الدعوة بعد ان هدد الكفار حياتهم دفاعا عن عقيدتهم وايمانهم”.
اضاف: “أعود هنا للدفاع عن واقعنا وقضيتنا ومعاناة شعبنا في لبنان، فنحن نخوض اليوم معركة الدفاع عن كرامتنا وحريتنا التي يريد العدو امتهانها ومعركة الدفاع عن ارضننا التي يتهدد العدو سلامتها وسيادتها، واذا كنا نتعرض اليوم لحصار اقتصادي من القوى الدولية انتصارا للعدو الاسرائيلي ولفرض شروطه علينا التي عجز عن فرضها بقوة السلاح، فان ذلك مرهون بإرادتنا ومدى قدرتنا على التحمل، فلن يطول الامر اذا ما رأى الله منا الصدق والصبر، واذكر هنا بما قاله سيدنا امير المؤمنين علي (.. فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر )”.
وتابع: “لقد قلنا ان من شروط الانتصار في اي معركة محقة تهيئة مستلزمات هذه المعركة، وان من مستلزمات معركة الحصار اليوم – الذي كان الفساد احد اهم العناصر المساعدة فيه – اهم مستلزماته زيادة السعي لحث المسؤولين على وجوب الاسراع في الوصول الى تسوية في اقرب فرصة ممكنه للتخفيف من اعباء الحصار وما ولده الفساد وسوء الإدارة من مشكلات حياتية اجتماعية واقتصادية ونقدية الى جانب الوضع الصحي وما ينذر التفلت من الاجراءات الوقائية من مخاطر وتفشي للمتحور الجديد ( دلتا )، وما ينذر ذلك من اخطار، كل ذلك يستدعي الضغط على المسؤولين لتقديم ما امكن من جهد لتخفيف الاعباء عن المواطنين وخصوصا بيئة المقاومة المقصودة بهذا الحصار للوصول بها الى حالة الانفجار بفعل الضغوط التي تتعرض لها التي تستحق كل الاهتمام والاحترام، وهي على الرغم من الاساليب التضليلية لم تخضع ولم تركع وبقيت وفية لقضاياها العادلة ولم تتأثر بكل محاولات التضليل والدس والايقاع بين ابنائها من حركة أمل وحزب الله الغيارى وقيادتهما الحكيمة والمجاهدة، فمزيدا من التكاتف والتعاضد لأفشال دعاة التفرقة والفتنة، وندعو الى العطاء والاهتمام بأهل الحاجة من اخواننا المؤمنين كل حسب امكاناته وتذكروا قول الله تعالى ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين ). كما وندعو اخواننا واهلنا الى الحذر من انتشار فيروس الدلتا الاكثر خطورة واتخاذ الاجراءات المطلوبة التي تحصن مجتمعنا وتخفف من الاصابة بهذا الوباء القاتل”.