الرئيسية / سياسة / السلطة تتجاهل الإنتفاضة.. وإتصالات مكثفة على الخط الحكومي

السلطة تتجاهل الإنتفاضة.. وإتصالات مكثفة على الخط الحكومي

السبت 26 تشرين الأول 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

كلما تأخّرت المخارج والحلول الجذرية، تتعقّد الأمور اكثر، ويصبح من الصعب، لا بل من المستحيل، فكفكة العِقد، وحَرف سفينة البلد عن الوجهة التي ينساق اليها، والتي ينتظرها في نهايتها المصير المشؤوم.

وعلى ما عكسته هذه الإنتفاضة في يومها التاسع، وكأن لسان حالها يقول.. كنا في شارع يغلي جوعاً وحنقاً على سلطة حطّمت كل آماله، فصرنا في شوارع تغلي في مواجهة بعضها البعض، وهي صورة مفزعة، من الطبيعي ان ينظر اليها اللبنانيون بتوجّس وقلق، مما قد تنحى اليه الأمور لأي سبب كان، طريق السقوط في المحظور.

صار من الضروري والملح ان تلبس السلطة وجه المصداقية، وتقارب غليان الشارع، بما يلبّي الحد الادنى مما يطلبه. المحتجون يريدون شيئاً ملموساً، فيما حال السلطة اليوم، اشبه بمسرح مظلم لا يُعرف ماذا يجري في داخله، وما يمنع هذه السلطة من تلبية مطالب الجائعين.

المشكلة الاساس، انّ حلّ الأزمة يحتاج الى صدمة ايجابية، لكن السلطة غائبة، بل انّها لم تعترف بعد انّ اداءها كان مدمّراً، واوصل الدولة الى ترهّل مؤسساتي وضعف اقتصادي والى مستوى فضائحي من الفساد المتفشي في كل المفاصل، جرّاء الاغلاط الجسيمة التي ارتُكبت ولا تزال.

ليس كافياً اعتراف السلطة بأنّ اخطاء قد ارتُكبت، كما ليس مفيداً ان يتخذ المسؤول، أي مسؤول، من أزمة الناس منبراً ليلقي من خلاله المسؤولية على مسؤول آخر. فمصير لبنان الدولة والكيان مهدّد، والوضع مفتوح ولا يحتمل أيّ تباطؤ، او اي غلط.

فلسان حال الناس يؤكّد انّ الترقيع لا يُخرج الناس من الشارع، وينتظر انّ تُقدم السلطة على حلول موجعة لها هي وليس للناس، تُثبت من خلالها انّها طوت صفحة ما قبل 17 تشرين الاول وفتحت صفحة بخطوات انقاذية فورية، تؤكّد من خلالها انّها قطعت علاقتها بكل الاداء الذي كان السبب الاساس في تدهور الاوضاع وتفاقم الكراهية والنقمة عليها التي استشرت في مختلف شرائح المجتمع اللبناني، وينبض بها الشارع في كل الساحات.

واذا كانت السلطة ممعنة في تباطئها المريب حيال الاقدام على خطوة ملموسة تحاكي المناخ الشعبي الجائع المنتفض عليها، فإنّ هذا المناخ يتعرّض لضغوط ليس من السلطة فحسب، بل مما يُحكى في مختلف الاوساط، عن محاولات سياسية من العديد من الاحزاب لركب موجة الشارع باعتراف المحتجين انفسهم، الذين يرفضون حرف انتفاضتهم عن عنوان الجوع الذي اشعلها، في اتجاهات سياسية اخرى.

وفي موازاة ذلك، يبقى المطلب الاساس لدى الشريحة الواسعة من اللبنانيين، هو فتح الطرقات التي جاء قطعها في العديد من المناطق بنتائج عكسية على كل اللبنانيين، وهو الامر الذي يكبّد عذابات اضافية لهم، ويزيد من وجع العاملين لتحصيل قوتهم اليومي، اضافة الى انّه أصبح يهدّد بشح في المواد الاساسية والاستهلاكية والمتصلة بحياة المواطنين في كل المناطق.

وفيما تردّد مساء امس، انّ الجيش وقوى الامن الداخلي سينفذان اليوم اجراءات لفتح الطرقات وتسهيل تنقّل المواطنين، قالت مصادر امنية لـ«الجمهورية»: «انّ اجتماعات امنية تنسيقية ستُعقد اليوم حول موضوع الطرقات المقفلة وكيفية فتحها».

اليوم التاسع
اليوم التاسع «لانتفاضة تشرين»، حمل صور الوجع ذاتها، وصدحت الساحات بصراخاتها في وجه السلطة، الّا انّ اللافت للانتباه هو بعض المواجهات التي جرت بين المتظاهرين، وآخرين حزبيين في اعتصام رياض الصلح، تواكبت مع حديث عن اطلاق نار على متظاهرين في منطقة البربير، وكذلك في بلدة الفاكهة البقاعية وسقوط اصابات خلال اشكال بين متظاهرين وآخرين ينتمون الى «حزب الله»، اضافة الى بعض الاشكالات التي حصلت على الطريق الساحلي بين بيروت والجنوب.

اتصالات
سياسياً، علمت «الجمهورية»، انّ اتصالات مكثفة جرت في الساعات الأخيرة على الخط الحكومي، بمشاركة مستويات رئاسية وسياسية فيها.

وتشير المعلومات، انّ الوضع الحكومي هو عنوان البحث الرئيسي، ربطاً بالرغبة التي أبداها كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري بإعادة النظر في الوضع الحكومي. ولفتت الى انّ فكرة التعديل الحكومي ما زالت مطروحة كعنوان، ولكن من دون ان تتبلور صورة او حدود هذا التعديل.

وقالت مصادر مواكبة لهذه الاتصالات لـ«الجمهورية»: «حتى الآن لا توافق سياسياً على هذا التعديل، لأنّ المعترضين عليه، يعتبرون انّه خطوة قد تؤدي الى زيادة الاحتقان في الشارع، خصوصاً انّه لا يلبي ما يطالب به المحتجون، فضلاً عن انّ شكله لا يزال غير واضح ومحل التباس. فثمة كلام عن انّه قد يكون تعديلاً نوعياً يُخرج بعض الاسماء المصنّفة استفزازية من الحكومة. فإن صح ذلك، فهذا التعديل دونه اعتراضات لدى القوى السياسية التي تنتمي اليها ما تسمّى الاسماء المستفزة. وثمة كلام آخر، عن تعديل لا يطال تلك الاسماء، بل يتناول ما يزيد عن عشرة وزراء آخرين. والسؤال هنا، ما الحكمة من تعديل كهذا طالما انّه لا يغيّر لا في واقع الحكومة شيئاً، وطالما انّه سيكون مرفوضاً سلفاً من قَِبل المحتجين في الشارع».

وبحسب المصادر، فإنّ طرحاً آخر تمّ تداوله ايضاً، ولكن من دون ان يُحسم، ووُصف بأنّه قد يكون الأقرب الى التنفيذ في المدى المنظور، ويقول بتغيير حكومي شامل، يتمّ التوافق سلفاً بين القوى السياسية المشكِّلة للحكومة الحالية، على تشكيل حكومة مصغّرة، او وسطى، في وقت سريع، وتنصرف الى المعالجة وتطبيق الاصلاحات والعلاجات الفورية. الّا انّ السؤال الذي يحيط هذا الطرح: هل الحكومة المنوي تشكيلها بدل الحكومة الحالية حكومة اختصاصيين، ام حكومة سياسية، فإن كانت من ذوي الاختصاص، هل يمكن لها ان تواجه ازمة معيشية وما قد يحيط بها من مداخلات سياسية، وان كانت سياسية، فماذا عن الاسماء المستفزة، فهل تكون من ضمنها، وهل يمكن لحكومة ان تتشكّل في غياب اسماء يصرّ بعض المراجع على اشراكها فيها؟


الى ذلك، وفيما اعلنت الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي فديريكا موغيريني وقوف الاتحاد إلى جانب لبنان، وانه ملتزم باستقرار البلاد والمنطقة، ويدعم الأهداف الإصلاحية التي حدّدها رئيس الحكومة سعد الحريري، برز امس، ما اعلنه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي امس، لجهة دعوته الى تشكيل حكومة جديدة مصغّرة، وكذلك ما بثته قناة «العربية» نقلاً عن المكتب السياسي لتيار «المستقبل»، يشير إلى أنّ استقالة الحريري هي «انتحار سياسي»، قبل أن يتبيّن أن الخبر عارٍ عن الصحة. حيث أكّد «المستقبل» أنّ المكتب السياسي لم يجتمع ، ولم يصدر عنه أي موقف.

عون والحريري
عقد الرئيسان عون والحريري لقاء لاربعين دقيقة في القصر الجمهوري في بعبدا، ولوحظ عدم صدور اي بيان رسمي عن لقاء الرئيسين. الّا انّ اوساط بيت الوسط، التي حرصت على الصمت تجاه ما دار ونتائج اللقاء، اكتفت بالقول لـ«الجمهورية»: «انّ ما هو مطروح على الساحة اللبنانية كان مدار بحث مستفيض دون الدخول في اي تفاصيل أخرى.

ولفتت هذه المصادر، انّه «كان من المفروض ان يكون اللقاء بعيداً من الأضواء، فأبواب المشاورات والإتصالات مفتوحة بين بيت الوسط وبعبدا يومياً لكن هناك بعض الأمور التي لا يمكن مناقشتها عبر الهاتف، فكان اللقاء لاقل من ساعة تقريباً».

نصرالله
الى ذلك، كشف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عن «معلومات تفيد بأنّ الوضع في لبنان دخل في دائرة الاستهداف الاقليمي والدولي والذي يوظّف جهات داخلية»، معرباً عن «خشيته وخوفه على البلاد، لأنّ هناك معطيات وشكوكاً حول وجود مساع لجر البلاد إلى حرب أهلية».

واذ شدّد في كلمة امس، على «رفض الفراغ الذي سيؤدي إلى الفوضى والانهيار، وعدم القبول بإسقاط العهد واستقالة الحكومة وبالانتخابات النيابية المبكرة». قال: «من بين المجموعات التي تقود الحراك فئة وطنية وصادقة وفئة أخرى تضمّ أحزاباً سياسية معروفة كانت في السلطة. وهناك تجمعات وفئات ترتبط بسفارات أجنبية، وهناك من يبحث عن ثأر سياسي وتصفية حسابات»، داعياً «جمهور المقاومة» إلى «ترك ساحات الحراك، وأنّه ليس من مصلحة في وجودهم هناك».

وتردّد صدى خطاب نصرالله في القصر الجمهوري، وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»: «ما جاء فيه اوحى بوجود اولويات اخرى ابعدت موضوع التغيير الحكومي».

واما اوساط بيت الوسط، فقالت لـ«الجمهورية»: «كان واضحاً وصريحاً بما حمله من مواقف لا توحي بإمكان الوصول الى مخارج للمأزق القائم في المدى القريب».

وختمت هذه المصادر قائلة: «اي خطوة بحجم الاستقالة لا يمكن الخوض فيها ما لم يتمّ التفاهم على ما تليها من خطوات وتحديدا شكل الحكومة المقبلة».
مأزق مُضاعف

الى ذلك، ومع استمرار الانتفاضة الشعبية لليوم التاسع على التوالي، وتوقف الحركة والعجلة الاقتصادية بكل مرافقها، تزداد خطورة الوضع المالي في البلد، والذي اصبح اليوم في مأزق مُضاعف. وبات السؤال المطروح حالياً، كيف ستتمكّن المصارف من اعادة فتح ابوابها مجدداً اذا لم تحصل صدمة ايجابية تسمح بعودة هادئة لعمل الاسواق المالية؟

وفي تقدير الخبراء الاقتصاديين، انّ عودة الحياة الطبيعية، واعادة فتح المصارف من دون تحقيق صدمة ايجابية، تعطي بعض الثقة للمزاج الشعبي العام وستكون بمثابة مجازفة غير محسوبة النتائج، وقد تؤدي الى حركة سحوبات مالية كبيرة لن يكون في مقدور النظام المالي الصمود في وجهها. وقد تقع الكارثة.

وفي هذا السياق، جاء تقرير «ستاندرد أند بورز»، ليزيد منسوب القلق والمخاطر. اذ اشار الى انّ وكالة التصنيف قرّرت ان تضع تصنيف لبنان الائتماني الحالي على المدى الطويل «B-»، والمدى القصير «B»، تحت المراقبة لمدّة 3 أشهر مع احتمال نسبته 50 في المئة لخفض التصنيف، بعد مراجعتها السياسة التي ستعتمدها الحكومة للاستجابة للضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وفعاليتها في استعادة ثقة المودعين.

واشارت الوكالة، الى أنّ انخفاض تدفقات العملة الأجنبية قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط المالية والنقدية ويحدّ من قدرة الحكومة على الاستجابة للمطالب الاجتماعية الملحّة. مشيرة الى انّ عدم اليقين حول السياسات التي سيتم اعتمادها على المدى القريب، قد يختبر مدى ثقة المودعين ويضغط على احتياطات النقد الأجنبي.

الجمهورية